متى يتوب المتحزبون السوريون على أنفسهم من التنظيمات "الفوّطنية"؟

ليس حبا بالحدود التي اصطنعتها إمبراطوريات الاستعمار وتشبث بها أزلامه، ولا دفاعا عن تقسيم بلاد العرب وأقلمتها، ولكن التنظيمات "الفوّطنية" أي فوق الوطنية العابرة للحدود لم تجر على الأوطان إلا كثيرا من الويلات، التي ذوبت في خضمها بعض محاسن تلك التنظيمات إن وجدت.
وحتى نكون أكثر واقعية وعملية ومباشرة، سنضرب مثلا بما يحدث في سوريا اليوم، ومن عدة تنظيمات، تفترق في عقائدها حد التناحر، ولكنها تجتمع في تقديم وتفضيل من وراء الحدود على من بداخلها.
وأول مثال هم "الإخوان المسلمون" في سوريا، الذين يقبع مرشدهم الأعلى في القاهرة.. هذه القاهرة التي استساغ نظامها "الإخواني" الحالي ما لم يستسغ فعله نظام مبارك "العميل للغرب"، لاسيما لجهة موقف مرسي ونظامه من الثورة السورية.
فلم يعد مرور بوارج السلاح والنفط الإيرانية إلى نظام بشار عبر قناة السويس سرا، ولا تقارب مرسي مع ملالي طهران -الوالغين في دماء السوريين- حدثا يدار من تحت الطاولة، ولا طرح مصر للمبادرات التي تهدر حقوق الشعب السوري وتشرك جلاديه في تقرير مصيره أمرا خفيا.
كما لم يعد خضوع مرسي لابتزاز طهران وإرسال سفيره إلى نظام دمشق مستترا، وهو النظام الذي قررت جامعة العرب نزع الشرعية عنه، وكأن مرسي يسدد بيد طهران طعنة في ظهر جامعة العرب، مستخفا بكل قراراتها.
واختصارا، نجمل فنقول إن لـ"مرسي" ونظامه، ما لا يعد ولا يغتفر من الخطايا بحق ثورة السوريين، فـ"غدر" العدو طبيعي ومبرر عندما يوضع في سياق خصومته، أما خذلان "الصديق" فليس هناك سياق يمكن أن يحتويه، إلا سياق "ما أنزل الله به من سلطان".
ومع ذلك، فإن كن كل تلك الخطايا لم تكن كافية على ما يبدو ليعلن "إخوان سوريا" براءتهم من "التنظيم الأم" ويشقوا عصا الطاعة المشقية عن مرشد الإخوان العام، الذي يستبعد أن يتصرف مرسي دون إذن منه.
ولنسأل إخوان سوريا، لماذا تنتقدون مع الشرفاء من السوريين "حزب الله" اللبناني"، من حيث خضوعه لإملاءات طهران، وارتباطه بنظامها، وتلقيه الأوامر مباشرة من المرشد الإيراني، أم إن المرشد هناك حرام وهنا حلال، وتلقي الأوامر والارتباط بتنظيم خارج الحدود خطأ بحق حزب الله، وصواب في حق إخوان سوريا.
وغني عن القول أن مقارنة ولاء الإخوان بولاء حزب الله، ليس أبدا لتسويغ قبائح هذا الحزب الطائفي، إذ إن ملايين المقالات لن تفيد في تجميل مخلب وحش، ولكن المقارنة هنا لإرسال رسالة إلى الإخوان، الذين يفترض أن يعرفوا قبل غيرهم ما الذي يلحق بمن ينهى عن خلق ويأتي مثله، وهم الذين تقيم عقيدة تنظيمهم وزنا عاليا للأخلاق.
أبعد من ذلك، ارتباط حزب الله بمرشده وبنظام خارج بلده، لم يدفع الحزب ليعمل ضد قاعدته الشعبية ولا ضد عقيدته، بينما جر ارتباطكم بإخوان مصر عليكم مخالفة تطلعات السوريين، حتى ظهرتم بمظهر المستخف بدمائهم وتضحياتهم، وبدوتم كمن استبدل ولاء أجوف -لا يقدم ولا يؤخر- بوطن وشعب، عز نظيرهما في الزمن الحاضر على الأقل!
فهل بات "مرسي" بنظركم من أصحاب الذنب المغفور حتى تتجاوزوا عن خطاياه بحق شعب تنتمون إليه، وذلك لمجرد أنه "ابن التنظيم".. يؤسفني أن أقول لكم أن هذا لسان حال فئة واسعة من أبناء سوريا، وهذا ما يبدو لهم في ظل صمتكم وعدم شجبكم الواضح لمواقف مرسي، ومن يقف خلفه.
ربما تتذرعون بأنكم لا تودون شق صفوف الجماعة.. فهل أي جماعة مهما كبرت أغلى وأهم من شعب بأكمله، وهل أنتم بحاجة لمن يذكركم بقاعدة معرفة الرجال بالحق، لا الحق بالرجال؟
إنه لمن حق الإخوان ومن حق كل مسلم قبلهم أن يتمثل بيت الشعر القائل :وحيثما ذكر اسم الله في بلد/ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني، ولكن على الإخوان بالذات أن يتمعنوا في مرجعيتهم الحقيقية وهي دين الله وشرعه وأحكام فقهه، وليس رأي المرشد وحكمه.
ولنتذكر مع الإخوان مثلا إجماع الفقهاء المعتبرين على عدم إخراج الزكاة من دائرة أي بلد أو منطقة إلى خارجهما، قبل أن يكتفي فقراء تلك البلدة أو المنطقة، فهل كان هؤلاء العلماء المتبحرون مناطقيون أو إقليميون، أم إنهم وضعوا الشرع في سياقه الصحيح، المترتب على قواعد المصالح السليمة، والمعروف الذي ليس هناك أولى بالأقربين منه؟
إن توبة السوريين المنتسبين إلى تنظيمات "فوّطنية" من هذه التنظيمات أمر أساسي وليس ترفياً في هذه الظروف على صعوبتها، ولعل مثال الإخوان وحزب الله لن يكتمل إلا بذكر الطامة الكبرى المتمثلة بحزب البعث.
فكل ما يشاهده السوريون من شبيحة عرب يطبلون لبشار من بغدان حتى تطوان، إنما تنتمي فئة كبيرة منهم -فكرا أو تنظيما- إلى حزب البعث، الذي صار بشار مرشده الأعلى بعدما سقط مرشد بغداد، وقد استخدمت عائلة الأسد "فوّطنية" البعث لتصدير فسادها وإفسادها للعقول بشكل عابر للحدود، وكل ذلك تحت مقولة: "أمة عربية واحدة".
لقد عكست معظم التنظيمات والأحزاب في عموم العالم العربي صورة مشوهة ومممسوخة لمفاهيم العمل السياسي، بعدما صارت تلك الأحزاب فوق الأوطان، ثم اختصرت بشخص صار فوق الحزب والوطن معا، وجاءت الأحزاب "الفوّطنية" لتزيد طين هذه المسوخ بلة، فنقلت عدواها من بلد إلى آخر.
فهل يحتاج السوريون المتورطون بأحزاب فروعها بالداخل لكن جذورها في الخارج.. هل يحتاج هؤلاء لمزيد شرح حتى يتوبوا.. تاب الله علينا جميعا.
ايثار عبد الحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية