كان من الممكن أن يقبل السوريون "الائتلاف السوري" فاشلاً لو أنه اكتفى بالفشل، ولكن الأيام المتعاقبة على هذه الثورة تثبت أن فشله يتحول لخنجر في ظهر الثورة، ولعل ملفات الفساد والفشل في معالجة أي قضية سورية مهما كانت بسيطة والتي بدأت تظهر وتطفو على السطح، لن تجعل تقبله صعباً فحسب، بل ستجعل الدارس للثورة السورية في المستقبل يقف طويلاً أمام ما سموا أو ادعوا أنهم "معارضون" سوريون.
حمص المحاصرة منذ أكثر من عام، والمتروكة تحت القصف والكيماوي، لم تستحق من "الائتلاف الوطني السوري" أكثر من مؤتمر صحفي، وربما يجدر بأهالي حمص في الداخل والخارج أن يصلي قيام الليل خصيصاً للدعاء بسلامة أعضاء الائتلاف، ولشكر الله على المؤتمر الصحفي الضخم الذي أجراه بعض أعضائه كرمى لعيون حمص التي بات الموت يلعب فيها، أو أنه يكاد يستوطن هناك.
5 ساعات فصلت ما بين المؤتمر الصحفي، الذي اقتطع هيثم المالح وفرح أتاسي وعبد الكريم بكار من وقتهم، وما بين العاجل الذي نشرته صفحة الائتلاف على الفيس بوك "بدء التصويت على انتخاب رئاسة جديدة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية".
طالب المالح منظمات العالم بالاحتجاج وتقديم الدعم الكامل للشعب السوري، بينما حمصية لهجة أتاسي لم تظهر واضحة "على الأقل بالنسبة لمن يقبعون تحت القصف" عندما تكلمت باسم أهالي حمص "نحن اليوم باسم أهالي حمص نطالب أعضاء الائتلاف وهيئة الأركان السوري ونطالب إخوتنا في مجلس التعاون الخليجي أن يمدوا الجيش الحر على جبهات حمص المحاصرة وجميع جبهات الوطن المحاصر بالسلاح النوعي"، ولكنها أبدعت عندما طلبت من وسائل الإعلام والحكومات باجتماع عاجل، فالاجتماعات هي أكثر ما يبرع به هؤلاء.
وربما ظن بكار أنه فضح النظام عندما أعلن وبكل جرأة أن "حمص محاصرة منذ سنة ولا يدخلها إلا قليل من الدواء والغذاء وبشكل صعب جداً".
وهنا انتهت حكاية حمص، وتوقف الكيماوي عند حده، واضطر النظام أن ينسحب صاغراً تحت تهديدات الائتلاف وأعضائه، وتابع "أعضاء" الائتلاف مهمتهم المقدسة بانتخاب رئيس جديد.
يبدو عمل الائتلاف السوري بغاية الأهمية، خصوصاً أنه وبجردة بسيطة لحصيلة الجهد الذي قدمه خلال شهر واحد فقط "حزيران" المنصرم، نجد أن ختام هذا الشهر تقرير عمل مؤلف من 15 بيانا صحفيا و16 تصريحا صحفيا.
ويبدو أننا كسوريين اكتشفنا متأخرين وبجهود الائتلاف الجبارة أن الحرية لا تأتي بالثورة، وأن نظام الأسد يمكن أن يسقط وبكل بساطة ببعض التصريحات والبيانات الصحفية الغزيرة.
وإن كان المكتب الصحفي في الائتلاف السوري "المعارض" هو الأكثر فاعلية بانتقائه لكلماته، وبنشر كافة مقابلات جورج صبرا، وبالتعليق على مواقف جميع الدول، فمن الأفضل في هذه الحالة إغلاق الائتلاف لعدم وجوده الفعلي والإبقاء على مكتبه الصحفي لتواجده الحقيقي في ساحة الحرب السورية، خصوصاً أن الكليشيه الجاهزة في ختام كل بياناته وتصريحاته "عاشت سوريا، وعاش شعبها حراً عزيزاً" تهز الجبال من قوتها وترعب الأسد وشبيحته، وربما تسبب لهم الكوابيس.
وعلى اعتبار أن الهجمة الأخيرة على مدينة حمص وقصفها ومحاولة إبادتها، حصلت أيضاً على بيان صحفي، تصبح مقولة "لكل مواطن سوري بيان" صحيحة ومنطقية وتنجي من القصف والرصاص.
أصدر الائتلاف في 10 حزيران بياناً صحفياً حول إعدام الطفل محمد في حلب على يد "متطرفين أو إسلاميين متشددين"، وحمل البيان كل ما وفرته اللغة العربية من عبارات الشجب والاستنكار والتنديد.
يبدو البيان أشبه بالنكتة السمجة، فبدلاً من أن يحاول الائتلاف السوري تنظيم المناطق "المحررة"، وإنشاء على الأقل محاكم حقيقية، وإدارة تلك المناطق لجهة القضاء والتعليم على الأقل، تركها للهيئات الشرعية المتشددة، ليصبح التحرر من النظام الأسدي أشد وطأة من النظام نفسه في بعض تلك المناطق.
بيان للتأكيد على مبادئ الثورة السورية، وآخر حول تلكلخ، وبيان خاص حول تولي الشيخ تميم مقاليد الحكم في قطر، والسعودية تسلم الائتلاف ملف الحج ووووو.. وفي الحصيلة نخرج نحن السوريين مطأطئي الرؤوس خجلين من دماء وأرواح الشهداء، ويخرجون أصحاب "دكان" الائتلاف رافعي الرأس منتشرين على الفضائيات، يمتهنون السباب والشتائم على بعضهم مهنة، غير مبالين بالدماء التي باتت تغطي وجوههم، متناسين أن الشعب سيحاكمهم.
مساهمة لـ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية