تناولت في الجزء الأول انهيار شعبية ومكانة حزب الله بسبب مساهمته المباشرة في الحرب التي يخوضها نظام دمشق ضد الشعب السوري، وكيف أن هذا التدخل السافر حول موقع حزب الله لدى الناس من موقع المقاوم الشرس للمشروع الصهيوني إلى موقع الفصيل الذي يعمل بتوجيهات المرشد الإيراني وينفذ أوامره، ويوجه بندقيته إلى صدور السوريين وداخل الأراضي السورية، كما تحدثت عن اهتزاز شعبية الحزب لدى جمهوره وقواعده الذين لن يفهموا بهذه البساطة مهمتهم الجديدة في قتل السوريين، وقلت أن الحزب يخوض الآن معركة هو فيها المعتدي والمحتل وضد شعب شجاع عنيد صاحب قضية عادلة، لذلك فإن خسارته ونهايته ستكون محتومة، وذكرت كيف أن هذا التدخل سيضع لبنان في موقف عدائي مع الشعب السوري، وسيدفع الاستقرار اللبناني الهش أصلا إلى حدود الانفجار، وكيف سيؤثر ذلك سلبا على عمل اللبنانيين في دول الخليج وعلى تحويلاتهم، وقلت أخيرا أن تورط حزب الله الشيعي حتى النخاع في قتل السوريين بغالبيتهم السنية سيرفع الاستقطاب الطائفي والمذهبي في لبنان إلى مستويات قد لا يقوى على حملها.
وأكمل فيما يتعلق بلبنان فأقول أن حزب الله أضعف الدولة اللبنانية إلى الحدود القصوى وأهان جيشها ومؤسساتها، فأصبحت مغلوبة على أمرها وتكتفي بدور المتفرج، ونراه الآن يتخذ قرارات الحرب عندما يشاء ومع من يشاء، وبفضله أصبحت كل حدود لبنان ملتهبة سواء مع اسرائيل أو مع سوريا، وأصبح خطر انتقال الحريق السوري إلى لبنان مسألة وقت، أما المفارقة المضحكة فهي أن حزب الله يثني ويثمن سياسة النأي بالنفس التي تتبعها الحكومة اللبنانية بشأن الصراع السوري، كما أنه يدعو السوريين دائما إلى الحوار!!
لا شك أن الخطورة الأكبر والأبعد أثرا والتي تترتب عن تدخل حزب الله السافر في سوريا ضد الشعب السوري تأتي من البعد الطائفي لهذا التدخل، فتورط قوات حزب الله الشيعية في قتل السنة في سوريا وضع الحزب ومن خلفه كل أبناء الطائفة الشيعية على خط المواجهة والعداء مع المحيط السني في سوريا ولبنان وباقي الدول العربية، ورفع مستوى الاحتقان والتوتر الطائفي بين الشيعة والسنة إلى مستويات غير مسبوقة قد تتمخض عن نزاعات عنيفة وحروب تمتد لعشرات السنين، فباستثناءات لا تقدم ولا تؤخر نجد أن الاستنفار والشحن الطائفي لدى جميع دول المنطقة وشعوبها ومؤسساتها قطع شوطا كبيرا يبدو معه أن طريق العودة أصبح صعبا، وتحول الصراع السوري إلى صراع اقليمي بين معسكرين سني وشيعي، فالشيعة بقيادة إيران دخلوا المعركة بوقت مبكر واعتبروها معركة حياة أو موت بالنسبة لهم، وزجوا فيها بكل طاقاتهم، والسنة بقيادة دول الخليج قرروا أخيرا خوض المعركة واعتبروها مفروضة عليهم، والهزيمة فيها لا تجوز، يؤكد ذلك قرارهم الأخير في الدوحة بتسليح المعارضة.
لقد ورط حزب الله بتدخله في سوريا خدمة للمشروع الإيراني الشيعة العرب شر ورطة، وجعل منهم قربانا للمشروع الإيراني الكبير، فها هو ينظم في لبنان حملة دعائية هائلة تقوم على العصبية الطائفية غرضها حض الشباب الشيعي على القتال في سوريا لحماية الشيعة ومقام السيدة زينب وباقي المواقع الشيعية من العصابات السنية المتطرفة، ويحصل الأمر نفسه مع شيعة العراق، وقد تم تجنيد الكثير منهم وإرسالهم للقتال في سوريا، نذكر هنا على سبيل المثال لواء أبو الفضل العباس وكتيبة الشهيد عماد مغنية...
لو حاولنا التحدث بلغة المصالح والربح والخسارة فهل ربح حزب الله من تدخله السافر في سوريا، وخلعه لعباءة المقاومة، وانكشافه كمليشيا تابعة لإيران وتأتمر بأوامرها؟ الجواب بالتأكيد أن خسارة حزب الله كبيرة ومحضة وخالصة، وعلى الأرجح هي عاجلة أيضا، فالنظام السوري زائل مهما حصل ومهما كانت نتيجة الصراع على الصعيد العسكري، لأنه عمليا وموضوعيا لا يمكنه الاستمرار في حكم المناطق السورية التي دمرها وقتل وشرد شعبها، وسيتعامل الشعب السوري، وحكام دمشق الجدد، كائنا من كانوا، مع حزب الله كعدو لدود، اعتدى على بلدهم وقتل أهلهم وذويهم وأبناء دينهم... إذن كان لدى حزب الله حليف قوي وشعب صديق داعم، فأصبح الصديق عدوا، وقطع الشريان الحيوي الوحيد الذي يربط حزب الله بإيران، ولا إمكانية لشريان آخر لأن سوريا الدولة الوحيدة المحيطة بلبنان، باستثناء اسرائيل، والبحر تحت السيطرة الغربية، والحزب ضعيف منهك بعد حربه العبثية، ولا تستره عباءة المقاومة ولا أي عباءة أخرى.... إذن هو بدأ مسيرته نحو حتفه، ولا أتصور قوة على الأرض يمكن أن تنقذه من هذا المصير المحتوم، أما لماذا قام بهذه المغامرة الخطيرة غير المضمونة والتي قد تودي به؟ فالجواب بسيط جدا، إنها أوامر إيران، الأب وولي النعمة.
لكن ورغم كل هذه الخسارة الهائلة المعممة، نلاحظ أن الثورة قدمت فائدة جمة للسوريين واللبنانيين بشكل خاص وللعالم بشكل عام، لأنها أجبرت حزب الله وإيران على كشف أوراقهما، فحزب الله اضطر إلى خلع عباءة المقاومة والظهور بوجهه السافر الحقيقي، كما افتضح المشروع القومي الإيراني القائم على الهيمنة على الإقليم، وانكشف زيف ادعاءات الطرفين في المقاومة ومحاربة اسرائيل ومشاريع الهيمنة ودول الاستكبار...فالمشروع ليس هدفه إسرائيل والصهيونية، إنما مقاومتهما هي المدخل الضروري والجيد للانطلاق إلى المشروع الأساس، مشروع هيمنة إيران، الدولة القومية الإقليمية القوية الطموحة الجامحة الصاعدة، على المجال الإقليمي الذي تراه مجالها الحيوي وحقا من حقوقها، وسوريا في قلب هذا المجال، وهذا المشروع عملت عليه إيران لأزيد من ثلاثين عاما واستثمرت فيه مليارات الدولارات، ولن تتخلى عنه الآن مهما كلف الثمن، وحزب الله أداة من الأدوات الرئيسية في هذا المشروع، وقد أنجبته إيران ورعته ودعمته خصيصا لخدمة هذا المشروع وليس لغرض آخر.
الرابح الوحيد من كل ذلك هو اسرائيل، فها هم أعداؤها الاقليميون الحاليون أو المحتملون يدخلون في أتون صراع مذهبي بالغ الخطورة مديد التأثير، سيضعفهم ويستنزفهم إلى الحد الأقصى ولا يعلم إلا الله متى ينتهي، وسيكون الجميع منهكا ومشغولا عنها، ولن يكون لديها بعد الآن ما تخشاه لسنين طويلة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية