لم يكن نصر الله مخطئاً عندما قال إن النظام كان يريد الإصلاح لكن المعارضة رفضت ، بل كان كاذباً لأنه يعلم علم اليقين أن النظام هو من رد على الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والإصلاح ، رد عليها بالقمع وبالحديد والنار ،ثم من هي تلك المعارضة التي رفضت نية النظام لإجراء اصلاحات ، أليست هي التي يقول عنها نصر الله ذاته إنها لا تملك تأثير على مسار الاحداث فلماذا إذا يربط النظام تنفيذ اصلاحاته المزعومة برفض أو قبول جهة لا تمثل شيئاً طالما أن هذه الاصلاحات هي مطلب شعبي صريح ؟! الجواب بسيط وهو أن الجهة التي كان من الممكن أن ترفض أو تقبل هي الجهة التي خرجت إلى الشارع وطالبت بالحرية والكرامة وهذه الجهة أي الجماهير ، هذه الجهة لم يتعامل معها النظام إلا بالاعتقال والتشريد والتصفية
لم يكن نصر الله مخطئاً عندما قال إن النظام قام بإصلاحات جدية لكن المعارضة رفضتها بل كان كاذباً ، لأنه يعلم أن إلغاء قانون الطوارئ استبدل بقانون الارهاب وبتعديل قوانين أصول المحاكمات التي أتاح لأجهزة الأمن الاعتقال المفتوح لكل من تريد وأن تقوم بالتحقيق دون إشراف قضائي ، ,ان الدستور الذي أقر على أنه قمة الاصلاح كان تكريساً لديكتاتورية فردية لرئيس النظام بدلا من الديكتاتورية الاسمية لحزب البعث ، وقد كانت حصيلة هذه الاصلاحات في الاشهر الأولى التي يعترف نصر الله كما اعترف من قبله رئيس النظام بأنها كانت مجرد احتجاجات ومظاهرات سلمية ، كانت حصيلتها خمسة آلاف قتيل من المدنيين
نصر الله يقول إنه يقاتل حلفاً مؤلفاً من المحور الأمريكي الإسرائيلي مع التكفيريين ، وهو يعلم أنه كاذب بهذا التوصيف والدليل أن محلليه السياسيين وشبيحته الاعلاميين بدءاً من ناصر قنديل ومروراً بوئام وهاب ومحرري جريدة الأخبار والسفير ومحطة الجديد ومحطة ميشيل عون وشبيحته وليس انتهاءً برفيق نصر الله وفيصل عبد الساتر وكذلك دبلوماسيي النظام وشبيحته الاعلاميين كل هؤلاء يركزون على تظهير وتضخيم صورة التكفيريين في المشهد السوري داعين الغرب بل متوسلين الغرب أن يعود وينصب نظام الأسد محارباً للإرهاب والتكفيريين الذين يخاف منهم الغرب هذا ، فكيف لنصر الله أن يقنعنا بهذا التحالف بين الغرب والإرهابيين ؟! ثم يعود ليستشهد بحركة طالبان مثالا للإرهاب والتكفيريين وينسى أنه أكد لنا قبل لحظات في كلامه أن أمريكا التي تحارب حركة طالبان متحالفة مع التكفيريين
يقول نصر الله أنه لا يمكن أن يكون في صف نابشي القبور وشاقي الصدور ، وكل حر شريف ذي حس إنساني لا يستطيع إلا أن يكون معه في ذلك ويرى في نبش القبور والتمثيل بالجثث وشق الصدور عملاً بهائمياً مقززاً وفيه تحد للمشاعر الإنسانية النبيلة ، لكن لنا الحق أيضاً أن نسأله كيف سمحت لك مشاعرك الحساسة أن تكون في صف داعسي أجساد الأحياء ، وفي صف من يسحلون رجلاً في الشارع ثم يساومونه على عرض زوجته كي يسمحوا له بوداع أطفاله ، كيف لم تهتز مشاعرك إن كانت موجودة أصلاً لمشهد جنود يتلذذون بقتل شبان قتلاً بطيئاً عبر تشطيبهم بالسكاكين بطعنات لا تؤدي للموت بل للتعذيب ثم يحطمون رؤوسهم بالحجارة ، أم أن عيونك لا ترى وإن رأت لا تحس ولا تشعر ؟؟ مرة ثانية إنه الكذب بل العهر
لا يوجد شخص ديمقراطي مدني إلا ويوافق نصر الله على ما قاله عن عقلية التكفيريين ، ونحن نخشى على سورية منهم خشية حقيقية لا خشية نصر الله المخادعة التي دعا بموجبها خصومه اللبنانيين للتقاتل في سوريا وجعلها ساحة حرب غير عابئ بدمارها وقتل وتشريد شعبها ، لكن نسأله مجدداً ، بماذا تختلف أنت عن هؤلاء التكفيريين إلا بالتكتيك وبالتقية السياسية ؟ ألم تقل أن هدفك هو أن يكون لبنان جزءاً من الجمهورية الاسلامية التي يقودها صاحب الزمان ونائبه الولي الفقيه ، وأضفت وهو الأهم أن التصريحات السياسية والمواقف السياسية التي تغاير ذلك لا معنى ولا قيمة لها ؟؟؟ لنسأل نصر الله أن يجد لنا شخصاً واحداً من أعضاء حزب تودة ( الحزب الشيوعي الايراني ) الحزب الذي ساهم في الثورة الايرانية تحت راية الخميني ليكون أول ضحايا بطشه وبطش دولته الديمقراطية جدا ؟ ألم تصفَ وتشرد حركة مجاهدي خلق لمجرد أنه صوتت بلا في الاستفتاء على دستور الجمهورية الاسلامية في إيران ؟ إن حسن نصر الله سيعيش ويموت ويبعث حياً ويداه ملطختان بدماء المفكر الكبير الثمانيي حسين مروة ودماء مهدي عامل الذي دفع حياته ثمناً لتأبينه حسين مروة قائلاً ( قتلوك لأنك شيوعي شيعي ) ، ودماء عشرات الكوادر من المقاومة الوطنية ضد اسرائيل في لبنان من أجل أن يهيئ الجو لإنشاء مقاومتك المذهبية تمهيدا لوضع اليد على لبنان كل لبنان ،؟؟؟ الفرق بين قاعدة الظواهري وقاعدة نصر الله هو أن الأولى تقول ما تفكر به والثانية تنطق بغير ما تفكر
حسن نصر الله لم يكن مخطئاً عندما اعتبر أن من في القصير ليسوا إلا مجموعات إرهابية تكفيرية ، بل هو يكذب لأنه يعلم أن في القصير عشرات الآلاف من المدنيين ، وهو الذي أقام الدنيا ولم يقعدها تباكياً على مدني الجنوب في حرب تموز ... وهل المطلوب أن يكون العدو التاريخي للأمة أرحم على المدنيين من نظام يدعي تمثيلهم والدفاع عنهم ومن مدعي المقاومة ومدعي الدفاع عن مستقبل الأمة ؟
حسن نصر الله بكلامه عن تدخله في سوريا حماية لظهر المقاومة ، إنما يعلن بذلك دولته القائمة واقعياً دون إعلان ، ويتكلم بلغة الاستكبار الذي طالما صدع رؤوسنا مع أولياء أمره في طهران بمقولة محاربة الاستكبار العالمي ، فها هو يتحدث عن مجال حيوي ومصالح استراتيجية تبرر له التدخل في أراضي الغير وقتل الشعوب وتصنيفها وفقاً لهواه ومصالح دولته ، فهل نلوم بعد ذلك الدول العظمى إن تدخلت في بلدان العالم حماية لمصالحها ومجالها الحيوي الذي تفصله على مقاساتها كما فصل نصر الله مجاله الحيوي على مقاسه هو ؟!! بإعلانه الدولة الدويلة أعلن نصر الله انتهاكه لسيادة الدولة اللبنانية التي لم يعترف بها يوماً وأعلن انتهاك السيادة السورية بتدخله في صراع سوري داخلي بقرار يصدره هو ويبرره هو ويقرر توقيته هو ، فحتى الدول الكبرى الاستعمارية عندما تتدخل في دولة ما ذات سيادة تحاول أن تغطي ذلك بطلب ولو شكلي من الدولة المعنية ، هكذا فعل الاتحاد السوفييتي في افغانستان وهكذا فعلت أمريكا في كوريا ( قرار دولي ) وهكذا فعلت فرنسا في تشاد ومالي ، لكن نصر الله تصرف بعنجهية وغطرسة لم تسمح له بالتواضع والإعلان ولو صورياً بأن تدخله جاء بناء على طلب من حليفه ، بل هو من قرر ووفقاً لتبريراته الخاصة ، ودفاعاً عن مصالح دويلته ومجالها الحيوي !!
ما أعلنه نصر الله من الاعتراف بالتدخل في سوريا قد أرَخ لمرحلة جديدة من تدويل الأزمة السورية ودخول إيران العلني والعسكري المباشر فيها مع ما يستجره ذلك من قتل ودمار في سوريا واستدعاء لتدخل علني ومباشر لقوى إقليمية ودولية أخرى ، وهو ما يذكر بحروب الوكالة أيام الحرب الباردة ، كما أرسل الاتحاد السوفييتي القوات الكوبية لتقاتل في أنغولا نيابة عن حلف وارسو وذهاب القوات الفرنسية لتقاتل في تشاد نيابة عن الغرب ، ولا تفسَر التغطية الروسية لهذا التدخل الايراني السافر ، إلا أنها تشتري بالدم السوري تثبيت نفوذها ووجودها على الساحة الدولية ، هذا الموقف الروسي الدنئ الذي كان واضحاً لكل من أراد أن يفهم أنهم لايبحثون إلا عن النفوذ مثلهم مثل أي دولة امبريالية أخرى ، وهم لم يفعلوا شيئاً سوى إطالة الأزمة السورية وفتح الأبواب الخلفية للتدخل الخارجي فيها ، هذا التدخل الذي يدَعون أنهم منعوه ، واليوم يغطون تدخلاً صريحاً من أوسع الأبواب
لا شك أن برقيات تهنئة كثيرة ستصل لنصر الله إن حدثت المعجزة وانتصر على الشعب السوري ، وتحقق له دمار سوريا وتشريد شعبها ، لا أحد يتوقع من أين ستكون كل هذه البرقيات لكن الأكيد الأكيد أن إحداها ستكون من حكومة العدو الاسرائيلي الذي يدعي مقاومته ، لأنهم وقتها سيكونون بغاية السعادة والنشوة بعد أن حقق لهم جندي ولاية الفقيه ما يحلمون به ولم يستطيعوا تحقيقه بقواهم الذاتية
المقدمات الكاذبة تؤدي لنتائج كاذبة نصر الله يعلن دولته ... فرحان الأسمر

فرحان الأسمر
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية