أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أنا أخي شهيد ... عبد عرابي

الصورة من داخل أحياء حمص المحاصرة

 حين خرج الناس من بيوتهم هرباً من شبيحة الأسد استقر بها المقام مع أولادها الأربعة عند خالها في حي الميدان، بينما بقي زوجها وأخوها في أحياء حمص القديمة يقاتلان مع من بقي من المجاهدين، قبل الحصار كان زوجها يخرج من حمص القديمة إلى الميدان ليطمئن على حالها وحال أولاده كلما سنحت له الفرصة، قررت إحدى المرات أن تذهب لزيارة زوجها في أحياء حمص القديمة، وألحت عليه فنزل عند رغبتها، ولم تمض أيام على وصولها حتى ضُرب الحصار على المدينة القديمة، ولم تستطع الخروج لتبقى مع زوجها وأخيها، وتعاني آلام الحصار، وخصوصاً أنّها تركت إحدى بناتها خارجاً، لأنّها كانت عند جدتها عندما ذهبت لزيارة زوجها، وتمضي الأيام ويشاء الله تعالى أن يستشهد أخو زوجها في الحصار، فصار زوجها يقول لها حين يمازحها: أنا أخي شهيد، فتقول: هنيئاً له و يضحكان، وكان أخوها وهو طالب علم شرعي وناشط ومجاهد يزورها دائماً فيأنس بها وتأنس به، يبرّ أولاد أخته ويلاعبهم، فكانوا ينتظرون مجيئه بفارغ الصبر، وتمضي الأيام وتعاني مع زوجها وأولادها من نقص كلّ شيء، وخصوصاً أنّ إحدى بناتها معاقة لا تستطيع الوقوف والمشي ولها حاجات خاصة، وصبرت على القصف والخوف والخطر، إحدى المرات انفجرت قذيفة هاون في البيت الملاصق للبيت الذي تسكن فيه وسلّم الله العائلة بلطف منه ورحمة.
 في يوم من الأيام دخل عليها زوجها وعلامات الأسى والحزن بادية على وجهه، ماذا جرى؟ ما بك؟ خرجت الأحرف ميتة من فمه: لقد استشهد أحمد، وصِرْتِ أخت شهيد، أنا أخي شهيد وأنت أخوك شهيد. الحمد لله وأجهشت بالبكاء لا تدري عن أي شيء تبكي، فهناك ألف سبب يدفعها إلى البكاء. فقدت من كانت تشمّ به رائحة أمها وأبيها وإخوتها في هذه الظروف العصيبة، وفقد الأولاد خالهم الذي كان يلاعبهم ويمازحهم ويجلب لهم ما يحصل عليه من أشياء يحرم نفسه منها.
عوّضها الله بابن عمها وهو أيضاً من المجاهدين في الحصار، يصل رحمها، ويزور زوجها، ويلاعب أطفالها، ويجلب لهم بعض ما يحصل عليه، يطيّب خواطرهم، وكان زوجها يدعوه إلى الطعام عندهم إذا طبخت ابنة عمه طبخة لا يطبخها الشباب عادة، في آخر مرة زارهم ابن عمه وكانت قد طبخت ( ملوخية مع الرز) دعاه زوجها إلى تناول الغداء وبينما كانا يتحدثان قال له: ضاق صدري استشهد بالأمس محمود من أحبابي، فقلت أزوركم اطمأن على حالكم وأبتعد قليلاً عن سكني علي أنسى قليلاً، فقال له زوجها : ظننت أنك جئت تهنيني باستشهاد أخي، فقال له: هنيتك بشهادته من زمن طويل، قال: أخي الثاني إبراهيم استشهد في تلبيسة من أيام، قال: والله ما أعرف، على كل حال رحمه الله وقبله في الشهداء، فقال زوجها وهو يبتسم : أقول لابنة عمك أمازحها : أنتِ أخت شهيد، بينما أنا أخو شهيدين.
 لا يظننن أحد أنّ هذه قصة اخترعها كاتب من وحي الخيال، بل هي قصة حقيقية يعلم بعض تفاصيلها كثير ممن في الحصار، هكذا هي حال أهلنا و إخواننا في الحصار، صبر على الآلام وثقة بالله وإصرار على مواصلة الطريق و أمل في غدٍ قادم بلا طاغية رغم كلّ شيء.

 

كاتب سوري .
(103)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي