المشايخ الأفاضل، أساتذتنا،, سياسيونا، عسكريونا،, إخوتنا الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبعد:
مع بداية الثورة كان الدور الأهم الذي وجب على حمص أن تلعبه هو إبقاء الشعلة متوهجة ونقل نار الثورة نحو المدن والمحافظات السورية الأخرى، ورغم الفاتورة الضخمة التي دفعتها حمص، فقد استطاعت بعد أشهر من الصمود أمام كل الرياح التي حاولت أن تطفئ الثورة.. استطاعت أن تنقل الشعلة نحو باقي المحافظات، علما أن وقود هذه النار كان دماء أبنائها ودموع أمهاتها.
عرفت حمص وثوار حمص أن دورهم في مرحلة اشتعال الثورة سيكون الصمود والمحافظة على حمص عاصمة للثورة السورية؛ منعا لمشروع التقسيم وسعيا وراء وحدة الأرض, بقي ثوارها صامدين مرابطين محافظين عليها قلعة حصينة، منتظرين بدء المرحلة الثالثة وهي تحريرها في وقت كانوا يعلمون أنه ليس بالقريب لكنه قادم لا محالة.
عاش ثوار حمص على نبض الانتظار بل إن منهم من مات على ذلك..انتظار التحرير القادم من الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، وريثما يأتي فالصمود أمام كل الحملات الشرسة هو المطلوب, في ظل هذه الفترة كانت الأوراق ترتب وحافظت حمص على عملها المؤسساتي وطورته وحافظت على اعتدالها ونهجها المشهور، كما حافظت على نظافة أفكار أبنائها واستعدت لكل ماكان يطلب أن تستعد له.
أقال الثوار من أفكارهم كل التوجهات نحو الأحياء التي سميت بالآمنة، وقبلوا أن يموتوا ويجوعوا وتبتر أقدامهم وتفقأ أعينهم في سبيل هذا الهدف.
اليوم وبعد 18 شهرا من الصمود في أحياء حمص، وبعد الحملة العشرين على أحيائها يكاد الناس هنا يشعرون بالعزلة الكاملة، وكأنه لا ثورة إلا في هذه الأماكن، ويرضى غيرنا أن يعيش مع أبنائه ويضاجع زوجته ويأكل ويشرب ويعيش مع الثورة بنصف دوام أو بربع دوام، لا بل إن الطامة الكبرى التي بدأنا نشعر بها أننا كلما اقتربنا من مجموعة أو فئة وجدنا ضعفهم وعجزهم وتخبطهم وضبابية الرؤية لديهم للمستقبل، فضلا عن فقدان التخطيط الاستراتيجي، رغم أننا مددنا إليهم أيدينا للسير نحوه.
وربما تعلل أحدهم بأنه يعمل في الجانب الإغاثي أو الطبي لساعات طويلة في اليوم، وهي لا تتعدى أن تكون جوانب خدمية للثورة نتجت عنها، ومن الحكمة أن يسرع في إنهاء الثورة ليخفف عنه العبء.
هذا قدر الله علينا، وذلك قدرهم ونتيجة أعمالهم، ولا أحد يضمن لنفسه تقلب القلوب ولا لغيره تقلب الأحوال، ولكن يحز في النفوس ذلك العجز الواضح وقلة الحيلة التي بدأنا نراها من ممن اعتبرناهم أصحاب رأي وقرار، بعد أن سلم الناس رقابهم لهم.
هل تعلمون أن بعض شبابنا مات وهو يقول إن الشيخ الفلاني ذهب إلى إدلب أو حلب ليجمع الكتائب ويأتي لتحرير حمص.. مات على أمل الانتظار، وهل تعرفون أن أغلب الناس هنا لا تزال تقول لك حتى هذه الساعة أن في حمص من يستطيع أن يقيم الدنيا ولا يقعدها في حال شعروا بالخطر يحدق بنا!
وإن غيرهم كان يظن بأن المجالس العسكرية أو المدنية أو الحزب الفلاني، هي التي ستفتح أمامه كل الأقفال المغلقة، وستأتي بالخير الذي يشابه الخير القادم من مطر عظيم بعد أشهر جدب ونضوب ماء.
هاهي الأيام مضت ولاتزال، ونحن في حالة انتظار رسمناه لأنفسنا بسبب طبيعة التكامل التي كنا قد آمنا به،ا فعرفنا حدنا ورسمنا لأنفسنا مربعات سرنا داخلها محترمين أنفسنا وغيرنا، فلم نتدخل في عملهم ولم نسألهم يوماً عما يصنعون.
ولما كان وضع حمص على هذا وعلى هذا حالها، فإنه لا بد من إعادة النظر مرة أخرى في مواضع أقدامنا وفي الأمتار القليلة التي نراها أمامنا، وفي المستقبل المنشود الذي نتطلع إليه مؤجلين النظر في أفعال الماضي إلى وقت آخر، وعلى الله الحساب وهو الحكم.
مشايخنا الكرام, وجهاؤنا الطيبون, سياسيونا, عسكريونا وإخوتنا الذين ضربوا على صدورهم وتصدوا للأمر ومضوا فيه، أيا كان دورهم:
إن السكين إذا وضعت على الرقبة ضاعت معها كل البروتوكولات والألفاظ المؤدبة والطيبة وتعلق الإنسان بكل ما يجد فيه أمل أو بصيص نور, إن ثائراً من كبار ثوار حمص وقياداتها ولد في العام 1993لم يعد يطيق الصبر ولم يعد يستطيع أن يؤمن بكم كأصحاب مؤسسات تنظيم أو رسم خطط للأزمات أو الإنقاذ, فبدأ يرسم الخطط للدخول إلى الأحياء وتحرير الأفرع الأمنية وتفجير الأماكن التي يعتقد أو يظن أنها تفيده في معركته القادمة، وإنه لصاحب عذر بعد كل تلك المقدمات وكل فترات الصبر والانتظار، وإننا لم نعد نمنعه مما يدور في رأسه وهو قادم لا محالة إذا استمر الوضع هكذا.
إن كتائباً من التي لا تنتمي لفكر أهل حمص واعتدالها ونهجها بدأت بعرض خدماتها على ثوار حمص، وإنه لا مجال لرفض هذه الخدمات فالحياة والبقاء والحفاظ على الثورة والرغبة في انتصارها أعلى وأغلى من كل تلك الأفكار الأخرى البعيدة، التي يرغب الجميع بالحفاظ عليها.
إن النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي ماهو إلا سراب، في حال بدأ هؤلاء الإخوة برسم سياسة العمل القادم، وإننا لم نعد نملك أدوات ولا أفكاراً لحثهم على التمسك بالصبر والاحتساب، فلقد أصبح إيمان هؤلاء أكبر من كل ما قرأناه في الكتب، حتى أن الأخ صار يشاهد الآيات أمامه رأي العين، في حين أن من ينصحه يقرأها في الكتب أو يحفظها غيبا.
فلم يعد لتلك الكلمات التي تعُنى بالتصبير والتذكير والوعود أية فائدة، لأنها تصب في أوعية مملوءة غالبا، ومقتنعة بأن النار والجنة لا تبعد أكثر من خطوة إلى الأمام، نحو طلاقة مفتوحة على العدو، أو نحو ساحة بيت عربي تمطرها الصواريخ.
إن مجالس حمص العسكرية والثورة والمدنية ومؤسساتها لن تبقى تعني أي شيء في معركة الغد القادمة لا محالة، إذا ما بقيت حالة الجمود وقلة الحركة، التي باتت أقرب إلى العجز الواضح وضوح الشمس.
وإن الأحياء الآمنة ربما تصبح مصطلحات للحفظ في أرشيف الثورة، وإن العمليات الاستشهادية ربما يغلو سوقها ويزاد الطلب عليها في الوقت القريب.
الإخوة الكرام:
إن الأمر عظيم والقادم أعظم، والحال في حمص ينذر بتفجر الوضع، بحيث لا يبقى أحد بعيدا عن النار التي اشتعلت، وتنتظر ريحا خفيفة تنقلها.. أو ماء غزيرا يطفئها، وإنكم اليوم أمام مسؤولية كبير،ة نتحمل كلنا نتائجها القادمة فانظروا ماذا أنتم فاعلون.
حمص المحاصرة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية