أطعم "أبو عبد الجليل" الثوار طيلة عام ونصف مضت، أطيب الطعام وأشهاه.
كان لدى "أبو عبد الجليل" محل مأكولات فاخر في فترة ما قبل الثورة، وبعدها عمل في تصدير المواد المغلفة التي تعتمد على الجودة، عموماً كان فكره متطوراً وسباقاً للأفكار الجيدة والكبيرة.
كانت حالته المادية جيدة، وبالمصطلح المعاصر تستطيع أن تطلق عليه اسم "رجل أعمال", كنت أشاهده في فترة ما قبل الثورة بسيارته الجميلة وثيابه الناصعة والأنيقة ووجه النير.
في الثورة جلس خلف "طناجر" الطعام وبراميل "المخلل" يصنع الوجبات للمقاتلين, كان كريما لدرجة تشبع معها قبل أن تأكل، ولطيفا لدرجة يشعرك معها أنك تتفضل عليه بأنك تأكل مما طبخ، ومبتسما لدرجة تنسيك جهد يومك وشقائه.
تسحرنا منذ قليل الطعام الذي جهزه "أبو عبد الجليل"، لكنه لم يكن بنفس الطعم المعتاد كان ينقصه الكثير, أكلنا ودموعنا تسيل, لم يكن الطعام يشبه الطعام وكادت، اللقم أن تبلع بصعوبة وغصات.
"أبو عبد الجليل" استشهد بعد أن حضّر الطعام للناس كالعادة، ووعد الكثيرين بفطور رمضاني شهي وطيب.
أقف كثيرا عند صورتين لذلك الرجل الجليل "أبو عبد الجليل".. صورة الرجل المتوسع بتجارته وأعماله ذي الهيئة الجميلة، وصورة الرجل المنشغل بالطعام والمشغول بإرضاء الناس وإطعامهم.
ولكن هناك صورة أخيرة ترتسم في خاطري لوجهه الجليل المبتسم وهو يغادر الحياة.
أقف لأول مرة عاجزاً عن التعبير خاتماً بـ"لا حول إلا بالله" و"إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون". عسى أن يجعل الله بعد عسر يسرا، ورمضان مبارك, على أمل أن يختم بالخير والقبول للجميع.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية