لا يمكن التكهن بما تشعر به هذه الطفلة من المعضمية بريف دمشق، وصرختها التي تخرج من كل ملامحها ليست بسبب الخوف فقط، بل هو شعور الفجيعة، فعندما تهاوى منزلها بسبب القصف كانت جالسة تستعد لتناول طعام الإفطار الذي تحول إلى بقايا طعام وشظايا، لتخرج وصراخها يشق الفضاء من تحت الأنقاض بما يشبه معجزة إلهية أبقتها على قيد الحياة.
المعضمية اليوم هي المدينة السورية الأولى التي لم يبقَ فيها مئذنة جامع سليمة، ومدينة الـ11 مسجد باتت اليوم بلا مآذن، وليبقى آذان المغرب غائباً في شهر رمضان عن مساجدها.
تم تدمير7 مساجد منها بشكل شبه كامل، بينما تم قصف 6 مساجد بشكل جزئي، واستهدفت المآذن بطريقة يشعر معها من يراها تتهاوى أن ثمة ثأرا بين قذائف وصواريخ الأسد وبيوت الله تلك، وتحولت كل تلك المساجد أو ما تبقى منها إلى أماكن غير صالحة للصلاة ولا لحماية الهاربين من بيوتهم، ولم يحافظ سقف المسجد على قدسيته التاريخية بإيواء المشرد والخائف، ومن هذه المساجد "مسجد الإيمان، والصحابة والعمري الذي تلقى أكثر من 10 صواريخ، ومسجد الروضة والزيتونة وأبو بكر وعلي ابن أبي طالب.
على أبواب الكارثة
تقف المعضمية اليوم على أبواب كارثة إنسانية مع بقاء 6000 امرأة وطفل وأكثر من 850 جريحا داخل الحصار الشديد الذي دخل شهره الثامن، في ظل فقدان تام للكهرباء منذ 238 يوما وغياب شبه تام للخبز والمواد الغذائية لليوم 196، واستمرار القصف بشكل يومي وعلى مدار الـ24 ساعة.
وإن كان من سبب للحصار الشديد لمدينة المعضمية فإن ذلك يعود لكونها بوابة دمشق الغربية، وتبعد حوالي 4 كم عن العاصمة، وهي ملاصقة لمنطقة المزة التي تعد مخزنا للشبيحة، ويطل عليها مطار المزة العسكري حيث يتمركز جزء من الفرقة الرابعة المعروفة.
وفي اليوم السادس من رمضان وصل عدد شهداء المدينة إلى 14 شهيدا، ولتكون المعضمية شاهدا على 1100 شهيد منذ بداية الثورة.
وبحسب أحمد المعضماني "ناشط وإعلامي" فإن قوات الفرقة الرابعة تتمركز على تلال المعضمية المحيطة بها وتقصف مدينتي المعضمية وداريا من تلك التلال الواقعة شمال المدينة.
للمعضمية خنساؤها
"أم محمود" كانت قبل الثورة كغيرها من الأمهات، وتحولت بعد الثورة لأم أربعة من الشهداء وزوجة شهيد.
وإن كانت أمهات سوريا بتن يمعظمهن أمهات شهداء، فإن أم محمود شهدت قتل أبنائها الأربعة ذبحا بسكاكين الشبيحة بعد اقتحامهم منزلها، وتركوهم على الأرض مضرجين بدمائهم "كما يروي المعضماني أحد شهود الحادثة".
وبعد ذلك جلس أولئك يتناولون الطعام من منزلها ومطبخها، أمام عينيها، وعند هذه النقطة يصمت الكلام لأنه ما من كلام يحكي عما حل بتلك المرأة الأم.
هذا وتستمر نداءات الاستغاثة من داخل المعضمية، ولايزال الناشطون يطلبون المساندة من الخارج، وتضيع أصواتهم "على ما يبدو" قبل أن تصل إلى مسامع العالم، لتبقى مدينة داريا هي السند الوحيد لجارتها المعضمية، وللمعضمية وداريا وصمودهما كل تلك الأشهر حكاية أخرى، سندخل في تفاصيلها لاحقاً.
جفرا بهاء - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية