أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لماذا لن تحل الأمم المتحدة الأزمة السورية؟

بعد مرور أكثر من عامين وشهرين على انطلاق الثورة السورية فشل مجلس الأمن في إصدار أي قرار يوقف نزيف الدم السوري بسبب الموقفين الروسي والصيني في المجلس، وفي الحقيقة يملك مجلس الأمن السلطة للتدخل في سوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لأن النزاع في سوريا يمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين لكن موقفي روسيا والصين قضى على أي دور للمجلس في حل الأزمة.

فعندما تفشل التدابير والطرق السلمية في إنهاء أزمة تمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين. يمكن لمجلس الأمن أن يفوض دولاً أعضاء في استخدام القوة لحماية المواطنين تحت الفصل السابع المادة 42 من مثياق الأمم المتحدة. عادة ما يتم استخدام التعبير "كل التدابيير اللازمة" (all necessary measures) في قرارات مجلس الأمن لتفوبض المجتمع الدولي أن يستخدم القوة. وقد تتضمن مثل هذه التدابير "فرض حصار وعمليات أخرى عبر البر، أو البحر، أو قوات الجو" ومن ذلك إيجاد منطقة آمنة، أو منطقة حظر جوي "لحماية حقوق الناس المعرضين للخطر"، والسماح ب "جميع التدابير اللازمة" أو "جميع الطرق اللازمة" لحماية المدنيين.

لا يجب بالضرورة أن تكون المشكلة الأمنية عابرة للقارات حتى نستطيع اعتبارها تهديداً للسلام الأمني. ففي عام 1992 قرر مجلس الأمن أن "مقدار المأساة الإنسانية" في الصومال مثلت تهديداً للأمن والسلام الدوليين. وأصدر مجلس الأمن قرار 733 الذي فرض حظر السلاح الوارد ذكره في الفصل السابع وذلك لإعادة إحلال الأمن والاستقرار. وأيضاً أصدر المجلس قرار 794 الذي سمح "باللجوء لكل الطرق اللازمة لخلق بيئة آمنة للبدء بعملية النجدة الإنسانية بأسرع وقت ممكن" تحت الفصل السابع.

وفي ليبيا أصدر مجلس الأمن قرار 1973 الذي نص بوضوح على أن فشل ليبيا في الالتزام بمسؤوليتها المتمثلة بحماية مواطنيها يعتبر تبريراً كافياً للتدخل بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وشدد القرار أيضاً على "أزمة اللاجئين وإجبار العاملين الأجانب على المغادرة" بالإضافة إلى الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان من قبل الحكومة، والهجمات الواسعة على المواطنين في ليبيا، و"أهمية سلامة المواطنين الأجانب وحقوقهم" في ليبيا.

تمثل ألأزمة السورية تهديداً خطيراً للسلام والأمن الإقليمين، كونه يعتبر مأساة إنسانية داخل الحدود السورية، ودافعاً لاستخدام العنف على امتداد الحدود السورية مع البلدان المجاورة، وخلال الأزمة هرب الملايين من اللاجئين من سوريا نحو الأردن، ولبنان، وتركيا، والعراق، وفي حوادث متفرقة لكن متتابعة قامت قوات الأمن السورية بإطلاق النار في الحدود السورية التركية، مما أدى إلى مقتل شخصين إثنين في معبر حدودي، وجرح ثلاثة آخرين في مخيم للاجئين، وفي أعقاب هذه الهجمات، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أنه قد يعتبر ما حصل اعتداء على الأمن المشترك لحلف الناتو، إن استمر العنف في سوريا في تهديد أمن تركيا القومي. وقد كان آخرها التفجير الذي حدث في الريحانية.

ولذلك يملك المجتمع الدولي الحق للتدخل في سوريا حتى بدون وجود إذن من مجلس الأمن وهناك أمثلة كثيرة على التدخل الإنساني بدون وجود إذن مسبق من مجلس الأمن.

هناك بعض الحالات التي استخدمت فيها الدول القوة لمنع حدوث أزمة إنسانية بدون إذن صريح من مجلس الأمن، ففي كل من شمال العراق عام 1991 وكوسوفو عام 1999، بررت الدول استخدام القوة بقرارت مجلس الأمن التي وصفت الوضع بـ "تهديدٍ للأمن والسلام الدوليين" مع أن مجلس الأمن لم يعطِ إذناً صريحاً باستخدام القوة.

وكان هناك حالات شرعت فيها الدول بالتدخل دون وجود قرار من مجلس الأمن ولكن عندما يحصل أمر كهذا فإن الدول عادة ما تدعي أن تدخلها كان دفاعاً عن النفس، ويعتبر الدفاع عن النفس أمراً مسموحاً به بموجب الفصل السابع، المادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة ، فإن استمرت سوريا في انتهاك سيادة الدول المجاورة عن طريق مهاجمة معارضيها واللاجئين على امتداد حدودها، يمكن للدول المجاورة أن تنجح في تبرير تدخلها بأنه دفاعٌ عن النفس، فقد هددت تركياً مثلاً بأنها قد تستدعي حلف شمال الأطلسي للدفاع عن حدودها بالاستناد إلى بند الأمن المشترك للحلف.

وعلى هذا النحو فإن الفريق الرفيع المستوى التابع للأمم المتحدة قد "أدرك وجود بعض الحالات الطارئة التي يتم فيها البحث في إعطاء الإذن بعد البدء بتنفيذ العملية"وقد حصل ذلك بالفعل، فقد وافق مجلس الأمن رجعياً على تدخل "ECOWAS" (المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا) في ليبريا عام 1992وفي سيراليون عام 1998.

وقد قامت جهات عدة من بينها: الفريق الرفيع المستوى التابع للأمم المتحدة، واللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدولة (International Commission on Intervention and State Sovereignty) بإقرار معايير تحدد إن كان التدخل الإنساني الذي يتضمن استخدام القوة شرعياً أم لا.

يتبع المعياران الأولان الركنين الأول والثالث من مبادئ مسؤولية الحماية. فأولاً: يجب أن يكون التدخل بناء على "سببٍ عادل" ويحصل هذا عندما تسبب "أفعال دولة مدروسة" "إهلاك حياة عدد كبير من الناس". ، وتمثل الحالة السورية سبباً عادلاً للتدخل لأن هناك ما لا يقل عن 100000 شخص قد فقدوا حياتهم، ولا يبدو على الحكومة السورية أي علامة على أنها ستوقف هذه الهجمات. ثانياً: يجب أن يكون التدخل هو "الملجأ الأخير"، وهنا نرى أن سلسلة من خطط السلام، ووقف إطلاق النار، وعقوبات اقتصادية لم تفلح في وقف الفتل.

وتُعنى المعايير المتبقية بكيفية تنفيذ التدخل، وتزويد الدول التي تعتزم التدخل في سوريا بتوجيهات مفيدة. وبالاستناد على المعيار الثالث يجب أن تكون الدول المنفذة ذات "نوايا حسنة" ويقتضي هذا أن يكون الدافع نحو التدخل هو إنقاذ حياة المدنيين وليس أي مصالح شخصية. ، رابعاً: يجب أن يكون التدخل متناسباً مع الأزمة الإنسانية الموجودة، مما يعني استخدام عدد محدود من القوات العسكرية، فعلى سبيل المثال خيارات استخدام الهجوم الجوي لحماية المدنيين الموجودين في "الملاذ الآمن"، أو تأمين ممرات إنسانية، أو إيجاد منطقة حظرٍ جوي سوف ترى بشكل عام على أنها استجابة أنسب من غزو بري كامل لإسقاط الحكومة. خامساً: يجب أن يكون للتدخل فرصة معقولة للنجاح في تحقيق أهدافه.

كما أن هناك عدة عوامل أخرى قد تؤثر بشرعية التدخل في سوريا. فقد يؤثر تكوين ائتلاف الدول المتدخلة في شرعية التدخل، فبشكل عام حتى يكون التدخل مقبولاً شرعياً يجب أن تكون العملية متعددة الجوانب. أيضاً قد يساهم التدخل الذي يتبع طلباً محدداً للمساعدة من القادة المدنيين، أو منظمة محلية في تعزيز شرعية التدخل، فعلى سبيل المثال قام قادة المجتمع الكردي في شمال العراق بتقديم التماس لكل من فرنسا، والمملكة العربية السعودية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية كي يقوموا بمطالبة مجلس الأمن أن يتحرك لحماية الأكراد من صدام حسين، وفي النهاية أصدر مجلس الأمن القرار رقم 688 الذي شجع الدول "للمساهمة... في الجهود المبذولة للنجدة الإنسانية"، وطالب القرار أيضاً العراق بالسماح ببذل هذه الجهود.

وفي النهاية يمكن القول أن تقدم الأزمة السورية حالة دراسية للتدخل الإنساني تحت مبادئ مسؤولية الحماية. تعتبر الهجمات الممنهجة والواسعة والعشوائية التي تشنها الحكومة السورية على المدنيين جرائم ضد الإنسانية، وبالرغم من جهود المجتمع الدولي لإنهاء العنف في السوريا من خلال تدابير سلمية مثل العقوبات، وخطط السلام، فشلت هذه التحركات في وقف القتل. وإضافة إلى ذلك خرقت الحكومة السورية اتفاقية وقف إطلاق النار التي عقدتها الجامعة العربية وهاجمت المدنيين بوجود مراقبي الأمم المتحدة. وبموجب مبادئ مسؤولية الحماية يمكن لائتلاف يتكون من دول أو منظمات إقليلمة التدخل بشكل شرعي في سوريا سواء بوجود إذن من مجلس الأمن أم لا. وربما يكون التدخل في سوريا هو الحل الأفضل للمجتمع الدولي لمنع حصول كارثة إنسانية أعظم من هذه. كذلك يمكن أن يكون التدخل الإنساني في سوريا موافقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

(106)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي