في الكواليس معركة أخرى، لا تقل تفاصيلها أهمية عن المعركة على الأرض، إلا أن تفاصيل تلك المعركة تبدو أكثر تعقيدا، وتضيف مؤشرا جديدا على أن ما يجري في سوريا هو بداية اشتعال "زنار النار".
التطورات السياسية والميدانية تعطي سوريا في هذه الفترة صفة "سرة العالم" لكن هذا لا يلغي بالضرورة أن المنطقة برمتها باتت ضمن الزنار الملتهب، والثابت أن هناك تحولا في استراتيجيات التعاطي مع الملف استدعت إعادة ترتيب الملفات.
عملية توسيع الإئتلاف وضخ دم جديد لا تفسر تصريحات الغرب ومنها واشنطن بأنها تضغط للذهاب بالمعارضة إلى جنيف2، إذ ثمة ما يشير إلى قرب التوصل إلى فكفكة الالتباس فيما يخص الموقف من الصراع الدائر في سوريا بعد نحو 27 شهرا من انطلاق الثورة.
ما جرى مؤخرا يشير بوضوح إلى أن إعلان انخراط إيران وحزب الله بشكل عملي يأتي بعد قصف إسرائيل مطلع أيار – مايو الجاري مواقع استراتيجية في دمشق ومحيطها فيما قالت الأخيرة إن الهدف كان منظومات صواريح كانت متجهة إلى حزب الله، وهي ليست المرة الأولى حيث قصفت إسرائيل قبلها بفترة موقع جمرايا قرب دمشق.
إذا إسرائيل ليست معنية بتنحية الأسد كما تصرح وهو ما يثبته القصف الذي لا يبعد من قصره أو مكان تواجده مئات الأمتار، فالمعركة - هنا - ببعدها الحقيقي مقدمة لقصف إيراني إسرائيلي متبادل على الأراضي السورية، وإن كان حزب الله يحاول التقدم في القصير فهو نوع من التعويض عن وخلط الأوراق لإظهار دخول فعلي تنتج عنه لاحقا قواعد اشتباك جديدة.
الأوروبيون وواشنطن يردون في غير مكان وإقرار الكونغرس الموافقة على تسليح الثوار واقتراب الأوروبيين من إصدار قرار مماثل هي عملية منسقة هدفها سياسي استراتيجي، وهو خطوة متقدمة لملاقاة أي تقدم فعلي لحزب الله وقوات النظام على الأرض.
مؤتمر جنيف2 سيكون إعلانا لتحول جديد في الصراع ببعده الحقيقي وإن كان الهدف المعلن هو الانتقال العملي إلى الحل السياسي، فالروس والأمريكيون انكشفوا على بعضهم البعض والفرق هو أن الإدارة الأمريكية محرجة من حلفائها في المنطقة فيما الروس حددوا لأنفسهم مساراً واضحا خصوصا وأنهم يديرون المعركة السياسية بأنفسهم.
خلال الأسابيع الأخيرة حصلت تطورات ملفتة على المستوى الإقليمي أهمها اكتشاف خلايا تجسس إيرانية في الخليج وإفشال عملية تخريب الكترونية لبيانات وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية من قبل إيران، وتم ضبط سيارات محملة بالصواريخ والأسلحة على الحدود المصرية الليبية كانت وراءها جهات تنتمي إلى أجهزة الاستخبارات السورية والإيرانية، كما جرى تفجير سيارتين مفخختين في الريحانية بتركيا، وعلى الجهة الشرقية من سوريا هناك ساحة مشتعلة في العراق، ومع تهديدات الأسد وسفيره في عمان للأردن واضطرابات طرابلس اللبنانية، يبدو أن المشهد الإقليمي يزداد تعقيدا إذا ما نظرنا أيضا إلى الساحة الداخلية في إيران مع استبعاد رفسنجاني من انتخابات الرئاسة، وكذلك تطور انتقال مسلحي pkk من الأراضي التركية إلى شمال العراق باتفاق مع زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان.
لعل تحولات الوضع الإقليمي والدولي غالبا ما تفرض ظروفا أمنية هشّة تبرر مستوى القلق الدولي من توسع رقعة الصراع، وهنا ينبغي التمييز بين موقف إدارة بوتين التي ترى في هشاشة الوضع فرصة لإظهار ضعف إدارة أوباما واستعادة موقع موسكو حتى على حساب إضعاف وخلخلة أمن المنطقة والعالم، ويبدو ان الغرب يستوعب تماما طموحات روسيا مما يعني أن سقف التفاوض سيرتفع وسيكون أكثر تداخلا وتعقيدا.
أمام ما سبق تبقى عقدة إسرائيل التي لن تنتبه إلى طبيعة الصراع الدولي خصوصا وأنها تختلف مع واشنطن بشأن ملف إيران النووي ما قد يدفعها للتعويض عبر ضرب أدواته في المنطقة من خلال ترك حزب الله ينخرط في حرب مع الثوار في سوريا حتى آخر نقطة دم مع إشعال الساحة اللبنانية والاستثمار في شيطنة الحزب بعد انكشافه أمام شعوب المنطقة، ومع هذا فإن إسرائيل كشفت عبر رئيس حكومتها نتنياهو أنها ماضية في توجيه ضربات لما قالت إنه سلاح استراتيجي يهربه نظام الأسد إلى حزب الله.
ومع مخاطر اشتداد الصراع لا تستبعد أوساط المراقبين "خيار شمشون" من قبل نظام الأسد اليائس وحزب الله إذا فشلت روسيا في إخضاع الغرب.
عواصم القرار تبحث هذه الأيام عن وصفة للحلحلة على مستوى المنطقة، وقد تتجاهل الوضع الإنساني واتساع رقعة الدم، وهذا يعني بالضرورة أن على الثوار في سوريا إبقاء أصابعهم على الزناد لأن تراجعهم سيدفع الغرب للتضحية بالثورة لصالح استقرار المنطقة وهو ما تخشاه دول الخليج بالدرجة الأولى، فإيران ستكون الكاسب الأكبر، وسيتم تعميدها كشرطي في المنطقة وقد تستغني عن حزب الله مقابل هذا.
(كاتب وإعلامي سوري)
جنيف2 .. لا حلحلة بل قواعد اشتباك جديدة ... علي عيد

علي عيد
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية