لم يكن يوما لنتخيل بأننا كسوريين سنكفر بكل ما يسمى مجتمع دولي ومنظمات حقوق انسان ومنظمات مجتمع مدني ورأي عام عالمي ودولي وعربي ومسلم ومحلي بل حتى كفرنا بالوطنية التي تغنى بها النظام الاسدي على مدى نصف قرن مزاودا على الشعب السوري بكل ما يملك من تاريخ وارث ومقومات جعلته تاريخيا في المقدمة
تعود جذور الحالة الطارئة التي يعيشها الشعب السوري تاريخيا والتي لم تصل لهذا المستوى من الانحطاط على مدى التاريخ القديم والحديث الى اوائل سبعينيات القرن الماضي عندما اعلن الرفق المناضل من اجل السلطة حافظ الاسد عن اكتمال مشروع استيلائه على السلطة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي انقلب بدوره على الشرعية الدستورية بالقوة العسكرية عام 1963 م ضمن انقلاب اطلق عليه ثورة 8 اذار
ينتمي حافظ الاسد لأقلية علوية ضمن النسيج السوري الاجتماعي غالبا ما ادعت التهميش والظلم السياسي والاجتماعي والاضطهاد من باقي افراد المجتمع والذي يتألف بمعظمه من المسلمين السنة فبعد ان وضع نصب عينيه الهدف بالوصول الى السلطة قاد انقلابا ضمن الحزب الواحد اودت بجميع معارضيه الصديق والعدو ضمن الحزب وحتى ضمن طائفته ممن يختلفوا بتوجهاتهم عما كان يخطط اليه فانتهت الحكاية برفقاء الحزب ما بين هارب ومحكوم بالاعدام ومسجون ومقتول وقلة موالية بقيت كواجهة ضمن الحزب نفسه لحكم سوريا
مع استلامه للسلطة بدء سريعا بتوطيد أركان حكمه من خلال حزب البعث العربي الاشتراكي بالاستيلاء على المؤسسات العسكرية والأمنية والتي كان يعمل بها بقوة بعد انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963 م فأبعد الخطر القائم ضمن توازنات التوزيع الديموغرافي ضمن هذه المؤسسات وبدأ بالاعتماد على من يثق بهم وخصوصا ممن ينتمون للطائفة العلوية والتي وجدت به تمردا على واقعها من الظلم الذي تدعيه فلاقت دعواته قبولا واسعا وبدأت بالانخراط معه في مشروع كان هو من يرسم معالمه ودون اغفاله العمل على الواجهة السياسية ليظهر حاكما ورئيسا لكل السوريين
يقول الكاتب ممدوح عدوان في كتابه(حيونة الانسان ) (تميل دائرة الاستبداد للانغلاق على نفسها فهي تعتمد على ضعفاء النفوس والذين تكون دناءتهم وصغارهم هما أفضل أوراقهم الثبوتية ,يتبوأ هؤلاء المراكز القيادية في الدولة والجيش والعمل وبما أنهم لا يعتمدون على كفاءتهم وليس لديهم ميل ولا يشعرون بالحاجة الى تطوير هذه الكفاءات يكون من المنطقي أن يميلوا الى التسلبط والقمع الوظيفي ثم يتحولون الى القمع الاجتماعي)) فالبدرجة الاولى اعتمد النظام على الطائفية في حكمه ثم على ضعاف النفوس كواجهة تظهر لكل من لا يعرف الواقع بأنها مسمى وحدة وطنية جامعة لكل السوريين وليجعلها دليلا لكل من يريد الدفاع عنه .
بعد الاستيلاء على السلطة قام حافظ الاسد بتدمير كل قوة ممكن ان تقف بوجهه بشكل ساحق سواء كانت سياسية كحظر الكثير من الاحزاب التي لا ترضى بتوجهاته او كانت عسكرية كما فعل بأحداث الثمانينات في حماة يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد (لو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفا لما أقدم على الظلم ) انطلاقا من هذه المقولة نرى بأن حافظ الاسد قد مثل دور المظلوم الذي امتلك القوة فقام بتدمير ما يعتبره اسباب للظلم الذي كان يعيشه مع طائفته وهو القوة التي لم تكن مركزة بيده ومنع هذه القوة عندما امتلكها عن غيره
يقول المثل الشعبي اذا اراد السارق ان يهرب من الشرطة فما عليه الا ان يختبأ فوق سطح المخفر وهذا ما ينطبق تماما على ما كان يدعيه النظام الاسدي بأنه غير طائفي فمع معاقبته اي مكون سوري اخر غير الذي ينتمي اليه بتهمة الطائفية كان يمارسها بشكل سافر بكل تصرفاته وتوجهاته داخليا على الشعب السوري والذي انفجر بثورته 2011م معلنا البدء بانتهاء هذه الحقبة السوداء في تاريخه وآذنا بطلاق بائن بينه وبينها.
اما على الصعيد الدولي والذي تحكمه معادلة كرسي الحكم بالدرجة الاولى فبعد حرب تشرين عام 1973م والتي استخدمت لتسويق الرفيق المناضل كبطل قومي انتهت حقبة المقاومة وبدأت حقبة الممانعة والتي استقرت على اتفاق ضمني بحالة لا سلم ولا حرب تضمن استمرارية النظام في سورية مقابل استقرار المنطقة واستقرار اسرائيل بالدرجة الاولى مع اطلاق اليد داخليا لتنفيذ كل مشاريع التركيع للشعب السوري فبات تجنب الدخول مع اسرائيل في حرب اولى اولويات النظام على مدى العقود الاربعة الماضية وهو ما تم استيفاء ثمنه بسكوت المجتمع الدولي و بكامل الرضا عن توريث الحكم في الجمهورية العربية السورية .
اخيرا كما بدأت تعود فنسج المجتمع على الطريقة الاسدية بدأ بالتهاوي مع بداية الثورة السورية فالمعادلات التي بنيت سوريا عليها تنهار تاركة ورقة واحدة للنظام يؤخر اصدارها بحكم المعادلات آنفة الذكر مكتوب عليها( قريبا الى مزابل التاريخ ).
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية