لم يعد بشار الأسد قادرا على استعادة السيطرة الكاملة على بلده المنكوب، ولا يتمتع معارضوه بالقوة الكافية للإطاحة به؛ مما قد يبقي سوريا في أتون حرب أهلية طائفية لأشهر وربما لسنوات.
وقد حقق بشار الأسد بعض الانتصارات العسكرية في الأسابيع الماضية بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس متحديا الكثير من معارضيه، غير أن الآراء القائلة بأن حكومته قد تلحق الهزيمة التامة بمعارضيها المختلفين، يعكس عدم فهم أصحابها لطبيعة الحرب أو الأعداد الكبيرة للقوات المشاركة فيها.
بيتر هارلينج، مدير مشروع بمجموعة الأزمات الدولية، قال: في ضوء الوضع الراهن لا يستطيع النظام استعادة السيطرة ولا المصالحة ولا الإصلاح ولا إعادة البناء".
وتابع: لكن الفوز يتمثل في البقاء على قيد الحياة ليوم آخر، وإذا فكرت بهذا المنطق ستجد أنه (الأسد) كذلك.
وفي ديسمبر كانون الأول صرحت وكالة المخابرات الخارجية الألمانية بأن حكومة الأسد تبدو "في مراحلها الأخيرة" مستشهدة بما فقدته من سيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، وإشارات تعكس تنسيق مقاتلي المعارضة فيما بينهم بشكل أفضل.
وقال مصدر أمني في برلين إن وكالة المخابرات لم تلبث سوى 5 أشهر حتى غيرت تقييمها للوضع في سوريا.
وتعتقد ألمانيا الآن أن المعارضة هي التي تواجه صعوبات خطيرة، إذ تعيقها الصراعات الداخلية، واضطرت إلى التراجع بعد وصول مسلحي حزب الله اللبناني المدربين تدريبا عاليا والذين شاركوا في الحرب من أجل بقاء الأسد.
ورغم ذلك نفى مسؤول كبير في إسرائيل الفكرة القائلة بأن الأسد بدأ عملية كبيرة لاسترداد سلطانه وأن بإمكانه استعادة السيطرة الكاملة على بلاده.
وتتميز إسرائيل بأن لديها بعضا من أفضل معلومات المخابرات بشأن سوريا.
وقال المسؤول الكبير: إنه وضع متقلب ولكن بمضي الوقت تجد أن قوة الأسد تتضاءل، معتبرا أن المكاسب التي حققها بشار في الآونة الأخيرة قد يصعب الحفاظ عليها.
وتابع: من الممكن أن تتغير جميع الأمور في الغد.
ويظهر التاريخ أن معظم الحروب الأهلية لا تنتهي سريعا، ولا يغلب عليها الانتهاء بالتوصل إلى تسويات عن طريق التفاوض، وكلما طال أمدها ازدادت صعوبة نزع سلاح الجماعات المشاركة فيها، وحل أزمات اللاجئين الحتمية التي تستتبعها.
ودخلت الأزمة السورية الآن عامها الثالث، حيث أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 80 ألف شخص ونزوح ما يربو على 1.6 مليون آخرين إلى الخارج.
ورغم القلق الكبير الذي يساور الغرب يبدو أن أعمال العنف وإراقة الدماء ستستمر لفترة أطول، حيث تقول "باربرا والتر" الأستاذة بجامعة كاليفورنيا إن الحروب الأهلية التي دارت منذ عام 1945 استمرت عشر سنوات في المتوسط.
وبدأ بعض المحللين في المقارنة بين الحرب السورية والحرب الأهلية في لبنان التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
والتر التي كتبت كثيرا عن الحروب الأهلية في العالم، أوضحت:"نعم ستستمر الحرب السورية لعدة سنوات... ولن ينتصر الأسد".
وفي ظاهر الأمر يبدو موقف الأسد مشجعا لحلفائه.
فمقاتلو المعارضة لم يتمكنوا إلا من السيطرة على واحدة فقط من عواصم المحافظات الأربع عشرة في سوريا وهي مدينة الرقة في شمال شرق البلاد.
واستخدمت قوات الأسد أساليب جديدة، حيث تشارك الميليشيات غير النظامية المدربة على حرب المدن في القتال، بينما يركز الجيش قوته العسكرية الكبيرة في المناطق الرئيسية.
وقال أحد الثوار في مدينة حمص طلب عدم ذكر اسمه: قبل ذلك كان هناك صاروخ يسقط كل عشر دقائق. لكن استراتيجيتهم الجديدة تتمثل في ضربنا بعشرة صواريخ كل 15 ثانية. لا نستطيع التحرك سريعا بالقدر الكافي للرد".
وثمة دعم آخر كبير من مليشيا حزب الله التي أعلنت التزام قواتها بمحاربة الثوار، الذين يفتقرون إلى الأسلحة الثقيلة.
ورغم تحسن التوقعات بخصوص بشار، فإن آليات الحرب الأهلية تجعل من الصعب تحديد الطرف القادر على الانتصار.
جوناثان إيال رئيس قسم الدراسات الدولية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، قال: لا أذكر حربا أهلية واحدة استمرت أكثر من عامين وانتهت باستعادة الحكومة المركزية سيطرتها الكاملة.
وتظهر أنماط جديدة من القوة في الوقت الذي تتمزق فيها أوصال سوريا وتنهار مؤسسات الدولة واقتصادها.
ويشير التدفق الهائل للأسلحة أن الأمر قد يستغرق عقودا لاستعادة النظام.
وقال إيال: حتى وإن تم القضاء على المعارضة، فإن التخلي عنها لن يصب في مصلحة معظم الدول العربية؛ لأنها تريد أن يكون لديها أداة لتواصل الضغط على الأسد وإيران.
وفي ظل غياب التدخل الخارجي الحاسم لصالح المعارضة، والذي لم يبد الغرب رغبة في القيام به، يشير معارضو الأسد إلى عاملين محتملين قد يؤديان إلى سقوطه وهما الانهيار الاقتصادي التام أو الانقلاب العسكري.
ولكن ليس بالضرورة أن ينهي أيا من هذين العاملين القتال الدائر في البلاد.
ولعل أفضل ما يتمناه العالم في المستقبل القريب هو انحسار حدة الصراع الذي يقول الأكاديمي الأمريكي جيمس فيرون إنه أحد أشرس الحروب الأهلية التي وقعت في الأعوام الستين الماضية فيما يتعلق بعدد القتلى.
وقال فيرون أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد من الناحية العملية يصعب على الجانبين تحمل هذا المستوى من العنف لفترة طويلة.
وأضاف: حتى إن تراجعت حدة القتال كثيرا فإن احتمالات استمرار أعمال العنف في سوريا لأعوام بمستويات أقل ولكن خطيرة، هي حتما احتمالات عالية للغاية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية