يرى محللون أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يبدي منذ بداية التظاهرات في بلاده ثقة في النفس لا تقبل الشك، مستنداً في ذلك إلى ما يتمتع به من شعبية تأكدت مراراً في الانتخابات منذ 2002، وهو ما يشكل إحدى ميزاته لكنه يعكس أيضاً نوعاً من عزلة السلطة.
وخرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع منددين بالسياسات المحافظة الإسلامية التي يفرضها رئيس الحكومة في بلد يدين معظم سكانه بالإسلام لكن يحكمه منذ نحو قرن نظام علماني.
لكن أردوغان يرى أن المحتجين هم "قلة من الرعاع". وقال الأحد "أنا لست ديكتاتوراً. هذا لا يسري في عروقي".
وتعزز الانتصارات الانتخابية ثقة أردوغان، الرجل السياسي الذي انطلق من الصفر -كان بائع مشروبات في حي كاسيمباسا الشعبي في اسطنبول- وارتقى سلم الحكم حتى أصبح رجل الدولة الأبرز منذ مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.
وقال هيو بوب من مجموعة الأزمات الدولية لفرانس برس "إنه رئيس وزراء انتخبه الشعب بغالبية 50% قبل سنتين فقط. إنه واثق جدا".
ويعتبر هذا الإنجاز كبيراً لا سيما أن أردوغان يمسك بقوة بمقاليد الحكم منذ أكثر من عشر سنوات وقد تحسنت نتائج حزب العدالة والتنمية (الإسلامي المحافظ) في كل انتخابات تشريعية (34% في 2002 و47% في 2007 و50% في 2011).
كما أن بإمكانه الافتخار بأنه نهض بالاقتصاد التركي الذي كان يعاني من أزمات متكررة: وبلغ دخل الفرد في تركيا ثلاثة أضعاف ما كان عليه عندما تولى الحكم.
وقال المحلل السياسي جنكيز اكتر من جامعة بهجسهير في اسطنبول، إن "أردوغان راهن على الاقتصاد لكسب رضى الجماهير، وقد نجح في ذلك لأن مجتمع الاستهلاك في أوجه في تركيا (...) والناس يغتنمون الفرصة ويتهافتون على التبضع فعلا".
وتابع "لكن يبدو أن مقولة "استهلك واسكت" لها حدود، (...) يريدون أيضا حريات".
وأكد بوب أنه "سيكون من الجيد فعلاً أن يبدأ (حواراً) مع قسم كبير من المتظاهرين".
ويصب هذا في مصلحته بالفعل حيث إن الانتخابات الرئاسية مقررة السنة المقبلة ويتوقع أن يترشح اليها. ومن جهة أخرى يأمل رئيس الحكومة بتعديل الدستور لتعزيز صلاحيات الرئيس قبل حلول موعد الاقتراع.
وبعد انطلاقتها من حملة محلية دفاعاً عن حديقة مهددة بمشروع عقاري حكومي قرب ساحة تقسيم في اسطنبول، امتدت حركة الاحتجاج إلى كافة أنحاء البلاد بعد تدخل الشرطة بعنف الجمعة ضد المدافعين عن البيئة.
واجتاحت حشود المتظاهرين من مختلف الاتجاهات ساحات كبرى المدن مرددين "ديكتاتور، استقل!"، بينما تكثفت الصدامات مع الشرطة.
وكثيراً ما اتهم رئيس الوزراء بالتسلط ومحاولة فرض تيار إسلامي محافظ على المجتمع التركي.
وغالباً ما ينتقد المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يحتجون أيضاً على ازدياد عدد الصحافيين المعتقلين، تهجم أردوغان المستمر على وسائل الإعلام وكثرة المحاكمات بتهمة التآمر على الحكومة والتي ألقت في السجون مئات المدنيين المقربين من المعارضة والعسكريين.
وأثار أردوغان (59 عاماً) الممارس لشعائر الإسلام، مجدداً غضب الأوساط الليبرالية قبل 11 يوماً عندما عمد إلى المصادقة على قانون يحد من استهلاك وبيع الكحول -ولم يصادق الرئيس على القانون بعد لكي يدخل حيز التنفيذ-.
وقال قمر قاسم من مركز دراسات "يوساك" ومقره في أنقرة "نتحدث عن حكومة تحكم البلاد منذ 2002 وقد حسنت باستمرار نتائجها الانتخابية. وهذا يؤدي بطبيعة الحال الى إنهاك وإفراط في الثقة في النفس".
لكن أردوغان لن يبقى متجاهلاً ضغط الرأي العام في وقت تجري فيه السلطات التركية مفاوضات سلام دقيقة مع انفصاليي حزب العمال الكردستاني، على ما يرى بوب.
وأكد بوب "أنه رجل براغماتي" يعرف أن إضعاف موقفه قد يعرض للخطر جهوده الرامية إلى وضع حد لثلاثين سنة من النزاع بين الجيش والمتردين الأكراد في جنوب شرق تركيا.
وأضاف أن من شأن تلك الجهود إذا تكللت بالنجاح، أن تؤدي إلى كتابة اسم أردوغان بخط عريض في التاريخ، لا سيما أنه تحمل من أجلها مخاطر سياسية كبيرة.
AFP
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية