أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

اطمئنوا...القصف من العدو ... عامر محمد


الثانية بعد منتصف الليل لا شيء يوحي بأن خطباً ما سيقع، كل شي هادئ الآن، طفلان أجبرا على النوم منذ ساعتين، والبلدة الريفية تحاول النوم من دون ضوضاء هذا اليوم، هي لحظات وخرج الصوت، أول ما سمعه أزيز الزجاج في لحظاته الأولى قبل إكتمال الإنفجار، البيت يرتج والصوت لا يزال يدوي، ظن للحظة أن قذيفة هاون ضربت البناء، أسرع الجميع إلى غرفة الأطفال في الجهة الغربية للمنزل، الزجاج المنفجرغطى السرير هنا، قبل أن يصل إلى محمد، دوى الصوت من جديد محطماً ما تبقى من زجاج، ومنهياً جلّد أمه التي لم تعد قادرة على الوقوف، إلى حمام المنزل توجه الجميع، الصوت غير مفهوم ومرعب إلى درجات لم تحملها سنتان من الحرب في البلاد.

أسرع إلى النافذة لا دخان في الأجواء القريبة، لا علامات قصف أو مدفعية على البلدة، في الأفق شاهد ناراً كبيرة ومستمرة، يتكهن هل هذا وادي بردى؟ تضيئ السماء فجأة، ويدوي الصوت الثالث هادراً وحاملاً معه ضغطاً هائلاً، تفقد النافذة ما تبقى من زجاج وتخرج قليلاً من مكانها في الجدار، صرخات النساء في الحي لم تعد تطاق يصاحبها أنين بكاء من هم في حمام المنزل..

يسرع إلى أمه في الحمام وقبل أن يصل تغرق البلدة كاملة في الظلام، قطع التيار الكهربائي، ليجعل الحدث غامضاً أكثر، باب المنزل مفتوح على مصراعيه، في الحمام أمه تخفي خوفها مع شقيقته التي تحتضن ابنها ذو الثلاثة أعوام، الطفل بلا ملامح، نظرة غريبة على وجهه نظرة أقرب إلى اللاشيئ، لا تعبير على هذه الوجه الجميل سوى نظرة جافلة، يترك الحمام ويتوجه إلى النافذة المطلة على البلدة الغارقة في الظلام، أصوات سكان البناء المقابل وهم يدلفون جميعاً إلى القبو تشير إلى خطب جلل، على الجيران يقول له رجل في دلالة على أن القصف الآن على البلدة المجاورة، لكن هذا ليس بأكيد، هذا صوت عظيم لم يُسمع مثله قبل الآن، تلمع السماء ،أكسبته خبرة الربع ساعة الأخيرة أن ضوأً عظيماً يسبق الصوت الأعظم، يصرخ إلى الملتجئين في الحمام أن لا تخشوا شيئاً سيخرج صوت الآن، قبل أن يكمل ترتج الأرض ويهدر الصوت كغول فتح ثغره من السماء....

يعود للحمام أمه ترتل القرآن وتحضن حفيدتها، فيما تحضن أخته طفلها وتستند رأسها على الجدار وتبكي بحرقة، وتسأله أين سأذهب الآن؟ فهذا نزوحها الثالث داخل العاصمة، يطمئنها، هذا قصف إسرائيلي، ويستغرب من نفسه ومنها، ألم يجد أمراً آخريقوله لكي تطمئن! لكنها أطمئنت فعلاً !! وتستنتج الشقيقة: لن تضرب اسرائيل المدنيين، يعود الهاتف للرنين، ماذا يحدث؟ يسأل جاره الأب لأربعة أطفال والقادم من درايا إلى البلدة الريفية، يخبره أنه لم يعلم بعد لكن الصوت ذاته يسمع حتى في دمشق وفي نفس اللحظة، يقول الجار لجاره أنهم جميعاً الآن في الحمام، تقطع أمه ترتيل القرآن وتخبره عن جارتهم التي تسكن وحيدة، أن يتصل بها ليطمئنوا عليها، الجارة لا تجيب، أصوات الرصاص تتعالى، معها أصوات قذائف الهاون المتطايرة ولا يعلمون من أين وإلى أين، يعود إلى النافذه لعل المشهد يحمل خبراً ما، لاحظ الآن أن حريقاً كبيراً تطايرت ألسنته في السماء، ليس وادي بردى وليست الهامة، تبرق السماء من جديد بذات لمعانها قبل الصوت العظيم، يحتمي بالجدار ويضع كل طمأنينة العالم بصوته قبل أن يقول لمن هم في حمام المنزل، إن الصوت سيعود من جديد، يضرب الصوت فترتج المدينة، قسماً إنها اسرائيل، يقول مبتسماً! لماذا ابتسم!! يحدث نفسه: من أين أتت هذه البسمة الغريبة عن الجو العام؟؟ فيما تسأله أمه إذا كانت إسرائيل هل ستضرب القصر؟ يعلوا صوت الرصاص في أركان البلدة، يفرح البالغون الثلاثة سراً بفكرة أن إسرائيل قد تضرب القصر الرئاسي....

يرن الهاتف من جديد، الجار الهارب من درايا، الخبر أكيد: إسرائيل تقصف الآن، يشعل سيجارة ويجلس في الحمام، ويراقب وجه الطفل الذي لا يزال بلا ملامح أو تعابير في زاوية الحمام ، يداعبه ويخرج له لسانه يبتسم الطفل الذي كان قد لوث نفسه من الضربة الأولى، وتسامح الجميع مع الرائحة كُرمى للرعب الذي بات يومياً، هنا تطلب منه الأم أن يترك عمله المشبوه مع النظام، يهددها هو بالجوع من دون راتب، تعبر أخته عن ارتياحها لأن القصف إسرائيلي، تعود أمه للدعاء، يضرب الصوت من الجديد، يرتج كل شيئ، ليقول الطفل الذي فقد الملامح طوال ساعتين: "شو حلو هون زكرني ببيتنا بجوبر".

..

(117)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي