أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إمعاناً في المؤامرة ضد الدواجن... ودفاعاً عن اسرائيل!

"الناجي الوحيد" دجاجة على انقاض المدجنة التي دمرتها الغارة - صورة حقيقية - رويترز -.



(1)
وضعت الغارات النوعية لإسرائيل على سوريا المعارضة في إرباك، وسارع الجميع للإدانة والاستنكار ليس لنفي الادعاء الرسمي بأن هناك ارتباطاً للمعارضة بإسرائيل، بل لأنها عملياً وموضوعياً تصب في خدمة ميزان القوى لصالح قوى المعارضة المسلحة، في معركة تدور رحاها على الأرض بلا هوادة، غير أن هذا لا يعبر عن رؤية كاملة للمشهد..!

ليست المرة الأولى التي تتطاول بها إسرائيل على سوريا، أو تسرح في أجوائها دون رادع، بل سبق ونفذت اعتداءات عديدة حتى قبل زمن الثورة السورية، كما في (عين الصاحب) وفي شرق سوريا بذريعة النووي وقبل أيام أيضاً كشفت اسرائيل عن ضربة لسوريا جرت بصمت دون أي ضجة تذكر.

ما يميز الغارة الأخيرة هو أولا المكان، فليس من السهل على نظام قام وجوده على ادعاء مقارعة إسرائيل أن يرى الجبل الذي تتكئ عليه عاصمته يشتعل على مرأى من مواطنية وما تبقى من جيشه الممانع الذي يستخدم قاسيون ومحيطه كمقر لعملياته، فهذا يكشف ضعفه وزيف مقولاته عن الممانعة، وهزالة قدرته على حماية نفسه أولاً قبل ادعاء حماية البلاد.

الأمر الآخر الملفت، ما تمّ تسريبة عن تنسيق أمريكي، فخلافاً للسلوك الاسرائيلي مع صدام حسين الذي اتسم
بسياسة ضبط النفس وعدم التدخل بضغط أمريكي وقبضت إسرائيل ثمناً له مساعدات عسكرية أمريكية(صواريخ باتريوت وغيرها)، في حين نجد اليوم أن أوباما يشجع اسرائيل بالقول أن من حقها أن تبادر إلى حماية نفسها، وهذا التسليم بدور مباشر لاسرائيل بخصوص الورقة السورية، يكشف أن لا خطط مباشرة وقريبة للولايات المتحدة أو الغرب عموماً للتدخل، كما يكشف بالملموس بأن ضرب النظام السوري أبسط مما يسوق الغرب والمجتمع الدولي، ومن يستطيع ضرب قاسيون يستطيع ضرب أي مكان آخر في سوريا، كما يكشف زيف ادعاء عدم التدخل بحجة الخوف من الرد الإيراني والتداعيات المحتملة، فالبداهة تفترض بأن تدخل إسرائيل التي تحتل أرضاً سورية ولها حدود مشتركة معها هو أعقد بكثير من تدخل دول من وراء البحار.

الأمر الثالث هو توقيت الضربة، الذي أتى في وقت يحرز النظام بعض التقدم في المناطق المحيطة بدمشق، ويكثف من عملياته الجوية، وهذا ما حاول الإعلام الرسمي التركيز عليه محاولاً تعليق عجزه السيطرة على ريف دمشق، على الضربة الاسرائيلية، متجاهلاً أن عمليات (الكر والفر) بين الطرفين لم تتوقف منذ نحو سنة، الأهم بالنسبة لاسرائيل في هذه اللحظة ليس تقدمَ أو تراجعَ النظام، إنما ارتكابه للمجازر في بانياس بريف طرطوس ما يسوغ ضربه لدى الرأي العام العربي والإسرائيلي والعالمي.

بالمقابل سارع النظام السوري محاولاً امتصاص الضربة مرة بادعاء السماح للفلسطينيين بتنفيذ عمليات ضد اسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية،( لماذا الفلسطينيون وليس السوريين أصحاب الأرض المحتلة وبلدهم من تلقى الضربة..!) أو باللجوء إلى التهديدات بعبارات فضفاضة "كل الاحتمالات مفتوحه" في محاولة للإيحاء بأنه قادر على نقل المعركة إلى اماكن أخرى قد تكون لبنان أو غيره، ولكن كل هذا لن يغير من حقيقة أن الضربة عرّت النظام وكشفت هزالة قواه، وربما هذا يفسر البرود الاسرائيلي والمجاهرة فيما أقدمت عليه.
النقطة الهامة بالحديث عن السياق الذي أتت به الضربة -التي لم يكشف لغاية الآن عن حجم خسائرها، وذهب تركيز النظام الإعلامي على مزارع الدواجن في محاولة لإخفاء الحقيقة- أتت بعد مجاهرة حزب الله بالتدخل وبعد ادعاء حسن نصرالله على شاشات الفضائيات بأنه وإيران لن يسمحا بسقوط النظام، وبالتالي فإن ما جرى على قاسيون لن يُحرج النظام فقط، بل سيحرج حلفاءه، وهذا ما سيحاول استثماره بالضغط عليهما لفعل شيء نوعي، فحزب الله طالما جاهر في امتلاكه لنحو 60 ألف صاروخ قادرة على أن تصل إلى عمق فلسطين، لكن خطوة مثل هذه ستفتح الصراع على آخره لبنانياً وثم إقليمياً في ظروف غير مواتية لكل من حزب الله وإيران، ومن هنا فإن المرجح أن يتلقى النظام المزيد من المساعدات اللوجستية العسكرية والمادية، ما سينعكس سلباً على الصراع الداخلي ليس فقط عسكرياً بل لجهة دفعه أكثر فأكثر إلى بعده الطائفي.
هل النظام السوري قاتل ويجب محاكمته وسلاحه بريء

(2)
ما جرى فجر السبت يؤكد أن سوريا أصبحت (تركة الرجل المريض)، الكل يريد تحقيق مصالحه، اسرائيل تقصف لتضعف القدرة العسكرية لسوريا إلى أدنى حد وتدمر ما يمكن تدميره، وغداً لا نعرف من سيشن الغارة القادمة، فربما لا تكتفي إيران بحزب الله، فيسيل لعابها لغارات على مواقع للمعارضة المسلحة، البلاد أصبحت مكشوفة ومستباحة وساحة حرب بالوكالة، ولا يوجد بعد اليوم من يمكنة ادعاء امتلاكه السيادة الوطنية فعلاً لا قولاً.

ولكن الخطر الأصعب على سوريا والسوريين لن يأتي من اسرائيل في اللحظة الراهنة، فالضربة على الجيش السوري وما سيتبعه من ضربات محتملة، لن تغير من حقيقة الوظيفة التي قام ويقوم بها الجيش كحامٍ للنظام بمواجهة إرادة شعبية مسلحة لإزالته، ولن تغير من حقيقة أن سوريا النظام مهزومة أمام إسرائيل، وهضبة الجولان ما تزال محتلة منذ عام 1967 ولم يتمكن من تحريرها، وكل محاولات الأسد الأب خلال حقبة حكمه لخلق نوع من توازن عسكري استراتيجي باءت بالفشل.

الثابت أن سوريا تملك صواريخ بعيدة المدى وبعض الأسلحة الجرثومية الكيميائية، لكنها لا تساوي شيئاً بالمقارنة مع ما تملكه إسرائيل من أسلحة حديثة ومنظومات صورايخ وطائرات مقاتلة متطورة هذا غير الترسانة النووية(نحو 400 رأس نووي)، وبنية عسكرية قوية لجيش مقاتل عامل، هذا إذا أردنا أن نتكلم بمعطيات وحقائق، وليس كما مواضيع الإنشاء في المدارس السورية التي تصور شجاعة الجندي السوري قادرة على هزيمة عشرات الجنود الاسرائيليين الجبناء، فالتقنيات الحديثة قضت إلى غير رجعة على تلك الطريقة الفروسية بالحروب وكفت الأعداد والشجاعة عن لعب دور حاسم.

الخطر الأصعب الذي يواجه السوريين ليس من اسرائيل حتى لو نفذت المزيد من الضربات، لأن سوريا فشلت في خلق توازن عسكري معها، والصواريخ السورية التي تستهدفها إسرائيل اليوم لم يجرِ استخدامها طيلة 40 سنة، ومن المرجح بأنه لن يستخدمها أي عاقل نظراً للخلل الخطير في ميزان القوى، هذا ليس تبريراً للخبث الإسرائيلي الذي استغل الظرف ويحاول تخليص السوريين أي إمكانية للتهديد، بل لوضع الأمور في نصابها، علينا أن نعترف بأن الأسد الابن أضاع كل ما بناه الأسد الأب من القدرات العسكرية لسوريا البشرية منها والمادية على هزالتها، لقد أضاع في حربة على السوريين ما يفوق ليس فقط ما يمكن ان تفعله غارة بل ما يمكن ان تفعله حرب محتملة مع اسرائيل.

لا شك بأن إسرائيل هي الرابح استراتيجياً من ضعف سوريا عموماً اقتصاداً وجيشاً ودولة، ولكن في اللحظة الراهنة لا تشكل اسرائيل الخطر الأكبر على السوريين فهي تستهدف أسلحة ومقرات لم تعد هي الإداة القادرة على تحرير الأراضي السورية، والبنية العسكرية للجيش السوري تصدعت فالحديث يجري اليوم عن نحو 100 ألف عسكري، يعتمد أكثر فأكثر على مليشيات من خارج المؤسسة العسكرية، وبالتالي حتى دور "الشرطة" الذي كان يلعبه الجيش السوري في المنطقة ومحاولة السيطرة على أوراق لبنانية وفلسطينية، أصبح لا يتناسب مع وضعه الحالي، وربما يحتاج نصرالله وغيره إلى زمن لإدراك أن الحصان السوري، المرتكز أساساً إلى قدراته ودوره العسكري، أصبح بخبر كان.

في ترتيب أولويات الخطر على السوريين، نجد أن ما يجري من مجازر ذات بعد طائفي، تستهدف ما تبقى مما يسمى المواطن السوري، الهوية السورية، هي الخطر الذي يحتاج ترميمه إلى زمن طويل، الخطر الأول الذي يجب التركيز علية ومحاولة منعه وإيقافه بكل السبل الممكنة، في وقت كل المعطيات تشير إلى انه سينمو أكثر فأكثر مع تورط متزايد لكل من إيران وحزب الله في سوريا كاحتمال مرجح لنتائج الضربة الاخيرة لاسرائيل.

الأهم مما ستحمله الأجيال القادمة من تكاليف مادية للصراع، هو الأحقاد والندوب والتصدعات في شخصيتها الوطنية، التفتت الطائفي، كم نحتاج من الوقت لإعادة بناء إنسان سوي قادر على تجاوز كل هذا القبح المهول للمجازر والدمار، كيف يمكن إيجاد مواطن يرفع انتماءه إلى سوريا كهوية فوق كل الجراح والتصدعات التي ستنخر جسده وعقله.

من المفيد أن تنأى المعارضة عموماً بنفسها عن أي ضربات حتى لو كانت تصب في مصلحتها موضوعياً وآنياً لجهة إضعاف وإرباك النظام، وحسناً فعلت في إدانة ما فعلته إسرائيل فالوطنية يجب أن تكون غير ملتبسة، لكن يجب أن لا تأخذها مبالغات النظام وعقليته الاتهامية بعيداً عن التركيز على هدفها لإسقاط النظام مهما تطور الاستثمار الإسرائيلي في الحالة السورية.

إن كان السلاح يمكن تعويضه، فقيمته تأتي أساساً من دوره ووظيفته، وهذا يتبع حكماً لمن يديره، والنظام السوري منذ أن ورط الجيش لحماية حكمة بمواجهة الشعب، أصبح غير مؤهل لحمل هذا السلاح، فكيف يستقيم أن من يحمل السلاح هو قاتل يجب محاكمته، وأن سلاحه بريء ويجب المحافظة عليه ضد أي اعتداء عندما يتمكن الشعب السوري من السيطرة على سلاحه، تصبح المعركة من أجل الحفاظ عليه معركة وطنية حقاً.

أسامة براء - دمشق - زمان الوصل
(103)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي