أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

علم الترجمة ... د. نزيه بريك

علم الترجمة
الكثير من المفردات والعبارات وفي كل اللغات تنطوي على اكثر من معنى أو تفسير، ومن هنا فإن امتلاك المفردة أو العبارة لأكثر من معنى، له اهمية بالغة في علم الترجمة. إن فهم المعنى الخطأ للمفردة في ترجمة الأدب قد يُفقد النص محتواه أو رسالته، وفي السياسة قد تؤدي الترجمة الخطأ إلى كارثة. أكبر مثال في السياسة عندما اصدر ترومان وغيره من زعماء الحلفاء اعلان بوتسدام الذي يحدد شروط استسلام اليابان وتم تقديمه كبلاغ نهائي. وفي ردة فعل الحكومة اليابانية على اعلان بوتسدام، استعملت عبارة "موكوساتسو" ، هذه العبارة ثنائية المعنى، واحد بمعنى "لا تعليق" والآخر بمعنى "القتل الصامت" ، فأخذ الأمريكان المعنى الثاني واعتبروه رفض اليابان لإعلان بوتسدام. اقلعت الطائرات الأمريكية باتجاه اليابان، وكانت اسرع من وسائل الإعلام اليابانية، التي نشرت أن الحكومة اليابانية قصدت بعبارة "موكوساتسو" "عدم التعليق بانتظار توضيح الأمر"، وألقت أمريكا بقنابلها الذرية على مدينتي هوروشيما وناغازاكي، ووصل عدد ضحايا هذه الجريمة إلى ما يقارب 240.000 قتيل. لكن على ما يبدو أن ترومان أخذ بالمعنى الثاني عمداً، لأنه أراد أن يُفرغ حقده على اليابانيين - بعد الضربة المدمرة والموجعة على ميناء بيرل هربيل- ، وبالتالي الحاق اليابان هزيمة تكون الضربة القاتلة، عن طريق الحاق الدمار وزرع الخوف داخل الشعب الياباني، ومن ثم ارغامها على الاستسلام، وهكذا تتفرد امريكا بالسيطرة على منطقة المحيط الهادي.
عندما قررت سفينة الثورة السورية مغادرة ميناء القمع والاستبداد والابحار في محيط الكرامة والحرية ،ورغم أن هذه العبارة احادية المعنى، لكنها في قاموس النظام الأسدي جاءت ثنائية المعنى، وهو النظام المبدع في فن خلق مصطلحات جديدة على اللغة العربية في علم المقاومة والمؤامرة، ففسر عبارة الحرية والكرامة "بالإرهاب والمؤمرة الكونية"، ولم يأبه للحقيقة بأن المطالبة بالحرية والكرامة لا تنمو إلا في تربة الذل والقمع والإهانة للكرامة الإنسانية. هذا النظام الذي مارس القتل الصامت "موكوساتسو" طوال اربعة عقود على الشعب السوري، وبقي الشعب كل هذه الفترة وبفضل اجهزة القمع الشرسة محاصراُ في دائرة ال " لا تعليق" "موكوساتسو" على بطش النظام . حين أصرَّ الشعب الخروج من الدائرة الذي وضعه بها بقوة الحذاء العسكري والمخابراتي، قرر النظام وعصابته تلقين الشعب السوري درساً تاريخياً ، فألقى بأسلوب القتل الصامت والمخفي للشعب جانباً، واعتمد القتل العلني ( (life، وراح يحرق الأخضر واليابس، يدمر المدن السورية فوق ساكنيها ، يزرع الذعر ويهجر الشعب، ليتلقفهم الجوع والذل والبرد في المخيمات.
ما اشبه المدن السورية بهيروشيما وناغازاكي ومدن المانيا في الحرب العالمية الثانية. قد يفوق عدد ضحايا عصابة الأسد من الشعب السوري ، عدد ضحايا القنابل الامريكية على اليابان، لكنه يتناسى هذا النظام وعصابته أن امريكا التي ربحت الحرب على اليابان وفرضت سيطرتها المطلقة على مناطق النفوذ في المحيط الهادي، هي نفسها اميركا وبعظمتها العسكرية، قد خسرت حربها مع فيتنام، ورغم كل الدمار الذي الحقته في هذا البلد وهرب السفير الأمريكي على متن مروحية، وكان مذعوراً لدرجة أنه لم يتمكن من التقاط حذائه الذي سقط منه وهو يصعد الى المروحية.
الشعب السوري قرر الخروج من حلقة "الموت الصامت" ولا عودة في ذلك، ومصير النظام وعصابته سيكون كحال ذاك السفير الأمريكي. 


كاتب من الجولان السوري المحتل

(142)    هل أعجبتك المقالة (136)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي