حزب الله...انهيار أسطورة

ما دفعني لكتابة الأسطر التالية هو نبأ وردني منذ يومين مفاده أن صديقا لبنانياً قديماً قد تم طرده من المملكة العربية السعودية لأنه ينتمي إلى الطائفة الشيعية ومن مؤيدي حزب الله، لا أدري الآن ما هو موقف هذا الصديق من حزب الله، لكن ما أعرفه أن الشاب طيب وخدوم ومخلص وفقير وأب لأربعة أطفال... استدعى النبأ أسئلة عديدة طالما راودتني، فما هي مصلحة حزب الله من الانخراط في الصراع السوري إلى جانب نظام يقتل شعبه؟ وما هي تكلفة هذا الانخراط على صعيد الحزب نفسه؟ وعلى صعيد اللبنانيين والدولة اللبنانية؟ وعلى صعيد العلاقات السورية اللبنانية؟ ومن هو المستفيد ومن هو الخاسر من ذلك؟ وما هو أثر ذلك على مستقبل الصراع السني الشيعي؟....
حتى الأمس القريب كان حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله يحتلان موقع الصدارة في قلوب معظم السوريين ومعظم العرب، وقد كانت ذروة هذا التقدير في تموز 2006 حيث استطاع الحزب الصمود وإلحاق هزيمة مدوية بالجيش الإسرائيلي الذي سعى بكل جبروته إلى شطب الحزب من المشهد العسكري، وقد كان لذلك النصر أبعاد هائلة على شعبية حزب الله ومكانته لدى معظم الشعوب العربية، كيف لا وهذه الشعوب ترزح تحت ذل الهزيمة المستمرة منذ نكبة 1948، وقد جاء من يرد لها اعتبارها وكرامتها المهدورة ويذيق عدوها طعم الهزيمة، وقد وصلت شعبية حزب الله وأمينه العام آنذاك إلى مستوى لم يصله زعيم عربي من قبل، اللهم إلا الراحل جمال عبد الناصر في ذروته، وقد تجلى هذا التقدير بأشكال متعددة، ففي دمشق مثلا تصدرت صور الأمين العام البيوت وعلقت على السيارات وبيعت بشكل علني في الطرقات، واستقبل السوريون اللاجئين اللبنانيين الفارين من الحرب، ومعظمهم من الطائفة الشيعية، استقبال الأبطال، وأحيطوا بترحيب وحفاوة غير مسبوقة، وأقام معظمهم في البيوت ولم تنصب لهم خيمة واحدة، وأذكر تماما محاولاتي العديدة مع الصليب الأحمر للسماح لابنتي بالمساهمة في مساعدة أولئك اللاجئين فكان الجواب دائما أن عدد المتطوعين هائل وهو أكبر بكثير مما نحتاجه! هكذا كانت الأجواء، وما يجدر قوله أن العائلات السنية كانت السباقة إلى استقبال اللاجئين واحتضانهم، وكان تجار دمشق يرسلون سياراتهم إلى الحدود لتزويد سيارات اللاجئين بالماء والعصائر والأطعمة فور دخولها الأراضي السورية، ولم يكترث أحد إلى كون هؤلاء القادمين من الطائفة الشيعية، كانت الفكرة الوحيدة المسيطرة أنهم أهل المقاومة وأبناء المقاومة.
مع تقدم الثورة السورية وصمودها واستمرارها واتساعها وتلقي النظام هزائم كبيرة وانحسار قواته عن مناطق شاسعة، بدأ حزب الله باتخاذ مواقف إلى جانبه ازدادت وضوحا شيئا فشيئا مع تقدم الصراع، فانتقل من موقف المتفهم لمطالب المحتجين المحقة وضرورة تلبيتها إلى القول أن ثمة عملاء متسللين بين المحتجين ويجب التصدي لهم، ثم انتقل خطوة أخرى بالحديث عن ضرورة الدفاع عن اللبنانيين الذين يعيشون في سوريا ويتعرضون للتهديدات والأخطار، ثم تحدث عن المقامات الشيعية الموجودة على الأراضي السورية والمهددة من قبل التكفيريين، وصولا إلى الحديث عن ضرورة توجيه ضربة استباقية إلى التكفيريين وحماية سوريا من السقوط في أيديهم، وأخيرا دفع بقواته للمشاركة في إخضاع مدينة القصير في سوريا، والآن تستعد قواته مع قوات النظام لخوض معركة حلب، كما تتواجد قوات له في ريف دمشق وبصرى الحرير، وهناك من يتحدث عن أزيد من خمسة وعشرين ألف جندي لحزب الله منتشرين في المواقع المذكورة..إذن هو دخل الحرب إلى جانب النظام بكل قوته وإمكاناته كما لوكانت معركته.
تدخل حزب الله العسكري السافر بهذه القوة والوقاحة إلى جانب نظام مستبد قاتل وضد شعب سوري ثائر ينشد حريته وكرامته، كانت وستكون له نتائج كارثية هائلة على حزب الله أولا وعلى اللبنانيين وعلى المنطقة وعلى العلاقات السورية اللبنانية وعلى العلاقات السنية الشيعية ستمتد آثارها لعشرات السنين.
فقد اهتزت بقوة صورة حزب الله التي كانت رائجة عنه كبطل قومي، وانحدرت شعبيته إلى الحضيض بعد أن كانت في القمة، وكذلك انحدرت مصالحه وعلاقاته مع معظم الدول العربية التي تؤيد ثورة الشعب السوري، وها هو يتحول في أذهان الناس من موقع المقاوم للمشروع الصهيوني إلى موقع القاتل للشعب السوري، ومن موقع الفصيل الوطني المقاوم إلى موقع الميليشيا العميلة التي تأتمر بأوامر المرشد الإيراني وتنفذ أجندات إيرانية، ولن ينظر إليه من الآن فصاعدا إلا كفصيل من فصائل الحرس الثوري الإيراني الموجودة على الأراضي اللبنانية، ولن يكون بمقدور حزب الله بعد الآن إقناع أحد بمشروعه المقاوم، حتى لو أرسل قواته إلى تل أبيب وأرسل صواريخه إلى ما بعد حيفا.
يمكننا أيضا الحديث عن اهتزاز علاقة حزب الله بقواعده، حيث من المؤكد أن معظم هذه القواعد غير مقتنعة بجدوى وأحقية قتال وقتل الشعب السوري، ولا ترى ما يشرف في هذه المهمة، ولن تفهم بسهولة أن رد الجميل لمن احتضنوا أهلهم في العام 2006 بكل ذلك النبل يكون بقتلهم.
أما على الصعيد العسكري فحزب الله ذاهب إلى حتفه حتما، فقد تورط في الصراع السوري القاسي والدامي، وقوة حزب الله في هذا الصراع أضعف بكثير من قوته في الصراع مع اسرائيل، فهو الآن يخرج من بيئته الحاضنة، ويتوغل في الأراضي السورية ويأخذ دور المحتل الغازي، ويعتدي على شعب ثائر شديد البأس، صاحب حق، مصمم على إزاحة نظامه ونيل حريته، ومستعد للشهادة وللذهاب حتى النهاية مهما كانت الأكلاف، بينما كان حزب الله في صراعه مع اسرائيل هو صاحب الأرض وهو صاحب الحق والقضية، وهو من يدافع عن حقه وعن بلاده وأرضه، وضمن بيئته وبين ناسه، والفرق شاسع بين أن تكون قوة احتلال بدون حق وقناعة وقضية، تقاتل شعبا ثائرا صاحب حق وقضية على أرضه، وبين أن تكون مدافعا عن أرضك وأهلك وأنت صاحب الأرض والحق والقضية.. لذلك سينتهي حزب الله عسكريا على الأراضي السورية، وسيعود معظم مقاتليه إلى ديارهم ضمن توابيت.
فإذا أضفنا خسارة الحزب العسكرية إلى الخسارة المعنوية الناجمة عن فقدانه قناع المقاومة وبروز حقيقته كجزء من المشروع الفارسي المناهض والمتناقض والمعادي للعرب ومشاريعهم، نستطيع تقدير حجم الخسارة التي ستلحق بحزب الله جراء هذا الغوص الأحمق في وحول الصراع السوري.
على صعيد لبنان فإن تدخل حزب الله أدخل لبنان في منزلق خطير وزجه في موقف عدائي مع مع الشعب السوري، ودفع الاستقرار الداخلي اللبناني الهش أصلا إلى حدود الانفجار، وهو سيؤثر حتما على الوضع الاقتصادي ولقمة عيش اللبنانيين، وقد بدأ التأثير فعلا كما ذكرت في بداية المقالة، وصديقي العائد من السعودية ما هو إلا واحد من أصل مئات وآلاف اللبنانيين الذين تم أو سيتم طردهم من دول الخليج. ولا يخفى على أحد أن تحويلات هؤلاء اللبنانيين وما ينفقونه أثناء زياراتهم لوطنهم هي من المصادر الرئيسة للدخل الوطني اللبناني، ولمعيشة آلاف الأسر اللبنانية، أما المسألة الأخطر من كل ذلك والأبعد أثرا على لبنان فهي المسألة الطائفية، حيث أن انخراط حزب الله الشيعي حتى النخاع في الصراع السوري إلى جانب النظام وضد شعب ثائر بغالبيته السنية، وقتل أبناء الطائفة السنية على يد مقاتلي حزب الله سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة الاستقطاب الطائفي والمذهبي في لبنان وإيصاله إلى مستويات قد لا يقوى البلد على استيعابها.
في الجزء الثاني سنكمل الحديث عن تداعيات هذا التدخل على صعيد المنطقة ككل وعلى صعيد الصراع السني الشيعي وعلى صعيد الصراع مع العدو الصهيوني.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية