أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن إعلان الجهاد في سوريا .. عمار ياسر الحمد

لم يترك النظام السوري للسوريين بابا للهروب من حمل السلاح إلا وأغلقه في وجوههم,وفتح عليهم أبواب جهنم مستخدما كل أنواع الأسلحة, ومتفننا في أساليب القتل والتعذيب والإذلال, ولم يفتح السوريون كوة في جدار الجمود السياسي إلا قام النظام بردمها بمماطلاته وألاعيبه وأكاذيبه.
لم يكن حمل السوريين للسلاح ترفاً, وما كان طلبهم من دول العالم تقديم الدعم السياسي والمادي وحتى العسكري إلا للدفاع عن أرواحهم التي تزهق وأعراضهم التي تنتهك وبلدهم الذي يدمر بشكل منهجي, ولا ننكر أن في الثورة من دعا إلى التسليح منذ بداياتها من متطرفين ومهووسين وحاقددين وموتورين وجاهلين, لكنهم لم يكونوا يشكلون وزنا ذا بال في مقابل الحراك السلمي, إلا أنهم أصبحوا كذلك بعد أن نطق الرصاص.
لم تستطع دول العالم بما فيها الأشقاء العرب تقديم شئ يذكر لدعم السوريين الذين يذبحون على الهواء مباشرة سوى الصراخ والضجيج وبعض المال الذي لا يسد الرمق ولا يردع صولة الباغي.
كان هدف دول العالم المتحكمة في مفاصل السياسة الدولية هو استنزاف الطرفين وتدمير البنية الاقتصادية والاجتماعية لسوريا وتحويل الدولة السورية إلى دولة فاشلة وإشغالها بنفسها ولملمة جراحها لعقود ولا تستطيع, وتبقى مرتهنة بقرارها السياسي والاقتصادي للقوى المتحكمة, وتبقى لإسرائيل اليد العليا في المنطقة.
أما الدول العربية فلم يكن يروق لها, ولايزال, أن تنتصر ثورات الشعوب العربية , لكن الثورتين المصرية والتونسية مرتا بغفلة من دول العالم وحكماً من الدول العربية الغافلة على طول الخط, والثورة الليبية كان قرار انتصارها غربياً, واليمنية كان قرار الحل اليمني للحفاظ على الحديقة الخلفية للسعودية, أما في الحالة السورية فكان العالم قد انتبه من صدمة الثورات العربية الأولى وبدأ يغير من استراتيجياته تجاه الربيع العربي ويعمل على الاستفادة مما جرى ويجري في العالم العربي فبدأ يعيق تقدم الثورة السورية نحو تحقيق أهدافها ويصمت على أفعال النظام وهذا كان يروق للأنظمة العربية لأن انتشار رياح الديموقراطية بهذه السرعة يحرك المياه الراكدة في أكثر من بلد عربي وإن أي إصلاح حقيقي في أي بلد عربي يعني تغيير النظام جذريا أو إصابة وجوده بمقتل لذلك تأخر التحرك الرسمي العربي باتجاه دعم الثورة السورية أشهرا رغم القتل والدمار.
وفي الجانب الآ خر كان أصدقاء النظام السوري يقدمون له كل أنواع الدعم إلى درجة وصلت للقتال على الأرض السورية ضد السوريين ورفع رايات انتصارهم فوق قبابها جوامعها.
إن اليأس من تخاذل دول العالم ومعها الدول العربية وصمت العرب وانعدام إرادتهم وتبعية قرارهم للقرار الأمريكي, وانعدام رغبتهم في انتصار الثورة السورية بشكل حاسم حتى لا تصبح نموذجا يحتذى بالصبر والإصرار , والاستفزاز الفاقع من قبل إيران وذراعها العسكري في المنطقة هو ما دفع علماء المسلمين للتداعي وإعلان النفرة والجهاد دفاعا عن سوريا والسوريين .
إن فتاوى الجهاد عادة تأتي تبريراً لإعلانات الحرب التي يعلنها الحكام المسلمون لإعطائها مبرراً شرعياً, ولإقناع الناس بشرعيتها دفاعا عن دين الإسلام ودار الإسلام وعن المسلمين وحضهم على الالتحاق بقوات المسلمين.
إن الدعوة إلى الجهاد في هذه المرحلة المتأزمة والتداخل الدولي ووجود الجيوش المنظمة والمسلحة, وإن كانت تدل على شعور عميق بآلام السوريين, وعواطف جياشة تجاه معاناتهم ورغبة صادقة في مساعدتهم, إلا أنها تبقى دعوة ساذجة وسطحية (إذا افترضنا براءتها من ايعاز أو إيحاء بعض الأنظمة العربية لتنفيس الاحتقان الشعبي العربي, ولإثارة خوف امريكا من تدفق الجماعات الإرهابية التي لا ضابط لها ولا حدود,ولتحويل وجهة الصراع العربي من صراع مع العدو إلى صراع داخل البيت الإسلامي.لم يعاد الإسلام يوميا ديناً أو معتقداً, فلم يحارب المسيحية ولا اليهودية, وإنما كانت حربه ضد الإمبراطورية البيزنطية و الصهيونية العالمية, ومن باب أولى أن لا يحارب المتمذهبين بأي مذهب إسلامي, النظام الإيراني عدو في هذه المرحلة لكن إيران ليست كل الشيعة).
إن فتوى الجهاد كان يجب أن تتوجه إلى الحكام العرب الذين يملكون الجيوش المنظمة وينفقون الثروات الضخمة على تسليحها, ويمنعون أي حراك فردي أو جماعي للتوجه إلى سوريا لدعم نضال شعبها , ويعملون على تجفيف منابع تمويلهم إلا في أضيق النطاقات.
ولأن هذه الجيوش لديها التزام بالتراتبية والأوامر العسكرية, و تقوم بأداء بمهام محددة بها, أما إطلاق الدعوة على عمومها فإن من سيلتقطها هم بعض الأفراد و التنظيمات,بصرف النظر عن إخلاصهم من عدمه, غير المنضبطين بأي تراتبية عسكرية والتي لا تتبع لأي دولة وإنما لقادة مجهولي الهوية, والتي تحمل تفسيرات للإسلام تخالفها فيها أكثر الأمة, وتتبنى أفكارا تكفيرية, تنشر الرعب والفوضى والدمار في البلاد وتزيد من الخراب الاقتصادي والتفتت الاجتماعي.

[email protected]

(110)    هل أعجبتك المقالة (124)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي