مع استلام بشار الأسد الحكم خلفاً لوالده في عام ٢٠٠٠ بعد مهزلة تعديل الدستور، صرت متتبعاً لكل خطاباته وحواراته تقريباً، وكنت أجمعها في ملف خاص، ومن خلال قراءتي لها كلها ومتابعتها تكونت لدي بطريقة ما رؤية عن كيفية تفكير بشار الأسد وما الذي جعل منه دكتاتوراً دموياً يغوص في دماء شعبه إلى هذه الدرجة دون حد أدنى من التفكير العقلاني الذي يحكمه وانتهى به إلى هذا المطاف.
أستطيع القول إن هناك سمتين رئيسيتين تحكمان تفكير وقرارات بشار الأسد الأولى هي العناد، أو ما يطلق عليه بالسياسة الغرور، والثانية عدم قدرته على إدراك أخطائه إلا بوقت متأخر للغاية، وعندها يصبح من المستحيل عليه العودة عنها، هذا فضلاً عن أن هذه السمات تتقاطع مع مبدأ رئيسي لا محيد عنه، وهو قدسية السلطة بالنسبة له فإمكانياته العقلية وقدراته محدودة للغاية، وهو أصلاً لم يكن مؤهلاً كي يكون رئيساً أو قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة وخبرته في هذا الإطار معدومة تماماً، قد تكون سنوات الحكم الاثنتي عشرة صقلت فيه بعض الخصال، لكن من المستحيل أن تساعده على بناء الرؤية الكلية، أو التصور العام لما يجب ان تكون عليه سورية في المستقبل، فكل سياساته وقراراته إنما تؤخذ بناء على رد الفعل من الطرف الآخر الذي هو في خصام دائم معه سواء أكان الشعب أو لبنان أو فرنسا أو أمريكا وغير ذلك.
وهو فضلاً عن كل ذلك يخضع للتأثير الخارجي بشكل كبير، وأحيانا تتحكم بقراراته الكبرى وطريقة تعامله مع الثورة السورية دليل واضح على ذلك.
أراد من البداية ترداد مفهوم "الجماعات المسلحة" و"المؤامرة الكونية" حتى يبعد النظر عن حقيقة المظاهرات السلمية التي بدأت تخرج وبقوة في كل المدن السورية تقريباً وبدون استثناء، بدا الحل بالنسبة له أمنياً منذ اللحظة الأولى وهو قمع المتظاهرين عبر القتل المباشر، من خلال إطلاق النار عليهم ولو كلّف ذلك أرواح العشرات من السوريين يومياً، فالبنسبة له هذه هي الطريقة الوحيدة لردع الناس عن الخروج في المظاهرات طبعاً دون أن يكترث بمبدأ مسؤولية الدولة في حماية المواطنين أو محاسبة المسؤولين عن قتل كل هؤلاء المواطنين الأبرياء، استمرت المظاهرات واشتدت قوة ولم تردعها سياسة القتل لكنه أصر على اتباع السياسة ذاتها وغمض عينيه عن كل الانتقادات والقرارات الدولية والعربية، انتقلت الثورة إلى مرحلة أخرى، وحلفاؤه ينقصون يوماً بعد يوم فقرر التصعيد العسكري وتوريط الجيش بكل ثقله، انكشف الجيش النظامي وانشق أكثر من نصف عدده لكنه اتبع سياسة طائفية في الاعتماد على طائفته مهما كلفها ذلك من ثمن، ثم الاعتماد على حزب الله بسبب نقص الموارد البشرية لديه دون إدراك أنه يضع سورية على حافة حرب أهلية مذهبية لا حدود لها، لكن العودة بالنسبة له مستحيلة وهكذا يخرج الأسد من خطأ إلى آخر ويستمر في العيش في وهمه الخيالي في أنه يمكنه قمع ثورة شعبية والقضاء عليها باستخدام كل الترسانة العسكرية التي طورتها سورية على مدى أربعين عاماً، وسيستمر في ارتكاب الأخطاء إلى أن يخرجه أحد الأشخاص من بوتقة وهمه بالقوة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية