أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

انتبهوا.. قبل أن يسقط النظام ... سامر محمد أحمد*

يستطيع المتابع للشأن السوري سواء كان عسكريا أو سياسيا أو الاثنين معا، أن يعترف أننا أصبحنا أمام حال ومسار للصراع لا مكان فيه للعواطف أو القراءات الرومانسية، أو حتى الحملات الإعلامية التي كانت توثر بمسار الصراع إلى حد ما، كما كان سائدا على مدى أكثر من عامين ونصف.

ولابد للقارئ المتأني والمتجرد من أيدلوجيات ومفردات طرفي الصراع، أن يحدد جملة من الأسباب والمعطيات التي أصبحت تتمتع بشيء من الوضوح والثبات، وأضعها بين يدي القارئ كمسبار يكشف ويحدد مسار الأمور.

في القراءة العسكرية: في البداية استطاعت مجموعات الثوار التي تشكلت نتيجة التعامل العنيف مع المظاهرات أن توفر حماية مقبولة من عنف قوات الأمن والشبيحة، حيث عمت هذه المظاهرات أرجاء سوريا واتصفت بدرجة عالية من السلمية والروح الثورية التي رفضت الاستبداد بشكل مطلق.

وتطورت مجموعات الثوار تدريجيا إلى أن استطاعت امتلاك السلاح وفرض معادلة المناطق المحررة الخارجة عن سلطة النظام وجيشه، في حين بات النظام غير قادر على السيطرة على الأرض ولا على فرض التجنيد الإلزامي، في ظل تدهور واضح في بنية الجيش والدولة وبالتالي النظام.
ما الذي حدث ومنع سقوط النظام؟!

استطاع النظام على مدى الشهور الست الماضية من إعادة خوض معركته بطريقة استراتيجية تمنع سقوطه على الأقل من وجهة نظره، حيث انسحب تماما من المناطق السكنية والمدن والبلدات وأوقف نزيفه المستمر، وحافظ على المفاصل الرئيسة في الجغرافية السورية والمدن، وأدار معركته بنفس طريقة تقدم قوات المعارضة المسلحة في حرب الاستنزاف والمدن، وذات التكتيكات القتالية في التمترس ومنع تقدم قوات الخصم وحفر الخنادق والأنفاق، مع المحافظة بشكل أساسي على خطوط إمداده العسكري، في ظل دعم روسي وإيراني حقيقي بالعتاد والذخائر، فضلا عن فائض تفوق عسكري نوعي يوفره هؤلاء له.

ولما كان النظام يعاني نقصا حادا في قواته، التي كانت تشكل عبئا عليه بالأساس نتيجة انفراط العقد السياسي مع مكونات واسعة من الشعب السوري، لجأ النظام إلى التعويض عبر ميليشيات طائفية من الطائفة العلوية أسماها "جيش الدفاع الوطني" واستقطب لها المقاتلين الشيعة بحجة وجود المقامات المقدسة عندهم، وانخرط هؤلاء فعليا بالقتال ضد المعارضة المسلحة، فضمن النظام بذلك الوصول لنقطة التوازن، بحيث وصل الوضع إلى شيء أشبه بالتقسيم، يسمح بالاعتراف بوجود مساحات جغرافية للمعارضة وأخرى للنظام، ونقاط تماس بينهم هي خطوط ثابتة تقريبا.

وغدا تقدم أحد الطرفين يعتبر إعلاميا نصرا واضحا واستراتيجيا، يسمح بتخطي نقطة التوازن الحاصلة، ومدينة القصير نموذج واضح على هذا الأمر.

أما على الصعيد البنيوي فما زال النظام يتمتع بتركيبة تحول إلى حد ما دون انهيار نظامه، وبجيش أقرب للحرفية والهيكلية الهرمية، يحتفظ بتوزيع الرتب والمسؤوليات، في حين باتت بعض تشكيلات المعارضة المسلحة أقرب للعمل المليشياوي أو الحزب،ي الضيق مع مال سياسي وولاءات متعددة بعدد الداعمين واللاعبين والعابثين، حيث أصبح من الصعب إن لم نقل المستحيل إدارة الصراع بطريقة حرفية استراتيجية تسمح بتوفير الإمدادات العسكرية من ذخيرة وسلاح، وتمنع سقوط مناطق المعارضة واحدة تلو الأخرى في ظل نظرية عسكرية يتبناها النظام تقوم على "تسطيح الأرض" أو "الأرض المحروقة"، وسقف مفتوح من السلوك اللاأخلاقي، يجسده الاستخدام المفرط والكثيف لشتى صنوف الأسلحة المدمرة بمافيها الكيماوي، مع تحول خطوط المجتمع الدولي الحمر إلى ألوان أخرى تنذر بسياسة "غض النظر" عن بطش النظام وحلفائه الذين يقفون خلفه.

في المنحى السياسي:
ليس خافيا على أحد خطاب النظام السياسي وأدبياته، ولا حتى بقايا أيدلوجيات حزب البعث المتهالكة، أمام إجرام غير مسبوق في التاريخ.

لكن سياسة النظام تبقى تدار بطريقة الدول ذات المصالح المشتركة، والوكيل المدرك لتحالفات وتوازنات الدول على المستويين الإقليمي والدولي، فهي ضامنة إلى حد ما عدم حصول اختراق على صعيد المؤسسات الدولية ذات القرار والتأثير، كمجلس الأمن مثلا، بفض الفيتو الروسي الصيني، والتحالف مع إيران، ما يضمن التوازنات الإقليمية، ويمنع بشكل فعال أي عمل عسكري ذي أهمية من إحداث خرق واضح في معادلات الصراع.

على المقلب الأخر، لا تبدو المعارضة السياسية قادرة حتى الآن على إيجاد خطاب سياسي واضح يكون منسجماً مع مايحدث بالداخل السوري، ويشخص أدوات الصراع ويحدد آلياته ويمنع مسار الثورة من الضياع مع دخول "الجهاديين المتطرفين" على الخط، وإيهام الرأي العام الدولي بأن مايحدث هو صراع بين إرهاب وتكفير وظلامية، مقابل نظام لايستطيع أحد إنكار سوئه، لكنه يسوق مبررات تقول إن الخصم أسوأ منه بكثير.

ولابد لمن يقرأ كلماتي أن لا يعتقد أننا نمارس هواية جلد الذات ،فقوات الأسد تقوم بـ"الواجب" وأكثر، وتحاصر المدنيين والمناطق الواقعة تحت سلطة المعارضة حصارا لم يفعله طاغية من قبل، ولم يكتب عنه التاريخ أبدا.

إن معادلة الشعب السوري بغاية الوضوح، إما أن ينتصر أو ينتصر، ومن هنا فإن المطلوب فقط صنع النفوذ وتقويمه وصقله، حتى نخفف معاناة الشعب في الداخل والخارج.
ولا يخفي المتابع الحريص على سوريا وشعبها خوفه الحقيقي والمشروع من النفق المظلم الذي تبدو الأمور سائرة نحوه، إلا إذا أعادت كل القوى الفاعلة تصويب المسار وتشخيص الواقع بطرق أكثر علمية وواقعية وبراغماتية.

ما الحل؟!
تفرض معادلات القوة والصراع أن تخوض المعارضة المسلحة حربها ونضالها على مبدأ النفس الطويل، وتوفير خطوط الإمداد اللازمة للمسلحين من جهة، وكسر الحصار عن المدنيين والحاضنة الاجتماعية من جهة أخرى، ولا يتحقق ماسلف إلا بإعادة ترتيب المعارضة لنفسها بمجالسها العسكرية المحلية المدنية وهيئاتها الخارجية، وحصر التمويل وطرق الدعم وتنظيمها ما أمكن، وبناء استراتيجيات مواجهة جديدة مع النظام تستنزف مابقي له من عناصر قوة ودعم، وتعيد صياغة الخطاب الإعلامي بطرق أكثر نجاعة، حيث ينتقي الخطاب مصطلحاته، بما يسمح للثورة من استعادة ألقها.

و من منطلق معرفتي وثقتي بإمكانات وطاقات الشعب السوري، أقولها باختصار: إن لم نفعل ماينبغي فعله وبالسرعة المطلوبة سيسقط النظام.. لكن ماينتظرنا أسوأ بكثير مما كنا عليه عشية الثورة.
والله من وراء القصد 

*باحث بالعلاقات الدولية، وقائد ميداني
(105)    هل أعجبتك المقالة (98)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي