أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

اعـــــــــذروني.. ....حسن بلال التل

أهلنا في غزة اعذروني، فلست غاضباً ولا حزيناً لما يجري على أرضكم الطاهرة وترابكم المقدس، فأنتم من جبلتم عند بدء الخليقة بالعرق والصمود، ثم عجنتم خبزكم بالعرق والدم، وأنتم من إذا سقط منكم شهيد سقط مكبراً مبتسماً، وقبل أن تغادر روحه الجسد يقوم ابنه وأخوه ليأخذ كل واحد منهما مكانه في ساحة المجد، وأنتم من إذا سقط منكم شهيد فلا يحتاج إلى تشهد، فليس أكبر عند الله والناس من إثبات وإقرار بوحدانية الله وألوهيته من إقرار يخط بالدم ويوقع ببصمات الروح، ومن كتب هذا الإقرار، فليس يحتاج إلى بضع كلمات تلفظها الشفاه وقد يناقضها القلب والعقل.

اعذروني، فلست غاضباً ولا حزيناً لما يجري، فأنتم تعيشون مرابطين في أرضكم مدافعين عنها بأرواحكم متلقين رصاص الغدر والجبن بصدور مفتوحة، فكل واحد منكم هو شهيد حي يمشي على قدميه انتظاراً ليوم يصبح فيه شهيداً حياً عند ربه في أعلى عليين.

اعذروني، فلست حزيناً ولا غاضباً لما يجري على أرضكم فأنتم من إذا نظرتم إلى السماء في الليل البهيم ترون أنواراً تتراقص وأطياف ملائكة وأنبياء وشهداء تحفكم برعاية الله وتحف شهداءكم نحو جنانه، أما نحن لو وقفنا في وضح النهار أمام أية مرآة فلن نرى شيئاً.

اعذروني، فلست حزيناً ولا غاضباً لما يجري في غزة، لكنني أتميز حزناً وحنقاً وقهراً مما يجري بدءاً بعمان والقاهرة والرياض، وصولاً إلى جاكارتا وإسلام آباد، هناك كثيراً من الشجب والغضب والاستنكار، والصياح صباح مساء عبر التلفزة والإذاعة، وفي الشوارع وقاعات المحاضرات، لكن في آخر النهار ينفض السامر ويعود كل إلى بيته يضيء الكهرباء ويشعل المدفأة ويحتضن أولاده بعد العشاء الدسم من على الطاولات المرتفعة، وينام قرير العين شاعراً بأنه قد أدى واجبه نحو ''القضية''، فيما الأم الغزية تطوف الشوارع لتجمع أشلاء أبنائها وتلملم أوصالهم في منديل أبيض قديم لتعود به إلى بيت بارد معتم، فتضمهم إلى صدرها وهي تبكي حزناً وفرحاً، حزناً على فقدها لفلذات كبدها وسندها الذي كانت تعده ليوم عصيب، وفرحاً لأنهم لأول مرة منذ أسابيع سينامون دون أن ينهشهم الجوع، وتبقى طوال الليل ساهرة تتمنى أن يعجل الإله باسترداد وديعته، حتى تجتمع بأولادها، وتتخلص من بردها وجوعها.

لست غاضباً لما يجري في غزة، لكنني غاضب لما يجري في طول العالم وعرضه فنحن نقتل صباح مساء،فيما السياسيون و''النخب'' التي ما زلت أجهل من عينها نخباً يشجبون بالنهار ويتخمون بالليل من دماء أهلنا في غزة.

يا أهل غزة لا تغضبوا ولا تحزنوا فأنتم المنتصرون، ولا تغضبوا ولا تحزنوا لهزيمتنا وتخاذلنا، فلم تعتادوا منا غير هذا فلم تتوقعون سواه.

يا أهلنا في غزة، قاتلوا وقاوموا وموتوا وارووا بدمائكم أشجار غزة، لأنها ستعيش وتكبر إلى أن يأتي يوم تصبح فيه رماحاً ومناجل ننفذها في قلوبنا، ونقطع بها أوردتنا ونموت منتحرين، لأن نصركم هوخزينا، وعدوكم إن هزمكم فسيستدير نحونا، وعندها لن نجد سوى الانتحار لأننا ما عدنا نعرف كيف نقاتل....

يا أهلنا في غزة، بورك دمكم الذي غسل أقنعة الوفاء الكاذب وهالات الصدق المصطنع من على حقيقتنا الحقيرة، بورك الدم يا غزة...بورك الدم يا قدس...،بورك الدم يا خليل...، بورك الدم يا جنين...، بورك دم الشهيد الذي شربته الأرض في غزة ليتفجر تحت أرجلنا في كل مكان ناراً وحمماً وغضباً إن لم تقتلنا بحسرتنا، فنرجو أن تشعل فينا نار الثورة علها تأتي ليلة نصبح على أثرها رجالاً نستحق أن يقال أننا أخوة لأهل غزة....

بورك الدم يا غزة....، بورك الدم يا غزة....، بورك الدم...

[email protected]
www.hsntall.jeeran.com

(105)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي