عائلة بري في حلب: تاريخ أسود من المشانق إلى القصر الرئاسي !

اشتهرت عائلة بري في حلب بتشبيحها وسطوتها على مدينة حلب منذ عشرات السنين، واستخدم النظام السوري هذه العائلة التي كان جلّ أفرادها يسكنون في منطقتي "باب النيرب" و"الصالحين" كـ "عصا غير شرعية" في تأديب من يعاديه حتى من التجار وفرض الأتاوات عليهم قبل الثورة السورية.
وبعد اندلاع الثورة استمروا مع زعيمهم علي زين العابدين بري المعروف بـ "زينو" - الذي قُتل فيما بعد- في أعمال التشبيح من أذى ونهب وترويع للآمنين والقتال إلى جانب قوات النظام حتى انتهوا نهاية دراماتيكية على يد غرمائهم في الدم من العشائر الأخرى لتنطوي بذلك صفحة سوداء من تاريخ هذه العائلة التي تسلّطت على العباد مستفيدة من تواطئها مع النظام لعشرات السنين، ما دعا أحد المهتمين بهذه الظاهرة إلى القول "إن عائلة برّي هي مثال مصغّر عن عائلة الأسد، فالأولى كانت حصتها مزرعة حلب، والثانية كانت حصتها مزرعة سوريا بما فيها حلب.
"هدول بيت بري بكرا بتعرف !"
نشر الدكتور نائل الحريري على صفحته الشخصية على "الفيسبوك" جوانب من تاريخ عشيرة آل بري وسطوتها على المجتمع الحلبي وريفه كما عايشها أو سمعها فقال: منذ ولدت وأنا أسمع بهذه العائلة وبمصائبها. وبالأخص سلسلة الثأر الشهيرة بين آل بري وآل حميدة، التي لا أعرف من بدأها ولا كيف بدأت، وربما نسيت العائلتان بداية القصة.
وقد تعرفت للمرة الأولى عندما كنت صغيراً على سلسلة من حالات الثأر بين العائلتين، وأذكر أن والدي كان يتحدّث عن أنّ أحداً من عشيرة بري قد لمح ابن حميدة في أحد الميكروباصات، فأخرج رشاشه -يبدو أنهم كانوا مسلحين دائماً وأبداً" وأطلق رصاص رشاشه على الميكروباص بأكمله فقتل من قتل وجرح من جرح فيه. وحين سألت أبي؟ وهل قبضت عليه الشرطة حين فعل ذلك ؟ أجابني: "هدول بيت بري، بكرا بتعرف" ويردف الحريري: استغرق الأمر مني بضع سنوات كي أكبر وأعرف كيف أصبح هؤلاء أكبر عشيرة في حلب، كانوا يمتلكون وكالةً حصريّة في تهريب المخدرات إلى داخل سوريا، وكانوا معروفين بتوزيع حبوب المخدرات على بسطات الدخان التي يشرفون عليها وتركوا بصماتٍ سوداء في حياة عشرات آلاف الأسر التي خسرت شبابها بسببهم.
كل ذلك كان يتم بمباركةٍ من السلطة التي تعهّدت لهم بكرسي دائم في مجلس الشعب، وبالفعل لم تكذّب السلطات وعدها فكانت كل دورةٍ تأتينا بنائب جديد من عشيرة البري محصناً بحقيبته الديبلوماسية.
ويضيف الحريري: لم تكن هذه قضيةً بالنسبة للسلطات، فحين كانت تحصل مصيبة من عيارٍ ثقيل يذهب ضحيّتها عشرات الأشخاص كانت العشيرة تنتقي فرداً من أفرادها لتلُبسه التهمة، وتتكفّل بمصاريف عائلته وإكراميته طيلة فترة غيابه. فيحكم عليه بالإعدام، ويحبس شهراً أو أقلّ أو أكثر ثمّ يخرج حرّاً طليقاً كأن شيئاً لم يحدث.
ويبدو أنّ القضايا الثقيلة التي لا يمكن غضّ الطرف عنها مثل حادثة الميكروباص كانت تمرّ مرور الكرام، كان"الشييلة أو -أكباش الفداء" أكثر عدداً من شباب العشيرة لذلك صادف أنّ كثيراً من شباب العائلة يحمل عدّة أحكامٍ بالإعدام من ثلاثةٍ إلى سبعة و(علي زين العابدين بري الشهير بـ "زينو" والذي شاع مقطع تصوير إعدامه، كان من بين المحكومين بثلاثة أحكام إعدام أصلاً والبعض يقول بوجود من لديهم عشرة أحكام إعدام مجتمعة.
من المشانق إلى القصر الرئاسي !
ويستعرض د نائل بعد ذلك جوانب من تأثير عائلة بري ونفوذها لدى النظام قبل اندلاع الثورة قائلاً:
في لقاءٍ جمعني برئيس فرع المخابرات الجوية في حلب (أديب سلامة) أيام موضة الوفود من المحافظات، صادف أن فتح البعض موضوع عشيرة بري فقال وقتها ساخراً بالحرف: "بيت بري؟! نحنا منقدر عليهن؟ هدول الـ.... ما بيقدر عليهن ! "وكانت هذه الجملة خاتمةً كافيةً لعدم الخوض في باقي تفاصيل الموضوع، ويروي الحريري بعد ذلك حادثةٍ فريدة من نوعها حين خرج وفد من عشائر حلب يضمّ أربعين وجيهاً من وجهاء العشائر إلى القصر الجمهوري لمقابلة الأسد، وأعلن في اليوم التالي عن خبرٍ مرعبٍ للغاية (36 من أصل 40) من أعضاء هذا الوفد محكومون بالإعدام، وبدل أن يتوجهوا إلى حبل المشنقة توجهوا معزّزين مكرّمين إلى القصر الرئاسي. ويروى أن بشار الأسد حين سألهم عن طلباتهم قال أحد وجهائهم: "نريد سلاحاً " فقال الأسد: "أنتو ناقصكن سلاح؟!" وفي هذا إشارة واضحة إلى معرفة الأسد بنشاط تجارة السلاح الذي يديرونه.
أكبر من سلطة الأمن !
ويسرد د. الحريري جوانب من مشاركة عائلة بري في قمع الثورة السورية في بدايتها قائلاً: صدمتني رؤيتهم لأوّل مرّة في منطقة السليمانية أثناء اعتصام نقابة الأطباء الشهير بحلب والذي شارك فيه أصدقاء لي، وكان من أوّل حركات الاحتجاج في المدينة. يبدو أنّ سلطتهم كانت أقوى وأكبر من سلطة الأمن نفسه فآل بري كانوا قبل أن يزول نفوذهم يمثلون ما تمثله الفرقة الرابعة في دمشق إنما بسلطةٍ فوق قانونية، حيث إنّ الأمن والشرطة تعتمد عليهم في إرهاب وقتل المتظاهرين كي يدعم ذلك ادعاءها بأنّ قوات الأمن والشرطة لا تهاجم أحداً. لا يوجد لديهم خط أحمر، ولا يمكن توقع أيّ رحمة أو شفقة منهم.
ويستدرك د . نائل: لا شك أنّ الكثيرين من آل بري أشخاص مثقفون ومهندسون وأطباء ومحامون، وهم لا يرضون عن نشاط هذه العشيرة ومعظمهم اضطر للسفر خارج حلب وبعضهم خارج سوريا. وأعرف منهم كثيرين ممن يرفضون ربطهم بما تقوم به العشيرة الشهيرة.
ويبدو أنّ أرشيف عشائر اللجان الشعبية طويل يمكن لدى فتحه يوماً ما أن يضيف الكثير إلى القصص التي يمكن أن نرويها، وإلى مادة الفن التراجيدي الأسود الذي يمكن أن يخرج إلى النور لاحقاً.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية