أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المقاومة خيار استراتيجي يحتاج إلى استراتيجية ... أ.د. محمد اسحق الريفي

لا جدال حول تبني المقاومة خياراً استراتيجياً لمواجهة النظام الصهيوني ومخططاته ضد الشعب الفلسطيني، ولكن هذا الخيار يحتاج إلى استراتيجية لتطوير المقاومة وحماية إنجازاتها وتوظيفها في تحقيق الأهداف السياسية، بغير ذلك تصبح المقاومة مجرد تكتيك وردود أفعال.

لا شك أن خيار المقاومة، الذي تتبناه حركتي حماس والجهاد وفصائل مقاومة فلسطينية أخرى، يحظى بتأييد شعبي فلسطيني وعربي وإسلامي كبير، ولا شك أن المقاومة حققت إنجازات كبيرة، ولكن هذه الإنجازات ستظل عرضة للمؤامرات الإقليمية والدولية، ما لم يتم وضع استراتيجية لهذه المقاومة ترقى بها من مستوى التكتيك وردود الأفعال إلى مستوى عمل استراتيجي منظم.

ويجب أن تُبنى هذه الاستراتيجية على فهم عميق للاستراتيجية التي يتبعها النظام الصهيوني لتحقيق أهدافه وما لديه من عناصر قوة وضعف، وإحاطة تامة بمدى تأثير المقاومة على الرأي العام لمجتمع الاحتلال والسياسة الداخلية للأحزاب والحكومة الصهيونية، وإدراك حقيقي لحجم هامش المناورة الصهيونية في الرد على عمليات المقاومة وعلاقة ذلك باستقرار المنطقة ومستقبل المصالح الأمريكية والغربية.

ولا بد لاستراتيجية المقاومة أن تعكس القدرة الحقيقية للشعب الفلسطيني على الصمود والمقاومة بالتناسب مع مستوى التفاعل العربي والإسلامي مع قضيته. ويجب أن تنعكس هذه الاستراتيجية على الموقف السياسية لحركة حماس وخطابها الإعلامي والسياسي وعلاقتها مع القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة. كما يجب أن تنسجم هذه الاستراتيجية مع الاستراتيجية السياسية لحركة حماس وتؤدي إلى تحقيق أهدافها وتطلعاتها.

ومن البديهي القول أن استراتيجية المقاومة يجب أن تتضمن تحديد الأهداف التي تسعى المقاومة الفلسطينية لتحقيقها، إضافة إلى تحديد وتيرة المقاومة ونوعها وحدودها الزمانية والجغرافية، وذلك حتى لا تنحصر عمليات المقاومة ضد الاحتلال في ردود أفعال على جرائمه المتواصلة وممارساته القمعية ضد الشعب الفلسطيني.

فعلى سبيل المثال، هل تهدف الصواريخ الفلسطينية إلى تهجير المستوطنين من سديروت وغيرها من المستوطنات اليهودية/الصهيونية المحاذية لقطاع غزة أم أنها تهدف إلى تغيير المواقف السياسية للحكومة الصهيونية، تحت ضغط الرأي العام في مجتمع الاحتلال الصهيوني، وعبر إسقاط نظرية الأمن الاستراتيجي للنظام الصهيوني؟!

وهل تهدف عمليات المقاومة إلى حماية قطاع غزة من الاجتياحات التي يقوم بها العدو الصهيوني بشكل متواصل أم أنها تهدف إلى إفشال خريطة الطريق التي يعكف هذا العدو وشركاؤه في عملية أنابوليس على تنفيذها في الضفة الغربية المحتلة؟

وكيف ستؤثر عمليات المقاومة على عملية التهويد وسياسة "الضم الزاحف" للأراضي الفلسطينية التي يمارسها النظام الصهيوني؟ خاصة في ظل سماح سلطة رام الله وحكومة فياض غير الشرعية للأجانب بشراء الأراضي الفلسطينية، وفي ظل تزايد عمليات شراء المستوطنين للعقارات والأراضي في الضفة الغربية المحتلة.

وما هي حدود قدرة العدو الصهيوني على الرد على عمليات المقاومة والتنكيل بالشعب الفلسطيني وارتكاب محرقة ضده وتهجيره؟ وما علاقة كل ذلك بردة الفعل الشعبية العربية والإسلامية وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة والتي تنذر بانفجار كبير يغير المعالم السياسية للمنطقة تغييراً شاملاً؟

من المؤكد أن عمليات المقاومة تأتي في سياق الدفاع عن النفس وصد الاجتياحات والرد الطبيعي على الجرائم الصهيونية، ولكن لا بد من وضع استراتيجية تتضمن الإجابة على الأسئلة السابقة وغيرها من الأسئلة بشكل واضح، وذلك لترشيد المقاومة وتحقيق الأمثلية من عملياتها، ولتجنب الوقوع في الشرك السياسي والإعلامي الصهيوني.

إن وجود استراتيجية للمقاومة يساعد حركة حماس، وفصائل المقاومة الأخرى، على الإجابة على كل الأسئلة التي تتعلق بجدوى المقاومة وما يمكن أن تحققه من أهداف، ويساعدها على اتخاذ موقف استراتيجي موحد من الهدنة والتهدئة التي يسعى العدو الصهيوني بإلحاح للتوصل إليها مع فصائل المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد الهزيمة التي لحقت بجيشه في غزة، وبعد نجاح عملية القدس الاستشهادية، وبعد تملل العرب والمسلمين وزيادة مستوى تفاعلهم مع القضية الفلسطينية.

فالهدنة التي يريدها العدو الصهيوني تهدف إلى تعميق فصل غزة عن الضفة، وتعزيز سلطة رام الله، وإنجاز الشق الأمني المتعلق بخريطة الطريق، والمضي قدماً في التهويد والضم الزاحف للأراضي الفلسطينية، الأمر الذي سيؤدي إلى تمكين الصهاينة من إقامة دولة يهودية، بعد تمزيق الشعب الفلسطيني وحبسه في كنتونات معزولة.

صحيح أنه عند مقاومة الاحتلال ليس هناك نجاح أو فشل ولا انتصار أو هزيمة، بل شيء اسمه الواجب، ولكن هذا لا يعني الاستغناء عن استراتيجية للمقاومة تزيد من فاعليتها وتجعلها أقدر قدرة على إفشال المخططات الصهيوأمريكية وتوظيف المتغيرات الإقليمية والدولية في تقويض النظام الصهيوني والضغط على حلفائه وعملائه.

إذاً لا بد أن تتضمن استراتيجية المقاومة الفلسطينية خططاً ووسائل وبرامج تؤدي إلى تقويض نظرية الأمني الصهيونية وضعضعة الرأي العام الصهيوني، ووقف عمليات التهويد وسياسة الضم الزاحف، وإفشال خريطة الطريق وعملية أنابوليس، وإنقاذ الضفة الغربية المحتلة من فريق أوسلو-أنابوليس، وتكريس الصورة الدموية والوحشية والهمجية للنظام الصهيوني لدى الرأي العام الغربي والعالمي، وقطع الطريق على هذا النظام المجرم إلى إقامة اتفاقيات سلام مع الدول العربية والإسلامية أو التطبيع معها.

إن الظروف الإقليمية والدولية الراهنة تؤكد أن النظام الصهيوني لا يقدر على تنفيذ تهديداته ضد غزة، فهو بحاجة ماسة إلى الهدوء، لاستيعاب فشله الذريع على كل الأصعدة، ولإنجاز أجندته في الضفة، واستمرار المقاومة كفيل بإبقاء الصهاينة في دوامة الفشل حتى زوال الاحتلال.

12/03/2008م

(104)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي