حين نشر الروائي التركي عزيز نيسين قصته القصيرة " مأدبة بمناسبة تركيب المرجل" قبضت عليه السلطات التركية، وفي التحقيق سألوه كيف تؤلف قصصك الساخرة، فقال أنا لا أؤلف بل أكتب قصص الناس، فسأله ضابط يبدو ان له اهتماما بالأدب ، قل ياسيد نيسين: إذا كنت صادقا فهل تؤكد لنا أن قصة "مأدبة بمناسبة تركيب المرجل" هي قصة حدثت فعلا ، قال نيسين القصة وقعت وتقع كل يوم ، أما أنا فيقتصر دوري على صياغة القصة بإسلوبي .
تحدثت هذه القصة عن رجل كل مهنته أنه ثرثار، إذا تكلم تحتاج إلى كتيبة صاعقة لإيقافه عن الكلام، لذلك يدعونه في المناسبات لإلقاء خطب على الجمهور، وما إن يبدأ "أخواتي إخواني" حتى تعم السكينة والهدوء، ويحوم فوق رؤس الناس طائر الصمت فلو ألقيت إبرة وسط هذا الحشد لسمعت رنينها على البلاط " رن رن رن "ثم خذ منه ماتشتهي وما لا تشتهي من كلام، حتى لو كان لايعرف ماهي المناسبة فهو قادر على اختلاق خطبة من لاشئ، وحين سأله أحدهم ذات يوم كيف تفعل ذلك يابيك ، أجاب الكلام ليس له ثمن، فلا أحد يطالبك بدفع ثمن كل كلمة تقولها.
الكلام له ثمن عند الشعوب المحترمة ، اماعندنا فبإمكانك أن تتكئ على جنبك الأيمن وتثرثر كما تشاء حتى لو كنت في جلسة عمل رسمية؟
تذكرت قصة عزيز نيسين وانا استمع لخطبة الوغد عمران الزعبي وهو يتهم ويهدد ويتوعد، ومما قاله هذا المعتوه أن سماء سورية ليست للنزهة .. ياسلام .. وأن ارض سورية ليست للنزهة .... جيشنا الباسل وشعبنا يعرف كيف يدافع عن سوريا .. إحم إحم ، الجولان أرضنا ويحق لسوريا ان يتصرف في الجولان كالمالك لأرضه ،" أكيد " سندخل ونخرج إلى الجولان كما نشاء " اي نعم ... المثل العربي يقول "الضرطه على المتكي سهلة" وعمران الزعبي كان يتكئ على أرث كبير من الخطب الفارغة التي طرد البعثيون بها الإسرائيليون من فلسطين، وحرروا ببعضها القدس، وفي خطب أخرى استعادوا الجولان، حتى ان واحدة من خطب المقبور حافظ الأسد أحالت هزيمة 5 حزيران إلى انتصار، مثلما احال حسن نصر الله الضربة الإسرائيلية لقواعد الصواريخ بالقرب من دمشق إلى انتصار، فكنا نحن السذج نظن أن إسرائيل بما أنها هاجمت وقصفت ودمرت وقتلت، هي المنتصرة في هذه الجولة، لكن تبين حسب رواية حسن نصر الله ان عصابة آل الأسد هي المنتصرة، وإن قصر نظرنا وعجز ثقافتنا في الإستراتيجيات، جعلتنا نظن أن غارة جوية إسرائيلية خلفت وراءها حطام عشرات الصواريخ و400 جثة لجنود سوريين موالين لعصابة آل الأسد وركام مركز للأبحاث، هي خسائر مهولة، بينما هي في الحقيقة انتصارا كما أرانا حسن نصر الله ، وإن مانعتقده خزيا وعارا تلبس عصابة آل الأسد بصمتها عن الإهانات المتكررة، وعجزه عن الرد على الغارة الإسرائيلية، كان في الواقع ردا استراتيجيا لم نعيه نحن الجهلة.
الصمت والعجز يتحول في الخطب التنكية إلى انتصارات، لذلك لايدهشنا أننا انتصرنا في جميع حروبنا مع إسرائيل، بدءا من حرب عام 1948 حين سقطت نصف فلسطين بأيدي الإسرائيليين، مرورا بحرب عام 1967 التي خسرنا فيها الجولان والضفة الغربية وسيناء، ثم حرب عام 1973 التي انتهت ببسط إسرائيل سيطرتها على أراض جديدة في الجولان السوري.
صحيح اننا كنا في كل مرة نخسر أراض جديدة، وإن جيشنا الباسل كان ينهزم أمام العدو، وإن خسائرنا البشرية تزيد عن خسائر العدو بثلاثة أو اربعة اضعاف، ومع ذلك نحن انتصرنا. على الأقل يتمظهر الإنتصار باننا لم نقتل في الحرب، ولم يسقط النظام، وهذا هو الإنتصار الحقيقي الذي تستطيع آلة الدعاية البعثية أن ترينا إياه رؤيا العين من خلال الخطب التنكية.
عمران الزعبي من هذا النوع الذي يستطيع أن يخطب عشر ساعات حتى من دون أن يكون هناك موضوع لخطبته، فما بالكم لو كان موضوعها التهديد والوعيد لأعداء عصابة آل الأسد، ساعتها قد تحتاج إلى فرقة كاملة من عازفي الابواق لتغطي على صوته الذي يهدر مذكرا بالمرحوم أحمد سعيد وإذاعة صوت العرب، فالإنتصارات سهلة في الخطب، والتهديد والوعيد اكثر سهولة،لأن قذائف الكلام التي اطلقها المأفون عمران الزعبي هزت الكيان الإسرائيلي، وجعلت قادته يضربون بأيدهم على رؤسهم ندما، لأنهم تجرأوا على قصف قواعد الصواريخ السورية من دون أن يحسبوا حساباً لخطب عمران الزعبي ، فليذوقوا إذا مرارة ماجنته أيديهم ، فلسان الزعبي طويل، ويكاد يحيط بكل المستعمرات التي بناها الإسرائيليون، بل هو قادر على التقاط الجولان من الحضن الإسرائيلي وإعادته إلى سوريا كما لو انه ضفدعة تلتقط ذبابة.
على الإسرائيليين أن يعرفوا حدودهم، فأرض سوريا ليست للنزهة، فإذا كان لديهم
طائرات إف 16تقصف دمشق وهي تحلق فوق بيروت، وإذا كان لديهم صواريخ كروز يطلقونها من مخابئهم في النقب، فتصيب مبنى مركز الأبحاث بالقرب من دمشق، فعند عصابة آل الأسد، لسان عمران الزعبي الذي يستطيع ان يرد الصاع صاعين" ومافي حدا أحسن من حدا "لديهم صواريخ ولدينا الألاف من ألسن البعثيين الحادة التي تفرقع كما لو انها تنكة فارغة تجرها سيارة مسرعة في هدأة ليلة شتوية باردة.
فليتحمل الإسرائليون جريرة أعمالهم إذن، والويل لتركيا والسعودية وقطر ، بل يامصاب امريكا وحلف الناتو مما سيجري لهم ، لقد انطلق لسان عمران الزعبي، ولا يستطيع الناتوا أن يقف ساعة واحدة في وجه قذائفه اللسانية
وحتى تتبينوا اني لا اقول كلاما عابثا، عليكم أن تعرفوا من هو عمران الزعبي وكيف ربى هذا اللسان الإعجوبة الذي ترد به عصابة آل الأسد الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، والذي سيحرر به الجولان ويعيد القدس للعرب ويعيد اللاجئين الفلسطينيين إلى حيفا، وإذا لم يركع العالم أمام لسان عمران الزعبي، فقد يرمي اليهود في البحر .
"دخيلك ياسيد عمران إفعل مايحلو لك ولكن لا ترمي اليهود المساكين في البحر" ففي نهاية المطاف البحر بحرنا، وصيادونا المساكين يرتزقون منه، تصور أن يرمي صيادا سوريا شبكته فيخرج بها ثلاثة أو أربعة من اليهود!! ماذا نفعل بهم ؟ فلا يجوز دفنهم في أرضنا الطاهرة التي حررتها بلسانك الطويل، ولا يجوز شرعا إعادتهم إلى البحر، تخيل أعانك الله معنا هذه المشكلة كيف نحلها ؟ إلا إذا تواضعت رضي الله عنك، وقذفتهم بلسانك عبر الأطلسي، ليجدهم الناس متناثرين في شوارع كاليفورنيا.
إذن اضيط لسانك أيها المبارك، ويكفي انك بهذا اللسان الأقوى من صواريخ الناتو حميت سوريا والسوريين وحررت لهم ارضهم المغتصبة وفوقها أرض فلسطين .
ماذا اقول عن هذا الوغد الذي لايملك غير الكلام ، وهو أول من يعرف انه بلا كرامة ولا قيمة ولا أهمية عند العصابة الحاكمة.
بدأ عمران الزعبي حياته العملية وهو لايزال طالبا بجامعة دمشق حين التصق بمؤخرة قريبه محمود الزعبي الذي كان ناشطا في حزب البعث، ثم ترقى إلى عضو القيادة القطرية قبل أن ينصبوه كدمية رئيسا للوزراء.
ظن محمود الزعبي ان عمران هذا الولد الفهلوي يحبه ويلتصق فيه لأنه قريبه وحريص على مصلحته ، لكن الواقع ان عمران الزعبي كان مكلفا من جهاز أمن الدولة، فرع التجسس الذي رأسه سبع سنوات اللواء بهجت سليمان بالتجسس على ابن عمه، ونقل كل مايحدث في بيته ومكتبه
في ذلك الوقت كان عمران الزعبي يشتغل "صبي" في بيت محمود الزعبي مهمته صب القهوة للضيوف وتسليتهم بإلقاء النكات على مسامعهم، ونقل كل مايحدث إلى بهجت سليمان، وهو الذي أودى بحياة رئيس الوزراء محمود الزعبي الذي كان يشتم في جلساته مع المقربين منه الأزعر باسل الأسد ويعتبره حسب تعبيره " كارثة على سوريا " هذه العبارة بالذات نقلها عمران الزعبي بحرفيتها إلى بهجت سليمان، ومنه إلى المقبور باسل الأسد، وانتهى الأمر إلى الديكتاتور الذي قرر التخلص من محمود الزعبي قبل ان تشيع مقولته بين الناس فيدركون أي كارثة هو باسل الأسد.
هؤلاء، مثل عمران الزعبي والآلاف من اشباهه، يظنون أنفسهم شيئا، حين يطلون على شاشات التلفزة محاولين إقناع السوريين بأنهم أصحاب سلطة، في حين هم بالكاد تتعدى سلطتهم منزل العائلة، ولو ضربت مثالا على ذلك لكان عمران الزعبي نفسه وابن عمه من قبله رئيس الوزراء محمود الزعبي اللذان لم يجرءا على الرغم من انهم من المقربين للعصابة العلوية الحاكمة على مجرد السؤال عن مصير ابن عمهم الضابط في القوات المسلحة السورية فرحان الزعبي الذي أسرته السلطات الأردنية في أحداث أيلول الأسود عام 1970 وسلمته فيما بعد للمخابرات السورية صباح 24 أيلول سبتمبر 1974 واختفت أخباره منذ ذلك التاريخ.
هؤلاء الجبناء لم يكونوا شيئا في السلطة، وما هم في الحقيقة وبلغة أهل مصر سوى " خيال مآته" أي مجرد فزاعة توضع للإيهام بأنهم يحكمون، بينما هم لا في العير ولا في النفير
حافظ الأسد كافئ الجاسوس عمران الزعبي بتعيينه استاذا لمادة التربية القومية بجامعة دمشق مخالفا بذلك القوانين الأكاديمية التي تشترط ان يكون الأستاذ حاصلا على الدكتوراه وله إنجازات في مجال اختصاصه، بينما لم يكن عمران الزعبي سوى محام تخرج بالواسطة، وليس له من الكتب سوى كتاب سخيف بعنوان : (الخطاب التغييري في سوريا ) والواقع ان الخطابة هي مهنته الوحيدة فهو لايفهم بالمحاماة إلا بمقدار مايفهم راعي غنم بالكيمياء
انتهى المأفون عمران الزعبي إلى وزارة الإعلام ، لأنه يستطيع ان يخطب عشر ساعات عن القومية والوطنية والرئيس القائد، وغير ذلك لا فائدة منه.
ويمكنه بخطبة واحدة أن يجعل أمريكا تطلب الصفح من بشار الأسد، وقد يختار إسرائيل موضوعا لخطبته، فيهرع نتنياهو ذليلا إلى الإعتذار خوفا من صواريخ عمران الزعبي.
لكن إذا كان عمران الزعبي قد طرده أهل قريته بـ " الصرامي " حين زارها محاولا تهدئة خواطر أبناء عمومته، ثم خرج بعدها ليصفهم بأنه إرهابيون فهل في ذلك أي تجن إذا وصفنا سلوكه بالإنحطاط والإبتذال والصفاقة .
هذا هو عمران الزعبي الذي سهزم إسرائيل ويحرر الجولان بلسانه ويعيد لبشار الأسد مجده الزائل بخطبة عصماء تركع أمامها إسرائيل وترتجف لها اوصال الرئيس الأمريكي. هيا يابطل نحن في انتظار قذائفك ، فقد نضحك أو نبكي ولكن في جميع الأحوال سنعتبرك مسليا مثل حكواتي شامي يستحضر عنترة ويخوض به حرب داحس والغبراء .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية