الأردن الذي في خاطري
يجب أن يظل الأردن رمحاً من رماح الأمة سنداً لثوارها
لحساب من تجري محاولة طمس تاريخ الأردنيين؟
نختلف مع الحكومات ولكننا لا نختلف مع الوطن
قال صاحبي ما بال منسوب الثورة والغضب يرتفع أسبوعاً بعد أسبوع في مقالتك؟ فقلت يا صاحبي وهل يوجد في المحيط الذي نعيش فيه ما لا يدعو إلى الغضب والثورة، وهذه أمتنا صارت الخيانة فيها وجهة نظر، وصار بعض المحسوبين عليها يتآمرون مع أعدائها لضربها بصورة مباشرة، أو من خلال توفير الغطاء السياسي وغير السياسي لعدوها إسرائيلياً كان هذا العدو أم أمريكياً، فصارت دماء أبنائها تسيل أنهاراً، كما رأينا في غزة خلال الأسبوع الماضي، وصارت أعراض نسائها تنتهك و مقدساتها تدنس، ألا يدعو ذلك كله لثورة وغضب كل حر؟، فما بالك وأنا ابن رجل عاش ومات، وهو ينتصر لقضايا الأمة، ولا يرضى لها الدنية في الدين ولا في الدنيا، وقد فتحت عيني على منزل مشغول بقضايا الأمة يعج برجالاتها، فما زالت ذاكرة الصبا تختزن صورة الحاج أمين الحسيني يحدث الناس في منزل أبي عن فلسطين ونكبتها، وما زالت في ذاكرة الشباب أحاديث أمير شهداء فلسطين ''أبو جهاد''، في منزلنا عن ثورة التحرير، وصورة خالد مشعل وهو يخطب في منزلنا عن ثورة فلسطين وحتمية انتصارها وما زالت في مخيلتي الأحلام التي داعبت ملايين المسلمين، عندما طردت الثورة الإسلامية في إيران سفير إسرائيل ليحل محله سفير فلسطين، وهاهم الأعداء وحلفاؤهم يريدوننا أن نستبدل عداءنا لإسرائيل بعداء لإيران شريكتنا في الدين والحضارة والتاريخ، لا لشيء إلا لأن شعبها ثار على شرطي الخليج، وأبدل سفارة إسرائيل بسفارة فلسطين وصار هتافه اليومي ''الموت لإسرائيل''، ولا لشيء أيضاً إلا لأن الأمريكان يريدون استبدال الخطر الشيوعي بما يسمونه بالخطر الشيعي متناسين أن الاختلاف في الاجتهاد بين أئمتنا ميزة من مزايا الإسلام، التي أثرت فقهنا ولم تفرق صف أمتنا، إلا بعد أن سلم بعض المحسوبين عليها مقودها لأعدائها، فأراد هؤلاء الأعداء تحويل تنافسنا على حب آل بيت رسول الله إلى عداوة، وأرادوا أن يصوروا اختلافنا في فهم النصوص صراعاً، وأرادوا أن يستثمروا جهل وتطرف وتعصب بعض العوام ليحولوه إلى حرب بين المسلمين، ويستبدلوا بها حربهم مع محتل لأرضهم إلى حرب مذهبية بينهم، خاب فأل هؤلاء الأعداء.
غير بيتي الصغير، فأنا يا صديقي ابن عشيرة جذرها البعيد في الحجاز وجذرها القريب في فلسطين، ونصف حاضرها في الأردن، ونصفه الآخر في سوريا، وبعض فروعها في لبنان، فهي بذلك تجمع كل بلاد الشام، التي صارت أشلاء بفعل الاستعمار، الذي مزّق كل بلاد الأمة، وفي ديوان عشيرتي عقد المؤتمر الوطني الأردني الذي قال لا للمؤامرة الصهيونية على فلسطين، ولا للانتداب البريطاني على الأردن، ونعم لوحدة الأمة، وإلى هذا الديوان أوى ثوار فلسطين، وعبره تم تهريب السلاح إلى ثورات العرب فيها وفي جبل العرب وغيره، وفيه أيضاً تغنى عرار بكل قصائده التي تحض على الثورة ضد المحتل والمستعمر، وضد الاستبداد السياسي، والجشع الاقتصادي والفساد الإداري والاجتماعي، وفيه درج بطل القدس عبدالله التل وكل أبناء عمومته الذين قاتلوا في فلسطين، وفيه تحدث وصفي التل عن دور العقل و الخلق في تحرير فلسطين، بعد أن قاتل على روابيها في الجليل، قبل أن يستشهد في سبيلها، ونسب مثل هذا يجعل جينات الثورة والغضب جزءاً من مكونات صاحبه، ثم إنني يا صاحبي من جيل قرأ وتعلم أن الدولة الأردنية الحديثة قامت كقاعدة لاحتضان حركة التحرير العربي، بعد أن خذلها الحليف وتخلى عنها الصديق، فتنادى أحرار الأردن الذين كانت بواديهم وأريافهم ومدنهم مسرحاً للثورة، مثلما كانت من قبل بوابة الفتح الإسلامي ومعقل آل البيت في عقود الإسلام الأولى، لذلك لم يكن غريباً أن يتنادى الأردنيون لمداواة الجراح وتحويل أرضهم إلى قلعة من قلاع الحرية والتحرير للأمة كلها، وعلى ذلك تبايعوا وبايعوا وقبلوا أن يشاركهم في بلدهم كل أحرار العرب من الاستقلاليين الذين كان هدفهم إقامة الدولة العربية الواحدة والتصدي للمؤامرة الاستعمارية الصهيونية؛ فكان الأردنيون سند ومدد الثورة السورية الكبرى، مثلما كانوا طليعة المقاتلين في فلسطين،وكان كايد عبيدات أول شهيد دماؤه تروي تراب فلسطين وظل كل الأردنيين مع كل ثورات فلسطين التي صارت نسباً لكل أردني ولم يعد غريباً أن يسقط الشهيد في نابلس أو جنين، أو غزة، فتقام دواوين عزائه في عمان وإربد والسلط، وبعد ذلك أفلا تريد أن تستعر نيران الثورة والغضب في صدور الأردنيين وهم يرون ما يفعله الغاصب لفلسطين بأهلها وفي غير أهلها من أبناء الأمة؟،فلقد تفتحت بواكير وعي الأردنيين منذ بدايات القرن الذي مضى على ممارسات الظلم والفساد التي صارت الأمة ترزح تحتها، فكانت هباتهم في الشوبك، والكرك والطفيلة ضد الظلم والفساد والتخلف جزءا من تاريخهم المعاصر الذي يحاول البعض أن يطمسه ليرسخ في الأذهان أن الأردن لم يكن إلا ممراً، في حين أن الحضارات استقرت فيه، منذ بدء الخليقة، وهذه آثار البتراء و البيضاء، والشوبك، والكرك، وأذرح وأرابيلا وطبقة فحل، والأزرق خير شاهد على ما نقول، فلحساب من يحاول هؤلاء طمس تاريخ الأردن والأردنيين، إن لم يكن لحساب مقولة أرض شعب لشعب بلا أرض، ولتكن الأرض الأردنية وطناً بديلاً لأهلنا في فلسطين علهم ينسون وطنهم، وقد نسي هؤلاء الذين يحاولون تشويه تاريخ الأردن وطمسه أو تغيبه أن الشعوب لا تنسى أوطانها ولا تاريخها وتثور على من يحاول ذلك، أفلا تريدونني أن أغضب وأنا ألمس أن هناك من يحاول إخراج الأردنيين من خندق أمتهم ومسار تاريخهم الذي هو جزء من تاريخ أمتهم، ومثلما تغضب الشعوب لتاريخها، فإنها تغضب وتثور على من يسعى إلى تذويب شخصيتها وصهرها في بوتقة غير بوتقة أمتها، كما يحاول بعض المحسوبين على أمتنا التي نغضب من أجلها، فنحن أبناء جيل فتح آذانه على نشيد بلاد العرب أوطاني، وتفتحت بواكير وعيه على مخاطر وعد بلفور، وتربى في سنوات التأسيس الأولى على معاني تعريب الجيش، والقول ''لا'' للوجود الأجنبي في بلادنا وعلى رأس جيوشنا، أولا تريدنا أن نغضب ونثور ونحن نرى القواعد الأجنبية والبوارج الأجنبية مرحب بها على شطآن بلاد العرب، بل ويستنصر بها بعض المحسوبين على الأمة؟.
يا صاحبي، الأردن في خاطري وكما تربيت، هو قاعدة من قواعد ثورة الأمة ضد عدوها، وحاضنة من حواضنها أسسه الأجداد على ذلك، وأوصوا بأن يظل في خندق أمته، رمحاً من رماحها وسيفاً من سيوفها، وقلعة من قلاعها وسنداً لثوارها، تماماً مثلما كان مع الحسين بن علي ومع جبل العرب ومع كل ثورات فلسطين والجزائر، وليبيا التي ما زالت تضم جسد الشهيد نجيب البطاينه الذي قضى في الدفاع عن استقلالها، فنحن يا صاحبي مع وحدة الأمة، و سنظل حيثما كان من أبناء الأمة ثائر من أجل حريتها واستقلالها وكرامتها، وقد كان هذا معيار علاقة الأردنيين بحكوماتهم، لذلك أحبوا حكومات التزمت نهج الأمة، وكرهوا أخرى لم تكن على نهج الأمة، ولكننا يا صاحبي، مهما اختلفنا مع حكوماتنا فإننا لا نختلف مع وطننا، ومهما تباينت وجهات نظرنا مع هذا المسؤول أو ذاك، فإننا قط لا نتآمر على وطننا، لأن التآمر على الوطن هو تآمر على النفس وعلى الأمة التي نؤمن بها ونومن بوحدتها كتكليف شرعي وضرورة دنيوية.
يا صاحبي، الأردن الذي في خاطري هو الذي يوقد في الصدر نيران الغضب والثورة لأنه كان ويجب أن يظل في خندق الأمة يغضب لغضبها ويثور لثورتها التي تتلبد عواصفها في سماء كل الأمة.
صحيفة اللواء الاردنية
www.al-liwa.com
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية