لم يكد يتوصل " الائتلاف " إلى حسم مبدئي لمجمل خلافاته المزمنة – ظاهرياً – حتى خرج طاغية دمشق، يسخر من الأفكار المطروحة بشأن مؤتمر جنيف، يقلل من أهميتها وجدواها في التوصل الى حلٍّ تُحقن فيه الدماء. ومن المعارضة السورية التي لا يقيم لها وزناً ولا يعترف حتى بوجودها، وهي خلال مايزيد على 27 شهراً من الثورة لم تستطع أن تفرض وجودها كعامل حاسم، ومرجعية أساسية في الحالة السورية الراهنة.
سخرية الأسد حملت أكثر من مؤشرعلى تأكيد نهج القتل والتدمير بمختلف صنوف الأسلحة بما فيها الكيمياوي، وعلى أن جنيف 2 لن يكون ملزما للنظام إن لم يلبي غاياته. وان وجود قوى القتل الداعمة له هو جزء من معادلة المواجهة مع اسرائيل وعملائها في سورية، مستخدماً تعبير " حرب عالمية " ، إمعاناً في عدم الإعتراف بأن مايقوم به، هو جرائم ممنهجةٌ لخنق الثورة، بمباركة دولية.
مايَمنحُ القاتلَ غيّهُ، هو حال المعارضة السورية المفتت والمشتت، هو الوجه الأعمق لغياب أطر وطنية جامعة للتيارات المناهضة للإستبداد، استطاع نظام البعث-الامني استغلال فوضاها، كي يوطّد حكم القهر والظلم والإقصاء، فيكتب السوريين ملحمة الألم.
واليوم تواصل المعارضة " قيادات ومؤسسات " بشاعة التشرذم المشين، الذي يمنح النظام فرصة الإمعان في ممارسة القمع، وارتكاب المجازر التي تدخل في سياق جرائم الإبادة البشرية المنظمة ضد السوريين. وهي -بشكل أو بآخر- تتحمل جزءاً من مسؤولية إيغال النظام في دمويته، وهي مسؤولة أيضاً عن تدخلات الغرب في حراك الثورة الوطني، بصورة تبدو أقرب لاحتواء مفهوم الثورة ذاته، وإفراغه من بعده الحقيقي. لقد بلغ التدخل صورة مهينة، بسبب من أمرين أساسيين هما ضعف المعارضة، وعدم قدرتها على القيام بمهماتها في الحدّ الأدنى، وانقسامتها المخزية في سعيها للمحاصصة والمغانمة، بدلاً من اختلافها أو توافقها، على رؤيةٍ استراتيجيةٍ للعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة. وما اجتماعات الائتلاف الأخيرة، بمسائله التي عنيّ بها: التوسعة، والحكومة المؤقتة، وجنيف2، هي مثال حيّ على الفوضى التى تحكمه، فيما يتراجع الهمّ الوطني تالياً.
هكذا قيادات ومؤسسات، ثبت أنها لاتمتلك برنامجاً، ولا مقدرةً على الفعل السياسي، أجدر بالسوريين الذين يواجهون القتل والإعتقال والدمار والحرمان، واللجوء والنزوح، أن يخرجوهم من مؤسسات العمل السياسي التمثيلي، وأن تجري عملية اختيار ديمقراطي واسعة، لإئتلاف وطني يستعيد فيه السوريين قرارهم، بمشاركة جميع المكونات بشكل حقيقي، مع استبعاد جميع الأعضاء الحاليين، استبعاداً تاماً نظيرَ إخفاقاتهم الكبرى. إن الضرورة الثورية تقتضي مساءلةً قد حان وقتها.
-كاتب سوري
al.matar60@hotmail.com
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية