يبدو أن هناك علاقة ما بين الإعلامي البارز فيصل القاسم والشارع العربي، يؤكد هذه العلاقة ما يكتبه فيصل القاسم في مقالاته وما يتحدث به عبر قناة الجزيرة الفضائية حول الشارع العربي، ما يبرز لنا جانباً من هذه العلاقة، أما الجانب الآخر الأهم، فيروي لنا حكايته برنامج الجزيرة المثير للجدل "الاتجاه المعاكس".
لقد برع فيصل القاسم في إبراز مساوئ الشارع العربي، والذي يقصد به عادة الرأي العام العربي، وأبدع في التعبير عن يأسه منه، إلى حد نفي وجود الشارع العربي أصلاً وجعله في عداد الأموات. وقد يتبادر إلى ذهن القارئ أن فيصل القاسم إنما يفعل ذلك حرصاً على الرأي العام العربي أو أنه يبكي على ما آلت إليه أحواله البائسة، غير أن برنامج "الاتجاه المعاكس"، الذي يحظى باهتمام شعبي عربي واسع، يؤكد لنا عكس ما يتبادر إلى الأذهان!!
ولا أجادل هنا في أن الشارع العربي مصاب بالشلل السياسي إلى حد كبير كما يؤكد دائماً فيصل القاسم، الذي يدرك أن هذا الشلل يعود إلى أسباب عديدة، من أهمها غياب الرأي العام العربي، كما أنه يدرك مسؤولية الفضائيات العربية، ومنها الجزيرة، في تغييب الرأي العام العربي، وذلك عبر إثارة كل أنواع الخلافات التي تغذي "الفوضى الخلاقة"، التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لنشرها في بلادنا، لتهيئة الشارع العربي للمخططات الأمريكية في منطقتنا.
ولعل البرنامج الأسبوعي لفيصل القاسم الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية والمثير للجدل والخلاف "الاتجاه المعاكس" من أكثر البرامج التي تغذي تلك الفوضى الخلاقة وتعمق الانقسامات في الشارع العربي وتكرس خلافاته، بل إنه من أكثر البرامج التي تحرف اهتمام الرأي العام العربي وتحول انفعال الشارع العربي إلى أشد وسائل التدمير الذاتي فتكاً، حيث ينصرف اهتمام الشارع العربي عن القضايا الهامة ويتحول إلى مناكفات ومهاترات وخلافات.
فعلى سبيل المثال، تحولت قضية سجن نحو مليون ونصف المليون فلسطيني في غزة، وحصارهم وتجويعهم ومعاقبتهم جماعياً بهمجية ووحشية، من قضية إنسانية لا خلاف عليه، ولا تتجاوز منح الشعب الفلسطيني حقه الطبيعي، إلى قضية سيادة مصرية على الأرض والحدود، ومشكلة أمن قومي مصري، ومشكلة تهديد للنظام الرسمي العربي، بل تحولت إلى قضية نزاع على الحدود بين البلاد العربية والإسلامية، إضافة إلى مشكلة الخلاف على الشرعية الفلسطينية!!
وهذه هي الفوضى الهدامة بكل تجلياتها السيئة!! وقد كتبت مقالاً حول هذا الموضوع بعنوان "تحيا الفوضى الخلاقة ويبقى حصار غزة"، استهزاء بحال الشارع العربي، وتعرية لأدوات الفوضى الخلاقة الأمريكية في بلادنا. فالشارع العربي مصاب بداء القابلية للفوضى الخلاقة، ولا يحتاج إثارة هذه الفوضى سوى حوار يقوده فيصل القاسم بعد اختيار ضيوفه المتحاورين بذكاء!!
فقد كان لبرنامج الاتجاه المعاكس، الذي يقوم فيصل القاسم بإعداده وإدارته واختيار المتحاورين فيه بطريقة مثيرة للاستغراب والدهشة، الدور الأكبر في إثارة هذه الفوضى الهدامة وإحباط الشارع العربي وتنفيسه، وذلك بعد تحويل هذه القضية الإنسانية في دماغ المشاهد العربي إلى خلاف بين مصر وفلسطين المحتلة، ونزاع بين حركة حماس وبين حركة فتح وسلطة رام الله.
وقد رأينا كيف تمكن فيصل القاسم عبر اختيار موضوع الحوار والمتحاورين من تحويل الغضب على حكومة الدنمارك فيما يتعلق بالرسوم المسيئة لرسولنا الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى هجوم حقير على الإسلام، ما أدى إلى توجيه غضب الشعب باتجاه وفاء سلطان، تلك المرأة الملحدة التي سولت لها نفسها الاعتداء على الإسلام بخسة ووقاحة.
ليس هذا فحسب، بل تمكن فيصل القاسم في حلقة الأسبوع الماضي من تحويل أخطر قضية تعرضت لها غزة، وهي المحرقة التي ارتكبها العدو الصهيوني، إلى جدل تافه وملهاة للمشاهدين، الذين راح عدد كبير منهم يكتب عن الموضوع وينشر ما دار في البرنامج من جدل، ويعمق الجدل والمهاترات، بل انشغل الشارع العربي كله بسخافات جمال نزال وأكاذيبه ودعايته المشبوهة المسمومة.
لقد اعتذر فيصل القاسم في حلقة الأسبوع الماضي عن استضافته لملحدة تفتقر إلى الأخلاق والدين، ولكنه اقترف في ذات الوقت خطأ لا يقل أهمية عن خطئه الأول بتحويله لقضية المحرقة إلى ملهاة ومسخرة ومهزلة...
ومن المؤكد أن العدو الصهيوني قد طرب لمثل هذه البرامج وسعد بها كثيراً، فقد انشغل الرأي العام العربي، بفعل فيصل القاسم وبرنامجه الهابط، عن المحرقة الصهيونية والإجرام الصهيوني والتواطؤ العربي والتخاذل الشعبي العربي والإسلامي، فراح يصب جام غضبه على سفيه تافه غير جدير بالاهتمام، بينما لم ينل التهديد الصهيوني بارتكاب محارق ضد غزة أي اهتمام شعبي.
ولا شك أن باستطاعة فيصل القاسم، وهو إعلامي بارز وكاتب متميز، أن يختار ضيوفه المتحاورين بطريقة تخدم القضايا المطروحة لصالح الأمة، ويوجه دفة الحوار نحو توعية الشارع العربي وحشد الرأي العام العربي لصالح قضايا الأمة، ويجعل من برنامجه أداة لتقارب وجهات النظر، وتوجيههم نحو ما يصلح حال الأمة ويوحد صفوفها ضد المعتدين الأشرار.
وإذا كان هذا هو حال فيصل القاسم مع الشارع العربي، فلماذا يا ترى يبكي عليه في مقالاته بكاء الأم التي تخشى على طفلها من الهلاك؟!! ولماذا يقلل فيصل القاسم من شأن الرأي العام العربي وهو يعلم من خلال ما يقوم به من استطلاعات أثناء برنامجه أن هذا الرأي العام موحد على نصرة قضايا الأمة؟!!
لقد بت مقتنعاً أن بكاء فيصل القاسم على واقع الشارع العربي يأتي في سياق التدليل على موت الرأي العام العربي، وهذا هو السبب الحقيقي لوقوف فيصل القاسم على رأس الشارع العربي، وإلا هل يبكي فيصل القاسم على الرأي العام العربي ويضحك عليه في آن؟!!
15/03/2008م
فيصل القاسم على رأس الشارع العربي ... أ.د. محمد اسحق الريفي

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية