غابت القصير أو غُيّبت بعدما كانت أشبه ببالون تعمّد البعض النفخ به حتى أحدث انفجاره دوياً ملأ صداه فضاء الإعلام لثلاثة أسابيع متواصلة تقريباً، صارت خلالها البلدة التي تبعد عن حمص (نحو 25 كم جنوب غرب) على الحدود اللبنانية أشهر من نار على علم تحت أضواء الإعلام المؤيد للثورة أو إعلام النظام وزبانيته كذلك.
احتفلت قوات الأسد وحزب الله، ورفعوا رايات نصرهم على أنقاض بيوت صارت مقابر لأهليها، ورايات حقدهم ومرضهم التاريخي على أحد مساجدها، ثم غاب الإعلام عن القصير وغابت هي عنه، كما لو أنها معركة"بلاي ستيشن" انتهت بكبسة زر.
قليل من الإعلام ركز على وضع المدنيين الهاربين من المدينة المدمرة، ومرت رحلات الموت لآلاف حاولوا النجاة دون أن تأخذ الحد الأدنى من الاهتمام، فصحيح أن إجراءات النظام معروفة لمن تسوّل له نفسه نقل جزء من الحقيقة، لكن البعض يتساءل عن ذريعة إعلاميي الثورة، "مع التقدير لجهودهم على الأرض".
بقايا نازحين
يؤكد أحد الناشطين في اتصال مع "زمان الوصل" وجود أكثر من 3000 محاصر بينهم مئات الجرحى في بساتين قرب القصير، رافضاً تحديد المكان بالضبط لأنه "بطبيعة الحال هناك تخوف من مجزرة في حال وصول قوات الأسد وحزب الله إليهم".
ويناشد الناشط إعلاميي الثورة أن يستخدموا نفوذهم الإعلامي لتسليط الضوء على هؤلاء لعلهم ينجحون بتجنيب الأهالي والجرحى"مجزرة منتظرة" ضمن وضع مؤلم للغاية، كاشفاً أن كتائب الفاروق وأحفاد الرسول وباباعمرو والقصير تحاول فتح الطريق للمحاصرين من خلال محاولتها دفع الجبهة للخلف، طالباً الدعم لتلك الكتائب علها تنقذ أرواح المحاصرين والجرحى منهم خاصة.
وفي لبنان كشف الناشط أبو أنس لـ"زمان الوصل" أن من استطاع الوصول إلى مشافي طرابلس نحو 70 جريحاً معظم إصاباتهم في الأطراف وجروح غالبيتهم مجرثمة نتيجة التأخر بالوصول بعد "رحلة موت" دامت أسبوعاً كاملاً في البراري والجرود، التحفوا خلالها السماء وافترشوا الأرض وصارت أوراق الأشجار لهم مأكلاً ومياه السواقي مشرباً.
"كثير منهم تفاجأ أنه على قيد الحياة، وما زال يخاف التلفظ ببنت شفة" يقول أبو أنس في وصف رآه دقيقاً لحال الجرحى الواصلين لتوّهم إلى أحد مشافي طرابلس، مستشعراً في أفواههم كلاماً عن شيء ما حدث في القصير مازالوا يخشون البوح به.
أرجوك اقتلني!
ناشط آخر كان ضمن المساهمين في إجلاء الجرحى والمدنيين ومرافقتهم من القصير يروي لـ"زمان الوصل" مشاهداته قائلاً: أخرجنا آلاف الأهالي من القصير إلى البويضة (نحو 9كم شمال شرق القصير)، ثم توجهنا إلى مزارع الحسينية (7 كم شرق القصير)، في أول يومين لم يحدث شيء لأن قوات النظام والحزب لم تكن تعرف بوجودهم هناك.
لكن عند الاقتراب من طريق الشام تاه بعض المدنيين ليجد نفسه أمام حواجز للجيش الذي اكتشف الأمر وصار ينصب كمائن للنازحين، ويقصفهم بما توفر لديه من أسلحة ثقيلة من راجمات صواريخ وهاون ومدفع 23إضافة إلى الأسلحة الخفيفة.
وأكد الناشط استشهاد عدد كبير من النازحين وبينهم جرحى بالأساس، ما أدى إلى حالة من الهلع جعلت من مبدأ "دبر راسك" سيد الموقف، وأشار إلى صعوبة موقف شباب الجيش الحر المرافقين لحماية الأهالي وتوصيل الجرحى، وتناوبهم على حمل الجريح واتخاذ وضعية الاستعداد للدفاع عنه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وهنا يروي الناشط قصصاً خيالية مرعبة بعد قبض قوات الأسد على بعض من لم يستطع الهرب من الجرحى وتصفيته أو اصطحابه معهم، لدرجة أن بعض الجرحى طلب من مسعفيه إطلاق النار عليه خوفاً من وقوعه في يد قوات الأسد أو حزب الله، حيث النتيجة التي لا يريد أحد الوصول إليها.
وخاصة عند الوصول إلى (الفتحة) بين قريتي الديبة وشمسين (نحو 30 كم جنوب حمص) ، حيث فتحت قوات الأسد النار على النازحين، ما أصاب من تبقى على قيد الحياة منهم بالهلع.
ولم يكن من كُتبت له حياة جديدة من النازحين في مأمن وإن استطاع الوصول إلى يبرود، فكانت النفسيات منهارة لهول ما واجه في رحلة أشبه بالجحيم، ورغم ذلك كانت "الميغ" -بحسب الناشط- بانتظار هؤلاء وخاصة الجرحى، إذ قصف طيران الأسد أكثر من مشفى في تلك المدينة القلمونية، ليقع المزيد من الشهداء، ويقصد بعض الناجين بلدة عرسال لدى الجار الذي يصدر للسوريين الكثير من القتل والدمار، وينأى بنفسه عن استقبال الجرحى، فيغضُّ النظر-ربما خجلاً- عن استقبال بعض الفعاليات الأهلية لأناس كانوا ومنهم مازال قاب قوسين أو أدنى من الموت.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية