أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"امتحانات النزوح"... من لبنان ثم "الائتلاف الوطني" وصولاً إلى "الجامعة العربية"

طالبات في مدرسة لبنانية

تجهش التلميذة السورية ريهام عثمان بالبكاء وهي تقدم امتحان الشهادة الثانوية اللبنانية في صف بإحدى مدارس مدينة طرابلس في شمال لبنان. تدرك هذه النازحة أن النتيجة التي ستحصل عليها قد لا تحظى باعتراف رسمي، ما يقضي على حلمها بأن تصبح صحافية.

ريهام واحدة من 600 تلميذ وتلميذة سوريين نازحين إلى لبنان غالبيتهم من محافظة حمص وسط سوريا، أنهوا اليوم الثلاثاء تقديم امتحانات الشهادة الرسمية وفق المنهج اللبناني الذي درسوه خلال العام الدراسي 2012-2013 بمبادرة من جمعية إسلامية.

إلا أن هذه الامتحانات تجرى من دون اعتراف من السلطات التربوية اللبنانية، إذ إن الغالبية العظمى من التلامذة السوريين الذين نزحوا جرّاء العنف في بلادهم، لا يحملون إفادات مدرسية أو أوراقاً تثبت نجاحهم، بما يؤهلهم لإجراء الامتحانات بشكل رسمي.

ويقول زكريا صباغ، المشرف على تعليم التلامذة السوريين في جمعية التربية الإسلامية، إن الجمعية التابعة للجماعة الإسلامية "حاولت كثيراً مع وزارة التربية اللبنانية لكي يتم السماح للطلاب السوريين بتقديم الامتحانات والحصول على شهادات رسمية، لكن شروط الوزارة تتطلب أن يكون الطالب حاصلاً على شهادة من مدرسته أو بلده مصدقة".

ويوضح أن لجنة فاحصة "ستقوم بتصحيح الامتحانات" التي أجريت في مدرستين إحداهما في مدينة طرابلس والثانية في عكار (شمال)، وسوف نرفعها إلى الائتلاف السوري (المعارض) الذي وعد بدوره بتقديمها إلى جامعة الدول العربية لكي يتم الاعتراف بنتائجها".

ويتابع "نأمل أن يحصل ذلك، وإن كنا غير متفائلين كثيراً بأن نحصل على الدعم المطلوب لإنجاح مهمتنا".

في قاعة الامتحان، تحاول ريهام (19 عاماً) ألا تدع غموض مستقبلها يؤثر على أدائها. وتقول "أنا لست مطمئنة لمستقبلي، وأعرف أنني عندما أنتهي من هنا لن أجد جامعة تقبل بي، وبالتالي ضاع عليّ مستقبلي وحلمي بأن أكون صحافية"، قبل أن تجهش بالبكاء.

كما يدفع ريهام إلى التوتر عدم التأقلم مع المنهج الدراسي اللبناني واستخدام اللغات الأجنبية لا سيما في المواد العلمية، في حين أن اللغة الرسمية للتدريس في سوريا هي العربية.

ويقول صباغ "هناك 600 طالب وطالبة أُخضعوا للامتحانات وفق المنهج اللبناني، حيث جرى تدريسهم إياه بعدما جرى تحويل بعض المواد من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية ليتسنى للطالب السوري التأقلم مع التغير الحاصل".

وتقول أم طارق، وهي مشرفة سورية على التلامذة خلال تقديم الامتحانات، "نحاول قدر المستطاع أن نكون إلى جانب الطلاب حتى لا يشعروا بالفارق بين لبنان وسوريا، وحتى نستطيع أن نساعدهم ضمن المتاح لكي يتمكنوا من إجراء الامتحانات".

تضيف وهي تتنقل بين التلميذات اللواتي يجرين الامتحان في قاعة منفصلة عن الفتيان، إن هناك "صعوبات تواجه الطلاب لها علاقة بموضوع اللغة، ونأمل في أن يتخطوها".

وإلى الصعوبات التعلمية، يعاني التلامذة الممتحنون كذلك من الأثر الذي تركه في نفوسهم النزاع المستمر منذ أكثر من عامين، وأدى إلى مقتل أكثر من 93 ألف شخص وتهجير أكثر من مليون ونصف مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة.

ولجأ نحو 530 ألف سوري إلى لبنان منذ بدء النزاع منتصف آذار/مارس 2011، يتوزعون بغالبيتهم في الشمال والبقاع (شرق)، أكثر من نصفهم ما دون الثامنة عشر من العمر.
وتتحدث أم طارق التي رفضت كشف كامل هويتها عن "مشاكل نفسية لدى بعض التلامذة، وخصوصاً ممن فقدوا عائلاتهم أو خرجوا في ظروف صعبة من سوريا بعدما دمرت منازلهم".

في قاعة مجاورة داخل المدرسة في طرابلس، يجري الفتيان امتحان الشهادة الثانوية. ويقول عادل طيبان (16 عاماً) والمتحدر من حماة (وسط) "تأقلمنا على النوم في غرف ضيقة وعلى الوقوف ساعات طويلة للحصول على مساعدات غذائية، وعلى خسارتنا لمنازلنا ووطننا، ولم يبقَ أمامنا سوى الدراسة لنعوض على أهالينا ونخفف من معاناتهم".

يضيف عادل "كل شيء صعب لدى الشخص بعيداً عن وطنه، والأصعب من ذلك هو إذا لم يعترف أحد بشهاداتنا، أو لم يعد من يقدم لنا مساعدات لكي نواصل تعلمينا، وهنا ستكون المصيبة الكبرى".

في القاعة نفسها، يتحدث عمر الحداد (18 عاماً) أمام رفاقه المنصتين له "أكثرنا من حمص، ولكن كثيرين منا لا نعرف بعضنا، جمعتنا مصيبة النزوح واليوم الهم المشترك لمستقبلنا غير الواضح".
بالنسبة لنور الطحلة البالغة من العمر 16 عاماً، ما زال الوقت يسمح لها بانتظار تبدل الظروف في سوريا، هي التي تأمل في أن تصبح يوماً ما طبيبة لتحقيق حلم شقيقها الذي قضى جرّاء أعمال العنف.

وتقول "آمل في أن أنجح وأن أستطيع أن أكمل دراستي، وأتخرج من كلية الطب، لأن هذا كان حلم شقيقي الذي قتل مع بداية الأحداث في سوريا، واليوم والدتي تريدني أن أكون طبيبة لأحقق حلم شقيقي، ولكي أساعد أبناء بلدي".

تضيف "أمامنا ثلاث سنوات حتى نتخرج ونتوجه إلى الجامعات، وأظن أن هذه الفترة كافية لمعرفة مصير سوريا وعودتنا إلى منازلنا هناك".

الفرنسية
(136)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي