أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يو إس إس كول: البحث عن هزيمة ... نضال نعيسة

ابتهج رهط غير ذي قليل من أعاريب الفضيحة وكرازيات وسنيورات و"مادموزيلات" الشرق الأوسط العجيب،  ومن سدنتهم، ومن لف لفهم، وكل من والاهم من بني قينقاع ويهود المصطلق والفلاشا المهرّبين،  في خيبر وسيديروت وتل أبيب، بقدوم البارجة الحربية الأمريكية يو إس إس كول إلى قبالة الشاطئ اللبناني، المطعونة قبلاً في بكارتها وشرفها العسكري عند شواطئ عدن على أيدي رجال القبائل القندهارية الانتحارية. وفي حركة مسرحية هزلية وفكاهية ترهيبية ليس إلا، تتماهى  هي الأخرى برغم ضحالتها الفاقعة، مع رسائل أحبار الحروب الاستباقية، أومأ الشيخ النجدي الصنديد لرعاياه، المروعين من شموخ المقاومين البطولي، بالجلاء عن أرض لبنان، بعد أن ضلت رصاصة طائشة "لعينة" سيارة رسول مولاي إلى بلاد الأرز. مولاي العظيم هذا يقف اليوم كحامي حمى للأعاريب الخائفين من غدر الأطفال و"المقاومين"،  وكل الشرفاء والقديسين وشهداء الكرامة والضحايا الموؤودين من قانا إلى فلسطين، حيث لا تترع أقداح السكارى في محفل الذبح المهيب هذا إلا بدماء الرضع والخدج والصغار المساكين  الحالمين بوطن دافئ يحميهم من "الأشقاء" الملاعين، وموطئ قدم آمن تحت وابل الصواريخ خال من الحمقى والسماسرة  والخونة والقوادين.  

 الباحثون اليوم عن أي نصر معنوي هزيل تأتيهم به أحذية المارينز والبوارج المكلومة، هم محض حالمين، وواهمين ويائسين، بعدما أعيت الحيلة والوسيلة إرادة وقدرة ولاة البيت الأبيض أنفسهم ولو بنصر باهت هزيل.

فكيف ينتصر لهم من ليس في جعبته سوى الهزائم المجلجلة والتاريخ المهين والحصاد المرير؟ وهل من بينهم من يعيد الألق والروح للكاوبوي الكئيب بعد أن انكسرت شوكته في غير موقعة مجلجلة كدلتا نهر الميكونغ على أيدي رجال الجنرال الزاهد الطيب جياب الذي روعت خططه العسكرية اليانكي السوبر مان، وأطاح ببساطته وعفويته وروحه الشعبية بكل مراكز الدراسات والنصب والتنظير والاحتيال الأمريكي؟

فمن منا لا يذكر منظر المارينز، "آلهة النصر" اليعربي الجديد، وهم "يتعمشقون"، ويتدلون من المروحيات هرباً من حمم النيران "الجيابية" التي كانت تخرج لهم من كل مكان؟ وهل ننسى كيف أفلح بعض الفتية اللبنانيين المقاومين في جعل المارينز يفرون بسراويلهم الداخلية،  من الجحيم اللبناني في عز وتأوج الزمن الريغاني إياه، الذي يعتبر ذروة للزهو والنجاح والتمدد الإمبريالي الأمريكي؟  

 وهل يغيب عن الذهن، ولو لوهلة، في خضم هذا السيرك الإعلامي التهريجي التعبوي الفاضح، قصة التيه الأمريكي في الرمل والوحل العراقي؟ وهل لذاكرة مثقوبة أن تنسى  صور وأفلام الأقراص المدمجة حين سفحت هيبة وكرامة جنود الجيش الأمريكي وهم يتساقطون كعصافير لا حول ولا قوة لها على أيدي هواة من القناصة المقاومين العراقيين وأصبحت قصصهم مثالاً للتندر والتهكم والسخرية من علوج الإصلاح البوشي؟

 ولما تزل، أيضاً، في البال، وحتى اللحظة التي رست فيها البارجة المكلومة على شواطئ لبنان، مرارة الخيبة والانكسار والخذلان، وهي تلف وجدان وقلب كل أمريكي والعيون جاحظة إلى قوافل التوابيت المارينزية  وهي تعبر المحيطات وجثامين "أبطالهم" الخرافيين الهوليوديين صرعى مضرجة بالدم الرخيص المجبول بأساطير التوراة التي أوهمهم بها حبر المعبد السحري في واشنطن، لتصل أرض الميعاد والحلم الأمريكي، الذي لم يعد إلا ثمة موعداً مع الموت وكابوساً مستمراً من الهزيمة والفرار المعجل  طوابيراً في طوابير.   فبعد الإنهاك المستمر وحروب الاستنزاف العبثية الطويلة التي تخوضها إدارات الحرب الأمريكية اللعينة في غير مكان من العالم، والانتقال من هزيمة إلى هزيمة، أضحى الجيش الأمريكي جسداً بلا روح، وشبحاً بلا أية ملامح تذكر، وأسطورة بلا أية بطولات، وهوى لذلك الدولار، رمز القوة الاقتصادية الأمريكية، إلى  مستوياته دونية غير مسبوقة في التاريخ. فلمن يصفق ويهلل هؤلاء الأعاريب، وبمن يستقوون وينتصرون؟

وكابوس الهزائم هذا وهوس الهزيمة والمازوشية العسكرية التي تعودت وأدمنت أن تصعر الخد للمقاومين في غير مكان، أضحى هاجساً ومرضاً يتحكم ويلاحق الأمريكيين اليوم؟ ولم تنفعهم كل تكنولوجيا النظرية النسبية، والعلوم الذرية وتآكلت مع هذا صورة الصعود الأسطوري العسكري الأمريكي الزاهي التي رسمها ذات يوم في منتصف القرن الفارط، مع الحلفاء، في إنزال تاريخي استعراضي يتيم على شواطئ النورماندي.   ولن نكون موضوعيين إذ ننكر، هنا، القوة التكنولوجية الهائلة للعسكريتاريا الأمريكية، ولكن هذه القوة بدون حق، وبعد أخلاقي، وبدون مشروعية وحكمة وتعقل وتبصر أو أي هدف نبيل، ستصبح، ولا بد، أداة للجريمة والقتل والعدوان والدمار، وأولاً وأخيراً، وكما هو عليه الحال اليوم، سبيلاً  للموت والانتحار ؟

   لقد قالوا في الأمثال "الميت لا يجر ميت"، فهل يخرق الأمريكي الجريح، الذي لم يندمل بعد جرحه وسقط من جديد في دوامة السبي البابلي الحديث، مترنحاً وغارقاً اليوم حتى شحمة أذنتيه  في الرمل البغدادي، هذه القاعدة لنرى الميت وهو يجر ميتاً آخراً؟ وأي جر هو؟ وكيف سيكون عندها حال الجار الأمريكي والمجرور اليعربي؟  وإلام ستؤول إليه أداة الجر الظاهرة وجوبا وفزعة على شواطئ بيروت وتقديرها يو إس إس كول؟  

لا نرى، وبكل صدق وتجرد، في الحركة العسكرية الأمريكية الجديدة، وناهيكم عن مضامينها البهلوانية الإعلامية والاستعراضية الخاوية، إلا بحثاً جديداً وحثيثاً، عن هزيمة جديدة، تضاف إلى سلسلة الهزائم والكوارث العسكرية الأمريكية التي باتت تضيق بها كل الصفحات والجداول.

خاص
(110)    هل أعجبتك المقالة (110)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي