أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثورات في ميزان المؤشر العربي

يلعب الرأي العام دوراً بارزاً في رسم الإستراتيجيات واتخاذ القرارات السياسية في الدول المتقدمة، ولذلك تغدو مسألة التعرف إليه في كل لحظة سياسية إزاء القضايا المختلفة مسألة في غاية الأهمية سواء بالنسبة لصناع القرار أو قادة العمل السياسي والاقتصادي في المجتمعات أو الباحثين أو الجمهور العام نفسه الذي يرغب بالتعرف إلى اتجاهات مجموعاته وفئاته وأفراده.

ويتفق المفكرون والباحثون على أهمية الرأى العام ويؤكدون على طبيعته المتغيرة، فهو قوة حقيقية لها ضغط وثقل عظيم وقد لا تكون مرئية دائماً، لكن يضطر الجميع لإحناء الرأس لها في لحظة ما. ويمكن تحديد المقصود بالرأي العام بأنه الحكم الذي تصل إليه جماعة ما في قضية معينة يحتدم حولها النقاش وتمس مصالحها أو قيمها بشكل مباشر. ويمكن قياس الرأي العام عن طريق استطلاعات وقياسات مختلفة أو بحوث خاصة.

من هنا تأتي أهمية "المؤشّر العربي" الذي يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فهو استطلاع سنويّ ينفّذه المركز في البلدان العربيّة بهدف الوقوف على اتّجاهات الرّأي العامّ العربيّ نحو مجموعةٍ من الموضوعات: الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، بما في ذلك اتجاهات الرأي العام نحو قضايا الديمقراطيّة، والمشاركة السياسية والمدنيّة. وقد تزامن البدء بهذا العمل مع انطلاق ثورات الربيع العربي التي جعلت الشعوب العربية حاضرة بقوة في الشأن السياسي، بعد أن غيبت لعقود ولم يكن لرأيها أي وزن أو قيمة.

وقد أعلن المركز مؤخراً عن نتائج استطلاع المؤشّر العربيّ لعام 2012/2013 الذي نفّذه المركز في 14 بلدًا عربيًّا، هي: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر، والسّودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعوديّة، واليمن، والكويت، خلال الفترة الواقعة بين تمّوز 2012 وآذار 2013. وقد أُجري الاستطلاع بمقابلة 21350 مستجيبًا من خلال مقابلات شخصيّة وجاهية ضمن عيّناتٍ ممثّلة لتلك البلدان، وبهامش خطأ يتراوح بين ± 2-3%. ويعادل مجموع سكّان المجتمعات التي نُفّذ فيها الاستطلاع 89% من عدد السكّان الإجمالي لمجتمعات المنطقة العربيّة. وبذلك يكون هذا الاستطلاع أكبر مشروع مسح ينفَّذ في المنطقة العربيّة، بالتعاون مع مراكز وفرق بحثيّة في البلدان المستطلعة، وتحت إشرافِ فريق المركز العربي.

لقد شهدت المنطقة العربية نقاشاً موسعاً بشأن الأسباب والعوامل التي أدت إلى اندلاع الثورات فيها، لذا حظي استكشاف هذا الأمر باهتمام "المؤشر العربي" الذي أظهر أن  أكثرية الرأي العام في المنطقة العربيةقد ركزت على أربعة عوامل رئيسة. الأول، الطبيعة السلطوية والاستبدادية لنظم الحكم وغياب الحريات السياسية والمدنية، وكان هذا السبب، والذي يُعد الأهم، حاضراً في إجابات أكثر من ثلث المستجيبين 33% الذين ذكروا أن هذه الأسباب تمثل السبب الأول والثاني لاندلاع الثورات. الثاني، انتشار الفساد، وفساد الأنظمة الحاكمة. ويحظى هذا السبب بتوافق أكثر من ربع المستجيبين 26% على ترتيبه كسبب أول أو ثان لاندلاع الثورات. الثالث، سوء الأوضاع الاقتصادية (ارتفاع نسب البطالة، وزيادة الفقر، وارتفاع الأسعار، وسوء الأوضاع المعيشية). وهذا يتوافق مع إجابات 21% من المستجيبين. أما الرابع، فهو غياب العدل والمساواة، وهنا بلغت النسبة 13%. وإضافة إلى العوامل السابقة، أفاد 1% من المستجيبين بأن سبب اندلاع الثورات هو مؤامرة على العالم العربي، ومشروع أميركي إسلامي للسيطرة عليه.

وعلى صعيد التقييم العام للثورات العربيّة والربيع العربي، فقد رأى 61% من الرأي العامّ أنّ الثورات العربيّة والربيع العربي، هي تطوّرات إيجابيّة، مقابل 22% عبّرت عن تقييم سلبي. وقد فسَّر الذين قيّموا الثورات بالسلبيّة بعدم تحقيق الثورات أهدافها، وحالة الاستقطاب السياسي الحادّ، وسوء الأوضاع الاقتصادية والخسائر البشرية الكبرى. ولم تتعدَّ نسبة الذين قيّموا الثورات بطريقة سلبيّة انطلاقًا من موقفهم المعادي للثورات، 3%. وهي النسبة التي ترى أنّ الربيع العربيّ مؤامرة أميركيّة إسلاميّة.

أما من حيث تحقيق أهداف الثورات، فقد أظهرت النتائج أن تقييم الرأي العام لمدى نجاح الثورات العربية في تحقيق أهدافها (باحتساب معدل الإجابات عن ثلاثة عشر سؤالاً تمثل هذه الأهداف)، هو تقييم إيجابي، أو أنه تقييم يحدوه الأمل في أنها سوف تحقق أهدافها. إن نسبة الذين  أفادوا بأن الثورات العربية قد نجحت في تحقيق هذه الأهداف كانت 20%، في حين أفاد ما نسبته 26% بأنها سوف تحقق هذه الأهداف في المستقبل القريب) 1-3 سنوات(، ورأى 19% أنها سوف تنجح في  تحقيق هذه الأهداف في المدى المتوسط (4-7 سنوات)، وكانت نسبة الذين أفادوا بأنها ستنجح في المدى البعيد 12% (أي بعد 8 سنوات فما فوق). في المقابل، فإن الذين يعتقدون أن الثورات لم تنجح في تحقيق هذه الأهداف، ولن تنجح على الإطلاق، كانت نسبتهم تمثل 12 % من المستجيبين.


وقد أعلن المركز أيضاً في استطلاعه الأخير عن اتجاهات الرأي العام في المنطقة العربيّة نحو الثورة السوريّة  تحديداً  كجزء من استطلاعه الكلي. وتشير نتائج الاستطلاع إلى وجود تفاعل عربي كبير مع ما يحدث في سورية، كما توحي باطلاع وافٍ على تفاصيل الحدث السوري بحكم المقترحات التي قدمت للخروج من الأزمة. فقد أظهرت النتائج أنّ هناك شبه توافقٍ في اتجاهات مواطني المنطقة العربيّة، فأغلبية المستجيبين وبنسبة 77% يرون أنّه "من الأفضل لسورية اليوم أن يتنحّى الأسد عن السّلطة"، مقابل معارضة 13% لتنحيه، في حين لم يعبّر 10% من المستجيبين عن رأي أو رفضوا الإجابة. وتشير النتائج إلى أنّ أكثريّة المستجيبين في كلّ بلدٍ من البلدان المُستطلَعة تؤيّد تنحّي الأسد عن السّلطة، فقد أيّد 91% من المصريّين تنحّي الأسد. لكن هذا لا ينطبق على الرّأي العام اللبناني الذي انقسم على نفسه ما بين 44% أيّدوا تنحّي الأسد و46% عارضوا تنحّيه. 

لقد قدّم الرّأيّ العامّ العديد من المقترحات كحلول للأزمّة السّوريّة، من خلال الإجابة عن سؤال مفتوح دون خياراتٍ مسبقة. ويُمكن تصنيف المقترحات في ثلاثة مجموعات، وهي: الأولى، ويرى أصحابها أنّ حلّ الأزمّة السّورية يكمن في تغيير النظام السّياسيّ الحاكم، وتُعبّر عن ذلك أكثرية الرّأي العامّ بنسبة 66% من المستجيبين. الثانية، ويقترح أصحابها القضاء على الثورة، وتشير إلى ذلك مقترحاتُ نسبةٍ تمثّل 3% من المستجيبين في كافة البلدان المستطلعة. أما الثالثة، فيقترح أصحابها حلّ الأزمّة السوريّة من خلال عملية سياسيّة سلميّة تشارك فيها جميع القوى السياسيّة بعد أن يقوم النظام بإصلاحاتٍ جذريّة، وتبلغ نسبتهم 10% من المستجيبين. وكانت نسبة الذين لم يبدوا رأيًا أو لم يقدّموا اقتراحاتٍ 19% من المستجيبين.

وعلى صعيد توصيف الوضع، أبرزت نتائج الاستّطلاع أنّ 62% من الرّأي العام في المنطقة العربيّة يرى أن ما يجري في سورية اليوم هو ثورة شعب ضد النّظام، فيما رأى 27% من المستجيبين أن ما يجري هو مؤامرةٌ خارجيّة على سورية، وكانت نسبة الذين لم يُبدوا رأياً أو رفضوا الإجابة 11% من المستجيبين. وقد اتضح من خلال التحليل المتقاطع لإجابات المستجيبين أنّ اختيار فئة منهم لتوصيف الأزمّة السّورية على أنَّها مؤامرة خارجيّة لا يعني بالضرورة أنهم من مؤيّدي النّظام السّوري أو أنَّهم معادون للثورة أو أنهم من الدّاعين إلى القضاء على الثورة أو المعارضة. إذ إنّ من يصفون ما يجري بأنّه مؤامرة خارجيّة تنوّعت مقترحاتهم للحلِّ الأمثل للأزمّة، فنصفهم 49% أفاد أنَّ الحلَّ الأمثل هو تغيير نظام الحكم، فيما كانت نسبة الذين رأوا أنَّ الحلَّ هو القضاء على الثورة 11% من جميع الذين أفادوا بأنَّ ما يجري هو مؤامرة، و21% منهم اقترحوا حلَّ الأزمّة من خلال عمليّة سياسيّة سلميّة.

من البلد


الرأي العام العربي منحاز لتأييد الثورة السورية...77% مع تنحي الأسد
2013-06-13
كشفت نتائج استطلاع المؤشر العربي لعام 2012-2013 أن الرأي العامّ العربيّ منحازٌ لتأييد الثورة السوريّة، إذ أيّد 77% من الرأي العامّ تنحّي بشّار الأسد عن السلطة، مقابل معارضة 13%.  كما أظهرت نتائج الاستطلاع التي أعلنها...     التفاصيل ..

مقال ينشر كل خميس
(102)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي