في ساعة متأخرة من ليلة الحادي عشر من شهر آذار العام 2012 وفي وقت كان العرب فيه منشغلين يتسلون بمشاهدة برنامج ( أراب غوت تالينت) تسلل عدد من شبيحة الحقد الطائفي الأعمى إلى حي كرم الزيتون في محافظة حمص بعد تمهيد من الجيش "الباسل"، ليتسلوا بنحر مئات الأشخاص في الشوارع والبيوت المجاورة في مجزرة رهيبة لا يتخيلها العقل البشري، عوائل بأكملها نساءً وأطفالاً وكبار في السن تم ذبحهم آخر تلك الليلة المرعبة، وظهرت آثار التعذيب والخنق على معظم الجثث وبعضها الآخر أحرق أصحابها وهم أحياء ليكونوا "وليمة لأعشاب الحقد الطائفي".
"أم محمد الفاعورية" التي قُتل 15 طفلاً وامرأة من عائلتها ورأت بعينيها أهوال مجازر لم تلامس "نخوة المعتصم"، تستعرض بعضاً من تفاصيل المجزرة فتقول "خنساء حمص":
يوم حصلت المجزرة في حي الرفاعي (كرم الزيتون) بتاريخ 11/ 3 / 2012 كنت في مدينة النبك لاستلام إعانات لعائلتي وعدت من هناك إلى قرية خارج حمص يسكن فيها ابني الأكبر لأنني لم أستطع دخول المدينة بسبب الوضع الأمني الصعب فيها ذلك اليوم، وعندما وصلت إلى منزل ابني تلقيت منه خبر المجزرة التي ذهب ضحيتها 15 من زوجات أبنائي وأحفادي، فجن جنوني وذهبت صباحاً إلى المستشفى العسكري في منطقة الوعر، وعند باب المستشفى قابلني ضابط تعامل معي بفظاظة ولم يسمح لي بالدخول للبحث عن جثث أفراد عائلتي، فذهبت مع العديد من النساء ممن فقدن أولادهن وكن حوالي العشرة إلى الأمن الجنائي وعندما دخلنا إلى الفرع عرضوا علينا صور قتلى المجزرة، وتعرفت على أولادي وكنائني وأحفادي جميعهم وهم 9 أطفال وست نساء، وأعطوني ورقة بأسمائهم وعدت إلى المستشفى العسكري من جديد ووجدت جثثهم باستثناء جثة ابنتي"يسرى"، فصعدت إلى الطابق الأول في المستشفى للبحث عنها وتعثرت هناك بطفل ميت عمره حوالي 5 أشهر كان عارياً ومرمياً على الأرض، وعندما دعست عليه -دون انتباه- شعرت بقشعريرة شديدة تسري في جسدي، وهنا دعوت من قلبي الذي كاد أن ينفطر لهول ما رأيت: يالله تولى ابنتي والشهداء كلهم، وبدأت بالبكاء الشديد.
قتلة وسماسرة !
وتضيف الأم المكلومة: في المستشفى العسكري الذي كان أشبه بالمسلخ البلدي
رأيت مئات الجثث المكدّسة في ثلاث شاحنات (قاطرة ومقطورة) مركونة تحت أشجار في الباحة الخارجية للمشفى، وكانت أغلب الجثث موضوعة في أكياس من النايلون وبعضها كان مقطّع الأوصال، وبعضها كانت أحشاؤها في الخارج، كان المنظر مرعباً جداً والروائح الكريهة تنبعث من المكان، وعندما بدأت إجراءات إخراج أفراد عائلتي الشهداء فرضت إدارة المستشفى مبلغ ألف ليرة سورية عن كل جثة يتم إخراجها لصغير كانت أم لكبير، وأحد الأطباء وهو الدكتور خالد الحزوري التركماني الذي لم يعطني تصريحاً بإخراج الجثث حتى أخذ مني عمولة 40 ألف ليرة أعطاني إياها الشيخ (س . ج) جزاه الله خيراً.
نتفوا لحية شيخ بالكماشة !
وحول تفاصيل المجزرة كما سمعتها من ناجين تقول أم محمد:
كان حي كرم الزيتون الذي يقع إلى الجنوب من حمص محاطاً بالسكان من الطائفة العلوية، وكانت هناك مجموعة من الثوار يحمون الحي من محاولات هجومهم عليه، ولكن هؤلاء الثوار انسحبوا لأن الذخيرة لديهم شارفت على النفاذ، ولم يبقَ في الحي إلا بعض العائلات من النساء والأطفال وكبار السن، وفي ذلك اليوم -أي يوم المجزرة- دخل الجيش معززاً بالدبابات والأسلحة الثقيلة وقاموا بتمشيط الحي والقبض على ممن وجدوا من شبان الحي، وطلبوا من الأهالي أن يُحضروا ما يملكونه من أموال وقطع ذهبية، وتعهّدوا بأن لايقتلوا أحداً، وفعلاً جمعوا ما طلبوه وخرجوا ثم قاموا بالاتصال بمجموعات الشبيحة الذين كانوا ينتظرون الفرصة للدخول إلى الحي والانتقام من الأهالي، وفعلاً دخل هؤلاء المجرمين وارتكبوا فظائع لا توصف، وحينما دخلوا إلى منزل عائلتي كانت زوجات أبنائي جالسات يقرأن في المصاحف، فقام الشبيحة بانتزاع المصاحف من أياديهن وطلبوا منهن إحضار الذهب والأموال، وقبل ارتكاب المجزرة قال لهن أحد العناصر ممن يعملون معهم: حرام عليكم هؤلاء نساء وأطفال فلماذا تقتلوهم، فقاموا بقتله على الفور قبل أن يجهزوا على عائلتي بالكامل وهم ابنتي (حميدة 21 سنة) التي أصيبت في رأسها من الخلف وابنتي (يسرى 27 سنة) وبناتها الأربعة وهن "هنادي 9 سنوات"و "أماني 8 سنوات" و "فردوس 5 سنوات" و"عائشة 3 سنوات" و"ناصر 8 أشهر"وزوجها الشيخ" أبو ناصر المبارك" الذي تم قتله في الشارع بعد أن قاموا بنتف لحيته بالكماشة، وكنتي (وعد) إضافة إلى بناتها الاثنتين وجنينها -إذ كانت حاملاً في شهرها الأخير- وابنتي (ثقلة 32 سنة) وزوجة ابني "أم ماسة" 19 سنة التي كانت حاملاً في شهرها الأخير أيضاً، وعندما رجتهم أن لا يقتلوها قائلة لهم "أنا حامل" قالوا لها: "بدنا نريّحك من هالبطنة" - أي من الجنين – الذي في بطنها، وفي تلك اللحظة ركض ابنها ذو السنتين ونصف مرعوباً إلى خارج المنزل فلحقوا به وذبحوه بعد أن ذبحوا أمه التي رأيت جثتها فيما بعد وهي مزرقّة بشكل رهيب ووجهها ممسوح المعالم مما يدل على أنها ماتت خنقاً، كما أصيبت برصاصات في قدميها عند الركب. وقام الجُناة بذبح حفيدتي "حميدة" ذات السنة الواحدة من عمرها مع أمها وكنتي "ياسمين 18 سنة" وولديها "بهاء" و"ماريا" وكنتي "نغم الحمد 19 سنة" التي وُجدت مشوّهة الوجه، إذ قاموا بقص وجهها بـ "الفراعة" التي يستخدمها القصابون، ويبدو أنها حاولت مقاومتهم فقاموا بإطلاق النارعلى رأسها من الخلف فانفجرت جمجمتها وسقطت مضرجة بدمائها فوق ابنها الصغير ذي السنة والنصف من عمره، أما ابنها "عبد الله" فقد نجا من المجزرة وهو يعالج في حمص اليوم ومن ضحايا هذه المجزرة ابني "أحمد 23 سنة" الذي هرب خارج المنزل لدى ارتكاب المجزرة وكان مع أكثر من عشرين شاباً من الحي تم قتلهم جميعاً رمياً بالرصاص، أما ابني (م) الذي لا نعرف مصيره إلى الآن فعندما جاء إلى منزلنا ورأى المجزرة جن جنونه وراح يطلق الرصاص في الهواء دون وعي، وعندما خرج رآه عناصر من الهلال الأحمر فطلبوا منه أن يحمل معهم الجثث التي كانت تملأ شوارع الحي وأصبح يحمل معهم هذه الجثث، وعلمنا منه فيما بعد أنه حمل جثث حوالي 1500 شخص من رجل وطفل ومسن تم وضعها في سيارات شاحنة تابعة للهلال الأحمر.
وحول الأشخاص الذين قاموا بالمجزرة وفيما إذا تم التعرف عليهم تقول أم محمد:
من قام بالمجزرة هم أبناء الحي من الطائفة العلوية وهم معروفون بالأسم ومنهم
"أبو وضاح" وهو شبيح كبير اشتهر بدوره في ذبح العشرات من السنة بالسكاكين وكان يعمل في السحر والشعوذة قبل أن يتحول إلى التشبيح، ومن هؤلاء "عزيز الجوراني" و"يحيى وياسر العلواني" وهم شقيقان من السنة ولكن أمهم تنتمي إلى الطائفة العلوية و" بركات وتميم وعلي محسن" الذين كانوا يسكنون بجوارنا، وأولاد أبو صبحي وآخرون لا تحضرني أسماؤهم.
مجازر "كرم الزيتون"
وتضيف الأم المفجوعة وهي تعدد أسماء من قضوا في مجازر "كرم الزيتون" كما شهدتها:
قبل المجزرة التي حصلت لعائلتي بأيام حصلت مجازر كثيرة في حي كرم الزيتون ومنها مجزرة في منزل "أبو ذياب" الذي كان يؤوي إليه أكثر من خمسين شخصاً وعندما بدأت المجازر دخل الشبيحة إلى منزله وقاموا بتصفية الأشخاص الذي كانوا في منزله جميعهم وقد رأيت جثثهم متراصة فوق بعضها البعض، وقتل أمام مخازن "أبو مهرب التركاوي" أكثر من ثلاثين شاباً كانوا مقيدين من الخلف وتم وضع وجوههم على الأرض، كما قتل "شامان التركاوي" الذي كان أحد الناشطين في الثورة السورية وتم حرقه بوضع البنزين عليه وإشعاله، وقتلت بذات الطريقة امرأة تدعى "أم حسين" مع أولادها السبعة حيث تم رش البنزين على محيط منزلها وحرقها مع عائلتها لأنها رفضت أن تفتح الباب لهم، بالإضافة إلى أقرباء لي وعددهم ستة أشخاص وهم الأب "سليمان أحمد" مع زوجته وابنتهم وزوجها وولديهم.
و"نورة الشريف 30 سنة" و "ماجد المبارك" وهو شقيق صهري الشهيد "أبو ناصر المبارك" و "خالد الذياب" الذي جاء لإنقاذ الضحايا ففرغت ذخيرته وتم قتله وظل ليومين مرمياً فوق كوم من البحص في الشارع الرئيسي، وهناك "ثلجة الطريجة" وزوجها وولدها وابنتيهما ، و"محمد النغيش" مع زوجته الحامل التي قاموا ببقر بطنها وأخرجوا الجنين ووضعوه على جثتها، وزوجة "مجبل العيثة" التي كانت تتقلد بالذهب فقاموا بقطع يديها وأخذوا الذهب وكان ابنها ذو التسع سنوات مختبئاً في سقيفة المنزل لدى دخول القتلة فنجا من المذبحة، وهناك "حسين الغنام" وعائلته المكونة من 17 شخصاً ما بين نساء وأطفال تم قتلهم جميعاً ولم ينجُ سوى شاب بعمر الـ 17 سنة ظنوا أنه قضى في المجزرة ، و"بيت البوابيري" من مدينة اللاذقية وهم "خالدية العباس" وزوجها وأولادها الست وسلفتها التي كانت لديها مع زوجها وأربعة من أطفالها تم قتلهم جميعهم، وعند الكشف عن جثثهم وُجد أنهم كانوا جالسين على الكنبات والدماء تغطي وجوههم وأجسادهم، وهناك عائلة "أبو موسى" وهم 18 شخصاً، عندما دخل عليهم الشبيحة كان من بينهم شبيح يدعى تميم وهو أحد جيران هذه العائلة فقالت له "أم موسى": يا تميم لقد أرضعتك أربعة أشهر فلا تذبحنا فقال لها جاء أمر من الرئيس بذبح الصغير والكبير، وفي كل هذه المجازر الفظيعة كان القتلة يقومون بحرق المنازل جميعها بعد أن يسرقوا منها ما يمكن حمله.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية