ولم يكتف الصهاينة بأن تقوم الجزيرة بنقل الرأي الصهيوني إلى بيوتنا وأن تعمل عشر سنوات على تدريب أبنائنا على حفظ أسماء الصهاينة والتعرف على ديموقراطية الإرهاب. وأيضا لم يكتف الصهاينة، بإجراء المقابلات معهم وتسويقهم بين أطفالنا ومحاولة جعلهم أشقاء بحكم الأمر الواقع.
دكتوراه في الإعلام - فرنسا
لم يكتف الصهاينة بأن تغير الجزيرة اسم فلسطين العربي ، وتضع بدلاً منه " إسرائيل" بغير وجه حق. أحمد الشيخ، وحاج عارف، ووضاح خنفر، وأيضاً كل المسؤولين في قطر الشقيقة يعرفون أن المنطقة بين النهر والبحر اسمها فلسطين، لا اسم آخر لها، لن نحيد عنه ولو بقيت محطة الألوان السبعة تردده على مسامعنا ألف سنة .
بعد كل هذا وبعد ما قدمته الجزيرة الحيادية بألوانها الثمانية للصهاينة، قرر إرهابيو خارجية الكيان وقف التعامل معها، فهي لم تعط بعد كل ما عليها أو أنها أبطأت في تحريك مسيرة التسويق التي بدأتها منذ عشر سنوات طوال.
"أستير" يا جزيرة الألوان التسعة، خدمت، في الأسطورة، صهيونياً ألفي عام كاملة، ثم نظرت ذات مرة إلى وجه عربي فأحست تجاه بإحساس رقيق، رآها سيدها، فطلب منها قتل ذلك العربي، وبعد أن فعلت قتلها سيدها حساباً على ذلك الإحساس الذي خاف أن يتكرر مرة أخرى ويتطور إلى خيانة للصهيونية.
فما ينفع المحطة القطرية ولو غيرت اسم غزة أو اسم الجولان أو حتى القدس، فإرهابيو الأرض وصناع الموت لا أمن لهم ولا أمان.
ذكرني موقف الصهاينة مع الجزيرة بقصة سمعتها ذات مرة من حكيم، وقد استخدمتها قبل الآن في مقال مناسب وهي تفرض اليوم نفسها عليّ أن أعيدها على مسامع ألوان الطيف العشرة كلها.
فقد حكوا أن رجلاً كان يدافع عن الشيطان، ويحذر من سبه و لعنه، وفي ليلة جاءه الشيطان في المنام، وقال له أشكر لك دفاعك عني ولا أعرف كيف أجزيك، ولكنني تأكيداً لإكرامك سأحملك فوق عنقي ولتبل على رأسي ولا تبالي، فصدق الرجل المسكين صاحبَه، في منامه طبعاً، وبال فوق الشيطان، وإذ به يبول على نفسه فتلك مكافأة الشيطان لصاحبه ولن تكون مكافأة الصهاينة أكثر تقديراً للجزيرة من ذلك.
ولعل الجزيرة تتذكر ماذا فعل الصهاينة بوزير الخارجية المصرية الذي نفخ عضلات عنقه وهدد أنه سيكسر رجل من يقترب من حدود مصر أياً كان، بقطع النظر عمن في الجانب الآخر، ومع أن هذا التصريح كان يقصد إرضاء الصهاينة وطاعتهم، إلا أن إرهابيي الكيان وبعد أيام قليلة من هذا التصريح قاموا بقتل طفلة مصرية بريئة، ليفضحوا الرجل الذي أطاعهم وسمع كلامهم، ويثبتوا أنه غير قادر على كسر رجل "دجاجة زراعية مكسورة الرجل أصلاً!!".
فلن ينفع قطر ولا الجزيرة، أن تساوي بين الصهاينة والمجاهدين في فلسطين، ولن ينفعهم أن يستقبلوا "بيريز" ولا لاعبة التنس، ولا حتى باراك وأولمرت، فالصهاينة صهاينة لا ثقة بهم ولا عهد لهم، وإن كنا نتعذر من الرئيس حسني مبارك عن هذا القول، فقد سمعته يقول، أنتم، أي الصهاينة، معروفون أنكم ذوو كلمة وذوو عهد وأمانة!!!.
طبعاً لم يفاجئنا موقف الصهاينة من قناة الجزيرة، فلو خلعت حجابها لطلبوا منها أن تكشف عنقها ولو تعرّت لطلبوا منها أن تنزع جلدها، وإنما صدمنا موقف الجزيرة من مقاطعة الصهاينة لها، فقد أسرعت قناة الألوان التسعة، وحلفت الأيمان الغلاظ، وحصلت على مصحف ذي حرف كبير، وحلفت عليه أنها كانت حيادية بتغطيتها للمحرقة الصهيونية الأخيرة، وأكدت أنها ملتزمة بالمهنية والحيادية، وأنها مندهشة، وسالت الدموع من عينيها وتوسلت بحب الصهاينة للدماء أن يعودا عمّا بدءوا به، "وأعلنوا التوبة"، أن يعودوا لمثله أبداً
كما قال فيصل القاسم ذات مرة، كل شيء تغير، الأخلاق لم تعد الأخلاق، والكرامة لم تعد الكرامة، فالجزيرة أصبحت تفاخر ولا حول ولا قوة إلا بالله، بأنها حيادية أي أنها تعامل العدو والأخ بنفس الطريقة. فعلاً لم يعد الحياء هو الحياء.
الجزيرة اليوم تؤكد على مهنيتها، كما تود أن تنوه إلى أنها لطالما كانت حريصة على تغطية الأحداث بكل نزاهة ومهنية منذ إنشائها، وأنها لتؤكد أنها ملتزمة بمعاييرها في تغطية الأخبار حيثما وقعت. فلم يكتف بيان الجزيرة بالقول (أنها كانت حريصة) كما تفرضه بيانات التوضيح، بل أضافت "طالما" ولم يكفها ذلك فأضافت(لام الابتداء). ثم أعادت هذه اللام مرة أخرى في الجملة الثانية، تريد أن تقول نحن تحت أمركم ورهن إشارتكم وسامحونا.
أيضاً لم تعد النزاهة هي النزاهة، فالجزيرة تحلف بالله خالق ألوان الطيف أنها نزيهة في التعامل مع الصهاينة وأنها كانت في الوسط بين من احتلوا الديار وقتلوا الأطفال ومن احتلت أرضهم وثكلت نسائهم. فلم يعد الأدب هو الأدب. وتقسم الجزيرة بأنها لم تتلق رسالة حتى اليوم بالموقف الصهيوني، بما يعنيه أن هناك قنوات اتصال بين الفريقين ولربما أن "بيريز" تناول غداءه ذات مرة في مباني الجزيرة، أو أن "ديفيد قمحي" على اتصال مستمر بالقناة!!
كنت كعربي أتوقع أن تفاخر الجزيرة بما تبقى فيها من قومية وعروبة بموقف الصهاينة منها، وكنت أظن أن محترفيها سيستغلون الخبر للإدعاء بقربهم من الشارع العربي، كان ذلك سيكون محسوباً لها لا عليها ولكنّ أيمانها الثقيلة و"حلفانها" أنها حيادية في قلب المعركة ثبّت أكثر فكرة الكثير عنها.
أريد أن أذكّر القائمين على الجزيرة بقوله تعالى" لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمّة وأولئك هم المعتدون".
واندهشت الجزيرة وما نفعتها الألوان ..... د. عوض السليمان

زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية