لم يكن النازح عندما ترك بيته يعلم أن النظام سيسرق حتى أسلاك الكهرباء الممدودة في الجدران, لم يكن أهل حي القصور أو القرابيص مثلاً وبيوتها المتقاربة المتلاصقة ببعضها، كما يتلاصق الأخوة أثناء جلوسهم على الطعام، لم يكونوا وقتها يعلمون أن تلك الحدائق المحيطة بأبنيتهم ستحرق، وأن بيوتهم سيُسرق كل ما فيها ابتداءً من ذهب النساء -المتروك خلف ظهور الناس وقت نجاتهم بأرواحهم- مروراً بالأدوات المنزلية والأثاث وانتهاءً "بكراسي الحمام", عندما حرر الأبطال جزءاً من حي القصور وكامل حي القرابيص تفاجؤوا بأن السرقة طالت حتى لمبات الإشارة وقواطع الكهرباء و(برايز) الطاقة التي لا يزيد ثمنها عن بضع ليرات سورية.
عندما احتل النظام كرم الزيتون وبعد عدة أشهر فقط تمددت عائلات من الطائفة الموالية إلى بيوت أهله وسكنوها وهدم النظام بالآليات بيوتاً وأبنية أخرى، كذلك فعل في حي السبيل وغيره من الأحياء، حيث سرقت بيوت الطائفتين السنية والمسيحية ولم يبقَ فيها شيء على الإطلاق حتى أنهم سرقوا "دعسات الباب والتواليت", لقد صمدت عائلات مسيحية وسنية في قلب حمص القديمة وغيرها من الأحياء محافظة على تواجدها وضاربة رمزاً في الصمود والتصدي للعدوان الراغب بمحو كل مافي المدينة وتحويلها إلى عاصمة لدولة يحلم بها، ولكن الثوار أبوا إلا أن تكون حمص عاصمة للثورة السورية ومحافظة لكل السوريين يعيشون فيها عيشاً كريماً حراً.
لقد قام بعض الناشطين بالمحافظة على المساجد والكنائس وأرشفة أوضاعها والحفاظ على مقتنياتها الأثرية ومخطوطاتها كما شارك الكثير من الكتائب في الحفاظ على سجلات الملكية التي نقلت من البيوت المهدمة إلى صندوق الأمانات.
أمس قام النظام بكل وقاحة بإحراق مبنى السجل العقاري وسجل المساحة الخاصة بمحافظة حمص كلها، وأعتقد أن في ذلك خطوة إضافية لمحو آثار المدينة الرسمية وسجلات تملُّكها, لقد حاولنا قبل عام من الآن أن ننبه إلى ضرورة الاحتفاظ بهذه السجلات، وشجعنا على إنشاء دائرة للتدوين العقاري والتراثي تعمل بعيداً عن مؤسسات النظام، ولازلنا نشجع الأمر رغم أن محاولة جرت للعمل عليه، فأرجو من الأخوة أن يبادروا إلى هذه الخطوة الطيبة بعون الله ليحفظوا حقوق الناس وأملاكها، إضافة إلى هذا يجب على جميع الأسر أن توثق سجلات الملكية إلكترونياً وورقياً وأن ترسل نسخاً عنه إلى هذه الدائرة عقب إنشائها أو تحتفظ به في مكان آمن.
إن مؤسسات المجتمع الدولي -التي لم تنجح بكسر الحصار عن حمص ولا إمدادها بالدواء أو الطعام أو لقاح الأطفال أو حليبهم وقت الحاجة- تقف اليوم متفرجة على تغيير الطابع الديمغرافي لمحافظة حمص، وهي تعلم حجم الخطر القادم للجميع جرّاء هذه التغييرات بما فيه المجتمع الدولي نفسه، وإن كل قرش أو جهد تدفعه اليوم ربما تدفع عشرات أضعافه غداً في حال استمر الأمر بهذه الصورة لا سمح الله.
إن هذا التصرف هو إهانة بحق المسلمين السنة والمسيحيين بطوائفهم أصحاب الأرض الحقيقيين في المدينة والريف، وإن خطوة كهذه ستدفع ثوار سورية لاتخاذ موقف واضح منه لن يكون نتيجته في النهاية محمودة للجميع إقليمياً ودولياً.
إن شباب سورية اليوم ملزمون أكثر من أي وقت مضى بالدفاع عن أرضهم وحقهم بأي وسيلة كانت، وإن مؤسسات الثورة السورية كلها مطالبة اليوم بأن تصطف باتجاه منع هذه الخطوة، وأن تركز جهدها عليها بشكل أكبر.
وعلى كتائب الثوار قاطبة التنبه لخطورة الأمر ودق ناقوس الخطر القادم من رحم الغباء الأسدي الذي سيدفع بنا جميعاً إلى المجهول.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية