أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رويترز: التعايش في ريف حمص يقف على شفير هاوية

ظل ريف حمص بغرب سوريا طيلة أشهر نموذجا غير تقليدي للتعايش في الحرب الضارية التي تشهدها البلاد منذ عامين، والآن ثمة احتمال أن ينزلق إلى طريق يجعله نقطة سوداء في الصراع الذي يتخذ بعدا طائفيا متزايدا.

وأجبرت الثورة السورية التي تحولت إلى صراع مسلح أغلب السوريين على الانحياز إلى أحد طرفي الصراع، لكن هذا القطاع الاستراتيجي من الأرض الذي يسكنه مزيج من الطوائف الدينية ذات الانتماءات السياسية المتباينة تجنب هذا الخيار.

ونظرا لتوجس طرفي الصراع من فتح جبهة جديدة، سمح الطرفان للقرى بأن تتعاون سرا "مع كل من القوات الموالية لبشار الأسد وكذلك الثوار".

وتتعامل كل من هذه القرى بطريقتها الخاصة، فعلى سبيل المثال فإن "قرية الزارة" تبدو صباحا وكأنها منطقة موالية للنظام، إذ ان المدارس تفتح أبوابها، كما أن علم النظام يرفرف وصور الأسد معلقة في المصالح الحكومية.

لكنها في الليل تتحول سرا إلى مركز تهريب للغذاء والدواء والسلاح المتجه إلى الثوار في القرى المجاورة، والذين يحاربون قوات الأسد لإنهاء حكم هذه العائلة المستمر منذ أكثر من 40 عاما.

وقال "سالم" وهو عامل بناء من القرية التي يسكنها 8 آلاف نسمة: "الجميع يعلم ما كان يحدث، الرجال يمررون الإمدادات عبر نقاط التفتيش التي تحرسها ميليشيات الأسد، أمام أعينهم".

وقال ساكن آخر في الزارة: "أي صاحب عقل هنا يرى أن نتيجة القتال هنا ستنتهي بلا شك بدمار الجانبين".

وقد حاولت القرى الكبرى مثل الزارة طوال شهور تحقيق توازن دقيق بين التعاطف الايديولوجي والواقع الجغرافي. وباعتبار أن هذه المنطقة تسكنها أغلبية سنية، فإن السكان يتعاطفون مع الانتفاضة ضد حكم الأسد.

وقد لجأ آلاف من أقارب المقاتلين الذين انضموا إلى الانتفاضة إلى هذه البلدة، التي كانت تنعم بالهدوء يوما ما. لكن الزارة تحيط بها قرى يسكنها العلويون المنحازون بطبيعة الحال للرئيس العلوي.

ويوجد خارج طوق القرى العلوية واد مليء بالقرى المسيحية، التي ألقت بثقلها وراء الأسد، و"خشية من صعود الإسلاميين"، فقد تحالفوا مع العلويين في تشكيل ميليشيات "الشبيحة" الموالية للأسد.

وعلى خلاف العداء، الذي سرعان ما أحدث انقساما بين العلويين والسنة، فإن المسيحيين والسنة حاولوا أن يتجاهلوا هذا الانقسام الطائفي المتزايد، استنادا إلى تاريخ طويل من التعايش بين أتباع الديانتين.

لكن ميليشيات الشبيحة التي تضم مسيحيين تعهدت بدعم الهجوم الجديد لجيش النظام، وهم يقولون إن الوضع الآن أصبح "إما أبيض وأما أسود"، أي إن عليهم الاختيار.

وقال مقاتل من الوادي ذكر ان اسمه جوني: "ليس هناك سنة طيبون، هناك فقط سنة سيئون، لا يحملون السلاح، وسنة أكثر سوءا يحملون السلاح".

وأضاف: "إذا لم نهزمهم الآن فسوف يهزموننا، لذلك أقول أن نتغدى بهم قبل أن يتعشوا بنا".

وتقع قرية جوني على بعد كيلومترات من بلدة الحصن السنية، التي تشتهر بقلعتها التاريخية، والتي أصبحت للمرة الأولى منذ قرون معرضة للخطر، من مدفعية وطيران النظام.

وفي بلدة تلكلخ المجاورة نقضت قوات النظام هدنة عقدتها مع المعارضة في أوائل العام 2013، ويقول ناشط هناك إنهم هددوا السكان عبر مكبرات الصوت، وطلبوا منهم أن يتعظوا مما حدث في القصير ودعوهم لتسليم السلاح مقابل ضمان سلامتهم.

وشأن بلدة تلكلخ شأن الكثير من البلدات في المنطقة، فإن الحياة تسير بها بموجب صفقة بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام، حيث أخرج النظام بمقتضاها جنوده ونقاط التفتيش بينما طرد مقاتلو المعارضة المقاتلين الأجانب الذين يصلون من لبنان المجاور.

ويسمح مقاتلو المعارضة لموظفي الحكومة من البلدات المجاورة بدخول تلكلخ كل يوم؛ لمباشرة أعمالهم في المصالح الحكومية، كما إن الجيش الذي يسيطر على طرق مجاورة يسمح للسكان المحليين بجلب المواد الغذائية.

لكن التوتر الذي ساد المنطقة بعد معركة القصير أثر على العلاقات وأشعل فتيل الاشتباكات. وقال سكان إن مقاتلي المعارضة بدؤوا يتفاوضون على عدد موظفي الحكومة الذين يسمح لهم بدخول البلدة كل يوم، وفقا لكمية المواد الغذائية التي يسمح الجيش بإدخالها.

السكان هم الذين ضغطوا على الثوار هناك للاستسلام هذا الشهر، على أمل الحفاظ على السلام الهش في المنطقة.

وفي ظل استسلام تلكلخ توقعت قوات النظام سرعة استعادة قرية الزارة، عندما أصدرت تحذيرا مماثلا هذا الأسبوع.

لكن بدلا من ذلك تعرضت قوات بشار لهجوم ضار من الثوار، الذين كانوا يتجمعون سرا في المنطقة وقرروا القتال على عكس رغبة الكثير من السكان.

وقال سالم عامل البناء من الزارة "قرى العلويين التي تحيط بنا تدافع عن النظام بضراوة"، مبديا قلقه من عواقب اختيار مواصلة القتال في القرية، مضيفا: "المقاومة لن تجدي نفعا".

وفي وقت متأخر من يوم الخميس تمكن مقاتلو المعارضة من ضرب قرية علوية مجاورة واغتنام دبابات تابعة لجيش النظام، وقال السكان إن النتيجة كانت ردا عنيفا من قوات بشار، بما في ذلك غارات جوية كان صداها يتردد في أنحاء المنطقة صباح الجمعة.

ولا يزال مقاتلو المعارضة يحاولون التفاوض على الحياد مع البلدات المسيحية المجاورة.

وقال قس في الوادي طلب عدم نشر اسمه إن الثوار طلبوا منه الوساطة مع الشبيحة المسيحيين لوقف إراقة الدماء.

وقال: أبلغني الثوار بأن ما يجمع المسلمين والمسيحيين أكثر مما يفرقهم، لكن إذا انضم المسيحيون للهجوم فسيكون بيننا وبينهم دم".

وهو يجري محادثات لتشجيع "الشبيحة" على عدم القتال، لكنهم يقولون إن الوقت فات وإن كل طرف اتخذ قراره بشأن الجانب الذي سينحاز له.

وقال المقاتل الذي عرف عن نفسه باسم جوني: "أنجزنا المطلوب. صدر إنذار للحصن كي تستسلم، هذه حرب وأصحاب القلوب الضعيفة لا ينتصرون في الحروب".

وبدأ الشبيحة في إحراق الغابات المحيطة بالبلدة التي يوجد بها الثوار، لحرمانهم من أي أماكن يمكنهم الاختباء بها بينما يحاول جيش النظام تشديد حصاره.

ويحذر رائد الشاعر وهو قائد ضمن صفوف الثوار في الحصن من أن "المسيحيين ربما يجدون مفاجآت مماثلة للتي وجدها العلويون في الزارة هذا الأسبوع".

وقال لـ"رويترز": "مصيرنا مرتبط بسكان الوادي، لدينا خلايا نائمة بين سكان الوادي. لم نطلب منهم بعد أي عمل عسكري".

ويقول المقاتلون في الحصن إنه على عكس صفقات سابقة تم التوصل إليها، فإن الاختيار بين الحرب والسلام لم يعد في أيدي السكان.

وذكر أحد النشطاء في البلدة "الخيار ليس معهم، الثوار هم الذين يختارون، والخيار هو: إما أن نحارب أو نموت، ونحن نحاول".

رويترز
(100)    هل أعجبتك المقالة (95)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي