هل تنتصر الثورة السورية؟

هل الثورة السورية ذاهبة نحو النصر؟ وهل ستكلل تضحيات الشعب السوري الخرافية بنصر مؤزر؟ أم أن النصر أصبح بعيد المنال؟ أم أننا ذاهبون إلى نصر لايشبه النصر في شيء؟ بل هو والهزيمة صنوان؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.
سنحتاج بداية إلى تعريف النصر، وهو ببساطة تحقيق الأهداف، ويكون بإمكاننا القول أن الثورة تنتصر إذا كانت ماضية إلى تحقيق أهدافها، ولمعرفة ذلك علينا معرفة الأهداف، وهنا يمكننا الحديث عن هدف نهائي أساسي هو إقامة النظام الوطني الديمقراطي، نظام المواطنة وسيادة القانون والحرية وحقوق الإنسان على كامل التراب السوري وبمشاركة كل مكونات الشعب السوري، وعن هدف قريب ومرحلي هو إسقاط النظام المستبد الذي يحكم البلد ويقف حجر عثرة أمام وصول الشعب السوري إلى حريته وكرامته ونظامه المنشود.
إذن أسقاط النظام ليس هدفا بحد ذاته، إنما هو هدف مرحلي للوصول إلى الهدف النهائي، إسقاط النظام شرط ضروري ولازم للوصول إلى الهدف النهائي لكنه شرط غير كاف بالتأكيد، بمعنى أنه لابد من إزالة النظام القائم لإقامة النظام المطلوب، لكن إزالة النظام القائم لا تعني أبدا أن إقامة النظام المطلوب ستكون تحصيل حاصل، إنها بداية الطريق فقط، فقد يكون البديل هو نظام مستبد جديد بلبوس مختلف، فتكون الثورة قد فشلت في تحقيق هدفها الرئيس، ويكون انتصارها على النظام بلا معنى مع تكلفة باهظة هي تدمير البلد اقتصاديا وإنسانيا واجتماعيا وحضاريا.
إسقاط النظام لا يعني أبدا انتصار الثورة، وهو بحد ذاته لا يعني شيئا، فقد يوصلنا إلى دولة فاشلة مقسمة متحاربة، وقد يقودنا إلى استبداد آخر أشد وطأة من الاستبداد القائم، وهذا يعني أن الثورة هزمت رغم إسقاط النظام، إن انتصار الثورة لا يكون منجزا إلا بإقامة النظام الديمقراطي العلماني، نظام الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، هذا هو الهدف وهذا هو المعيار الذي يقاس على أساسه النجاح والفشل، وهذا ما دفع السوريون ويدفعون من أجله كل هذه الأكلاف، فهل ثورتنا تنتصر بهذا المعيار؟
واقع الحال لا يشير إلى نصر ولا يبشر بنصر، لا على صعيد الهدف المرحلي "إسقاط النظام"، ولا على صعيد الهدف النهائي "إقامة النظام الديمقراطي"
نبدأ بالواقع الميداني، فالثوار من الجيش الحر، الأقرب إلى الثورة وأهدافها، رغم بطولاتهم وتضحياتهم الأسطورية يعانون من الشرذمة والتشتت وسوء الإدارة والفقر والحرمان وقلة الدعم ، يضاف إلى ذلك رصيد لا بأس به من الأخطاء والارتكابات الميليشياوية التي قام بها البعض تحت وطأة عنف النظام وقسوته وطول أمد الصراع، أما الفصائل الإسلامية الجهادية فتتمتع بالمال والسلاح والدعم، إلا أنها تحمل أجندات مختلفة عن أهداف الثورة وتطلعات السوريين، وهي تسعى من محاربة النظام إلى إقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة والسلف الصالح، لذلك يثير تواجدها إشكالية خطيرة، فإما أن نقبل بها لأنها تساعدنا على تحقيق هدفنا المرحلي، إسقاط النظام، وبالتالي سننتقل إلى مواجهة مفتوحة معها بشأن طموحاتها، مما قد يودي بطموحاتنا. أو أن لا نقبل بها فنخوض حربا جانبية معها تؤدي إلى إضعافنا فوق ضعفنا، ويكون النظام هو الرابح الأكبر منها.
أما الشعب السوري فقد أصبح بحال يرثى لها، بؤس وفقر وجوع وتشرد وخوف وألم وهم تنوء بحمله الجبال، وأصبحت قدرته على الاستمرار والصمود ودعم الثورة ضعيفة جدا.
أما النظام فمتماسك، والجيش والأمن جزء لا يتجزأ منه، تلتف حوله الطائفة العلوية بطريقة مدهشة، ويدعمه الجزء الأكبر من الأقليات، وهو يقاتل ويقتل السوريين ويدمر بلداتهم وأسباب عيشهم بوحشية قل نظيرها في التاريخ، ولا يرى أمامه إلا حله الأمني العنيف، ولا يرى في السوريين إلا أعداء حقودين، ولا يرى في الثورة إلا مؤامرة تستهدف وجوده، ويفهم أن المزاج الدولي لا يميل إلى دعم الثورة فيمضي في برنامجه التدميري بكل ثقة، وهو الآن بحالة نشوة وثقة مضاعفة بعد انتصاره في القصير، وسيسعى جاهدا لتحقيق انتصارات مماثلة ليفرض على رعاة مؤتمر جنيف وعلى مفاوضيه وضعية المنتصر.
نأتي إلى الحلفاء والدعم الخارجي، فنرى أنه حاجة ماسة لطرفي النزاع، والجميع يعتمد عليه ويعول عليه، لكن شتان مابين حلفاء النظام وحلفاء الثورة، فحلفاء النظام يقفون إلى جانبه بكل قوتهم، وهاهي روسيا تزوده بالسلاح الذي يريد بدون حساب وتوفر له التغطية السياسية الدولية وتحميه من المساءلة، وها هي إيران وحزبها اللبناني يرسلان المحاربين والخبراء ويدخلان المعركة وكأنها معركتهما. أما حلفاء الثورة فيكتفون بالتأييد والتنديد والكلام، ويجدون المبررات بشكل دائم لعدم التدخل وتقديم الدعم، مواقفهم زئبقية غير واضحة المعالم، وقد لعب تدخلهم على الصعيد السياسي إلى إرباك المعارضة والثورة وتشتيتها وضياعها وفصلها عن الداخل، وهذا بالتأكيد يساعد على إضعاف الثورة وليس العكس.
ويمكنني الذهاب أبعد من ذلك بالقول أنه لا حلفاء للثورة السورية، والجميع حليف للنظام، مع اختلاف المستوى والطريقة، فالجميع يريد بقاء النظام، لكن من يسمون بأصدقاء الشعب السوري وعلى رأسهم الولايات المتحدة وأوربا وقفوا نظريا إلى جانب الثورة لأنهم لا يرون فرصة لبقاء النظام، ومصلحة اسرائيل تجتمع مع مصلحة روسيا وإيران على بقاء النظام السوري، ومصلحة اسرائيل تعني خطا أحمر للولايات المتحدة وأوربا الغربية، لذلك لم يكن لدى الغرب وإسرائيل مشكلة في تسليم إدارة الملف السوري إلى روسيا وإيران، وربم يحقق لهم ذلك مصلحة مزدوجة هي إنهاك سوريا أولا واستنزاف روسيا وإيران وحزب الله ثانيا.
أما أداء المعارضة السياسية فهو كارثة بحد ذاتها، فبدل أن تعمل متضامنة كفريق واحد لدعم الثورة وتغطيتها وتفكيك النظام ومرتكزاته، وإعطاء الاطمئنان والانطباع اللازم والمناسب للداخل والخارج، نراها حتى الآن تفشل في رص صفوفها وتنظيم نفسها وتفشل في التخلى عن الأنانية والذاتوية والمصلحية التي تميز معظم مكوناتها، وتدخل مع بعضها في حالة صراع وتنافس على المواقع والمصالح مما حرم الثورة من جناحها السياسي الذي يفترض أن يعمل على قيادتها ودعمها وتوجيهها وتغطيتها.
بعد كل هذا الاستعراض نستنتج أن الثورة السورية لا تنتصر في سوريا، فلا يعمل لصالحها إلا هذا الصمود الرائع والشجاعة الفائقة والإرادة الفولاذية للشعب السوري، لكن يعمل ضدها إضافة إلى النظام المتوحش كل المجتمع الدولي، والإرادة والشجاعة عامل بالغ الأهمية لكنه لا يوصل إلى النصر طالما أنه بدون رأس وبدون بوصلة وبدون تنظيم وبدون تنسيق وتعاون وبدون دعم وبدون أصدقاء حقيقيين...
سيرحل النظام يوما، لا خلاف على ذلك، لأن السوريين مصرون على رحيله، ولأنه موضوعيا لم يعد قابلا للبقاء والحكم تحت اي شكل من الشكال، وبرحيل النظام يتحقق الهدف المرحلي للثورة، لكن ذلك لا يعني ابدا انتصار الثورة، فالنظام سيسعى أن يترك سوريا بلدا مدمرا فاشلا غير قابل للعيش والحكم، وسيسعى الإسلاميون من جانبهم إلى إقامة دولتهم الإسلامية المنشودة، دولة الخلافة، مما يعني استبدال الاستبداد القائم باستبداد آخر قد يكون أسوأ بكثير لأن مرتكزه هو الدين، وسننتقل من قفص الاستبداد الأسدي إلى قفص الاستبداد الإسلامي الذي هو أضيق وأخفض سقفا، وتكون تضحيات السوريين الهائلة قد ذهبت سدى.
أعتذر من القراء الأعزاء عن هذه النظرة السوداوية، لكن الغرض هو التحريض على القيام بشيئ ما لتغيير هذا الواقع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
إن تدارك الهزيمة ممكن ويقوم على الاعتماد على الذات حصرا، وهذا يعني أنها مهمة المعارضة السورية بجناحيها العسكري والسياسي، والمسألة تبدأ من الإحساس بالخطر الشديد والوشيك الذي يتهدد الثورة من استمرار الأمر القائم، وإعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية، وتأجيل الخلافات والتناقضات، والتنسيق والتعاون والاتفاق على المشتركات، وما أكثرها، والعمل روحا واحدة ويدا واحدة لحماية الثورة وإيصالها إلى بر الأمان، وسيعود الجميع إلى الإختلاف فيما بعد، ضمن دولة القانون والمؤسسات، وبالطرق الحضارية للاختلاف التي تجعل من الاختلاف عامل غنى وتقدم.
الخطر داهم وهو يتهدد سوريا كيانا وشعبا وحضارة، وعلى قوى المعارضة وكل من يدعي الوطنية أن يكبر الآن ويرتقي إلى حجم المسؤولية، وإلا فالتاريخ لن يرحم أحدا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية