أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حكاية انطفاء مدينـــة شــــرقيّة :جماليات الانهيار والتلاشي في رواية - شارع بارون -

صدرت رواية ( شارع بارون ) للكاتب أحمد هلال – دار الكتاب العربي, بيروت – عام 2011. ربما قبيل انطلاق الثورة السورية, وربما بعد ذلك بوقت قليل. لكنها حتماً كُتبت وصدرت قبل تموز 2012 تاريخ دخول الجيش الحر إلى حلب, وابتداء فصول الموت والدمار بحق واحدة من أجمل مدن الشرق وأكثرها عراقة وتنوعاً. هذا التوقيت لكتابة ونشر رواية عن – حلب – سمح لنا بالقبض على مثال نادر عن تكامل النص والتاريخ...عن الإحالة الدلالية المتبادلة بين النص بجماليات السرد والدلالة فيه, وبين التاريخ بوقائعه المهولة الموشكة على الظهور. كأنّ الرواية تفسّر – عبر عملية تحويل جمالي- مقدمات الحدث التاريخي ومحدداته الصارمة المغيبة تحت قشرة اليومي الصارخ بوجل و وحشة. وكأن الوقائع الرهيبة التي ستشهدها المدينة بعدُ, تجد رحمها الرجيم في خطاب الرواية.
إن زمن الرواية يسلمنا- مباشرة- إلى الزمن التاريخي المعيش قائلاً : هاكم انظروا حيلَ التخييل ومكائدَ التاريخ, منسجمَيْن متصالحَيْن في الكتابة وفي الواقع, معلنين معاً انطفاء مدينة نادرة في شرقٍ ينضح بالقسوة والجنون.

* * *

يحيل المتنُ الحكائي في رواية ( شارع بارون) إلى مرحلة متأخرة من سيرورة الخمول والتراجع والانطفاء البطيء, التي عاشتها مدينة حلب منذ أواسط القرن المنصرم ( إثر التأميم ). وهي مرحلة تسعينيات القرن الماضي و بداية الألفية الثالثة, حيث المجتمع الحلبي, في التمثيل السردي كما في واقع الحال, يضطرب في الخوف والقلق والتوتر الفظيع, تحت عوامل القهر السياسي والأمني والاقتصاديّ, قبل أن تداهمه الأحداث الأخيرة بقسوة فاقت كل تصور ممكن. كأنّ مجتمع المدينة, وقد خرج للتوّ من – زمن السرد - في هذه الرواية, يدخل مباشرة – منذ تموز 2012- لحظته التاريخية الأكثر شراسة ودموية ويواجه مصيرَه الأخير الذي التقط السارد أبرز ملامحَه القادمة, وهو يسعى إلى تبئير الخيبة والقلق في شخصية- خير الدين – الحلبيّ الغريب في ليالي – شارع بارون – الموحشة " هناك, بين الفراغ والزجاج, راح يسمع ضجيجَ أنفاسه المتعَبة متكوّماً, وصراخَ ضميره المؤلم...أحسّ بخراب الكون, وقد شعر بأن حدثاً جللاً سيداهمُه, ستنتهي كل متعه دفعة واحدة...."- ص 102 - .
يعتمد منظور السرد في رواية – شارع بارون – صيغة الإخبار بضمير الغائب, من قبل سارد ملم بالحكاية كلها. يكتفي بتبليغنا الوقائع انطلاقاً من معرفة كلية مدققة – على مستوى الرصد الخارجي- وإضاءة كاشفة على أفكار ومشاعر الشخصيات – على مستوى الرصد الداخلي النفسي-, من دون أن يتدخل في الأحداث, أو يؤثر على الشخصيات.
- خير الدين- الشخصية الرئيسية في الرواية, والتي يتخذها السارد نقطة تبئير وحيدة – تقريباً- فيرى من خلالها إلى المدينة وناسِها وتحولاتها الدراماتيكية؛ شابٌّ يتيم بدون عمل أو تعليم, بدون إمكانات خاصة تمكّنه من مواجهة مجتمع الرواية المتحوّل المضطرب. هذه الشخصية البؤرية تلتقي فيها وتنطلق من خلالها خيوط الأحداث و وظائف الشخصيات الأخرى, في المنظور الروائي الذي يشخص واقعَ المدينة وأهلها خلال فترة تحولات حاسمة على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لكن الشخصية الأساسية في الرواية هي المكان : – شارع بارون – تحديداً, بوصفه فضاءً عاماً يحتضن محكياتٍ و وقائعَ وشخوصاً مختارة تضيء المآل الاجتماعي والسياسي والإنساني للمدينة .
في عراقة المكان ( شارع بارون) ومحوريته الطبوغرافية والمدينية ( شانزيليزيه حلب كما كان يطلق عليه في أربعينيات القرن الماضي), ما يبرر اتخاذه فضاءً رئيسياً للمحكي ومتخيلات السرد. فهو الشارع الأكثر حساسية ودلالة على التحولات الجارية في المدينة على غير صعيد. واجهة للدهشة والأضواء والصخب والسلطة والحداثة, تخفي وراءها أسراراً وحكاياتٍ ومشاهدَ معتمة من الخيبة والانسحاق والعوز والقلق وغربة الروح والعقل.
وإلى جانب – شارع بارون – كفضاء عام يؤطر وينظم تشكيلَ النص ومحكياته, لدينا أمكنة جانبية رديفة تساهم في تأكيد وإغناء الأبعاد الدلالية والسردية للمكان الرئيسي :
* المقهى التي يتردد إليها – خير الدين- باستمرار, ويتخذها مقراً للتأمل في الذات والآخر, وفضاءً للقاء مع شخصيات قليلة, لكنها نموذجية في دلالتها على مآل الوعي والعلاقات والسلوك في مجتمع الرواية.
* البيت المستأجَر الذي كان يعيش فيه – خير الدين – مع أمه, وما يزال يحتفظ به بعد وفاتها. مكان للوحدة والجوع والغبار والخوف والكوابيس التي تستبطن رهاب الأماكن الغامضة, وعوالمَ الأشباح والجان, والقلق إزاء المستقبل.
* كوخ الحارس الليلي الذي يلجأ إليه – خير الدين – فراراً من وحدته وخوفه, وطلباً لدفء التواصل الإنساني المفتقد. يقضي– خير الدين - الليالي بكاملها مع الحارس العجوز, يتأملان الليل في ساعات انطفاء السوق والأماكن. يلفهما الصمت والوحدة, على هامش الزمان والمكان.

* * *
ينطلق السردُ في ( شارع بارون ) متتبعاً ترددَ – خير الدين- على هذه الأماكن التي تحيل في التمثيل السردي والمشهديّ إلى فضاءات للخوف والخواء...مجال يبتلع أحلامَ الناس البسيطة, و يصرخ في رحابه العجز والقلق والخوفُ من الغد – ص 91-. وحركة – خير الدين- التي تستأثر بحيّز كبير من انشغالات السارد, حركة عبثية مكرورة مغلقة. فضلاً عن أنها حركة مضطربة يلفها الارتباك والتوتر والذعر المستمر. حركة بدون أفق أو معنى " كالمركب الفارغ, طاسة فوق طوفان عكر, يذكر شيئاً وينسى أشياء " ص 43 .
وبمقدار ما يحيل جَوَلان – خير الدين – المستمرّ, إلى جغرافية – خارجية – ترصد ملامحَ المدينة الكئيبة, ومهمّشيها الغارقين في اليأس والقرف والقلق المزمن؛ فإنه يحيل أيضاً إلى جغرافيا داخلية تشخّص أحوالَ الروح وتضاريسَ الوعي في تفاعلهما مع عالم غامض يطلق باستمرار صرخات التحدي التي يمتزج فيها الترهيب بالسخرية, والإغواء بالقسوة. إن مكونات السرد في ( شارع بارون ) تنبني وتتشكل من أجل تشخيص ذلك التفاعل المستمر بين – جغرافيا الأماكن والبشر – وبين – جغرافيا الذات, المأزومة المهزومة في مواجهة عالم غامض ومتحول.
كل شيء في المدينة يتحول ويتغير. بيوت الحارة القديمة تصير أماكن سياحية ( فنادق واستراحات ومطاعم...) وهي توفر مع مرافق الشارع الرئيسي, من مقاهٍ وكباريهات و دور متعة ومحال ألبسة وأكسسوارات نسائية ومكاتب فخمة...الخ, مجالاً تسرح فيه النساء الروسيات والأذريات والأوكرانيات, " ورجال صار باستطاعتهم أن يلبسوا ربطات العنق وجاكتات كحلية, وليظنوا بذلك أنهم أصبحوا رجالاً محترمين " ص 14. وهكذا... كلما انفتح السرد على مشهدية عامرة بالناس والحركة والحياة, تنغلق الذات المسرودة أكثر, وتنكمش وترتد إلى موقعها الرافض للاندماج والانتماء.
" إنه يخاف من الغد و من أي تغير, ويخاف من أي اضطراب. يريد أن يبقى العالم ساكناً, عندئذٍ سيغادره الخوف " ص 33 .
لا يعيد اختبار- خير الدين- المستمر للأماكن والأشخاص إنتاجَ فهمٍ أفضل لحياة المدينة وتحولاتها المستمرة, بل على العكس, فالاختبارُ يضعه أمام عالم يتحول, وكل ما فيه يبدو بهيئة مختلفة وجديدة, لكنها مخيفة منفرة وتبعث على اليأس والشعور بالغربة والخوف " وقف أمام الكباريهات, ومحلات الليل, مرّ من أمام مخفر الشرطة, لا حدّ لخوفه, ولا أحد له" ص 19.
هل يقع الخلل في هذا العالم المتغير الذي يشخّصه السرد من خلال جوَلان – خير الدين – ومشاهداته المستمرة في شارع بارون وحوافه الغامضة ..؟ أم يقع في طريقة وعي الذات بالتاريخ وحركته, و عجزها عن الانتماء والفهم ؟. إن حيادية التشخيص السردي وزهده في التفسير, يوفران إمكانية قراءة الخلل العميق العميم في هذا السياق كله, وعلى الضفتين : عالم المدينة المتحول في شروط العولمة والانفتاح و الفساد والقمع من جهة, والذات الهشة المهمّشة التي تتأمّل التحوّل والتغيير من موقع ارتباكها وعجزها عن الاندماج والفهم من جهة أخرى.

* * *

يبدو الإحساس بالتلاشي والانهيار واقتراب خطر غامض, ثيمة واضحة في تشخيص العالم الداخلي - لخير الدين- وهو يختبر تحولات المدينة ويكتشف وجوده الهش في مواجهتها. ويمكن القول إن - جماليات الانهيار- تتخلل بنية السرد والدلالة في هذا العمل الأدبي من أوله وحتى النهاية. كأن الرواية تنذر بانهيار وشيك...وتحذر من قادم مهول.
* " وجد نفسَه متلاشياً, غير قادر على التركيز, تتبدد أجزاؤه في الهواء وفي عتمة الليل" ص10 .
* " لم يعد يشعر بالأرض, لقد أدرك أنه يتحول إلى هلامٍ دامس. انتابه إحساس بأن أخطار الدنيا لا تنتهي, كان يتلاشى في صدى مجهول " ص 16 .
* " إحساس بالانهيار هبط على كاهله, وصار يرتجف كقصب في الريح" ص 102 .
ومعظم شخصيات – شارع بارون – تعاني من هذا الإحساس بالخطر والضعف والتلاشي. هشة تبدو في فضاء الرواية, ممزقة ومتعبة ومنهارة, لا تستبين طريقاً واضحة نحو مستقبل آمن. وهي فضلاً عن ذلك شحيحة التعبير اللغوي والتواصل الكلامي. ( انظر ص 90 مشهد – خير الدين – والحارس جالسين في كوخ الحراسة ). مما يعكس تفكك مجتمع الرواية وهشاشته وانغلاق أفراده على دواخلهم المحبطة الواهنة. إن ضعف التواصل الكلامي في – شارع بارون- شكل للتحويل الفني الذي يحيل بالتخييل إلى مآلات سقيمة للمجتمع الحلبي الذي لطالما عُرف بالتنوع والانفتاح والغنى الثقافي والحضاري. الحوار في الرواية أشبه بالاستجواب, ولغة الشخصيات تقريرية كأنها تلقي المعنى لتتخلص من عبء حَمْله واحتضان فحواه. يتحدث المرء إلى جليسه وكأنه يناجي ذاته المنهكة. و– خير الدين – نفسه ليس قليل الكلام فحسب, بل إن " كل متكلم يرضه بحكاية أو كلمة...وبكل كلام يكتشف ضعفه" ص33.
المتكلم الأكثر حضوراً في الرواية هو – أبو إسماعيل – الذي يتردد على المقهى, ويجلس إلى طاولة واحدة مع – خير الدين – و – أبو عبدو مجرة – المهووس بالنجوم ورسائلها المستمرة إليه , و – أبو رجب – شريك – أبو إسماعيل – وخصْمه في تجارة العقارات. يلتقي الجميع مراراً في المقهى " وجوههم واجمة, وزجاج المقهى مغبرّ, وتفوح من المكان رائحة عفنة" ص 68 . إن فضاء المقهى في التمثيل السردي مجالٌ تتكشف فيه " مشاكل النصب والكذب... التصقت على – زجاجه المغبش – من الداخل أنفاس الجشع والطموحات الآثمة" ص 78 . و يعلو صوت – أبو إسماعيل – ويطغى على مشهد تحلقهم الكئيب حول الطاولة. وبينما يهذي أبو عبدو حول النجوم والنساء السيئات, يعتصم خير الدين و أبو رجب بالصمت, و " أبو إسماعيل يغلق أبواب الدنيا ويفتح أبواب الجدل " ص 70. لكن جدل – أبو إسماعيل – يحيل إلى خواء الإنسان, وانحطاط العلاقات والسلوك, وصوته العالي الفاجر يشي بعلوّ قيم الربح والكسْب السريع والمضاربة في سوق أرخص ما فيها الإنسان.
لكن في نبرة صوت – أبو إسماعيل – العالية النشاز, ما يشي أيضاً بنزعة عنف كامن يبحث عن تصريف مناسب, يتبدّى في التمثيل السردي على شكل كلام يمزج السخرية الفظة, بالسؤال الاستفزازي والشتائم المهينة التي يوجهها للجميع. والحال أن مجتمع – شارع بارون - عامر بدلالات القسوة والعنف الكامن المضغوط الذي ينتظر فرصة للانفجار. ويجري في الرواية رصدُ مستويات العنف وتعبيراته المختلفة على شكل إضاءات سريعة عابرة, لكنها بالغة الدلالة في تأكيد طابع الخوف والتوتر المهيمن على فضاء المتخيل وشخصياته.
الفتيان يخرجون من السينما وهم يتحدثون بصوت عال عن الفيلم وبطله – جاكي شان-. إنهم لا يميزون بين الفيلم والواقع, كما يقول – رضوان- صديق خير الدين. وشاب مراهق ثريّ, نجح في انتخابات – مجلس الشعب- أوشك على إلحاق الأذى بخير الدين, لأن الأخير دخل عليه في غرفته بالفندق بينما كان يمارس الجنس مع عاهرة رومانية. وقد أفلحت أخيراً توسلات – رضوان – لعضو مجلس الشعب في العفو عن صديقه خير الدين " فهو غشيم وعلى نياته ", ولكن بعد طرده من العمل في الفندق. وفي موقع آخر من – شارع بارون- يقتحم ثلاثة ملثمين مسلحين منزل موظف بسيط, ويعتدون عليه بشكل وحشي, ويغتصبون زوجته الحسناء ذات العشرين عاماً على مرأى منه, ويسرقون ما خف حمله وغلا ثمنه تحت تهديد السلاح.
و – خير الدين – الذي أطلق ساقيه للريح وجرى باتجاه المحرس, وجسمه ينتفض كدجاجة مذبوحة, عندما سمع بقصة الموظف والمسلحين؛ لن يلبث أن يقتحم هو نفسه محل الصائغ خوكان عند الفجر, فيكسر الأقفال والزجاج , ويسرق قطعاً ذهبية, في حالة نزوع غير مفهوم للعنف.
إن السرد لا يلتفت إلا بشكل سريع وخافت إلى إضاءة المستوى السياسي في مجتمع الرواية. لكن تمثيل النزوع نحو العنف وإضاءة سريعة لبعض تجلياته و وقائعه, يحيلان في الدلالات النهائية إلى نظام سياسي استبدادي يحتكم إلى العنف والقمع في علاقته بالمجتمع وأفراده, مما جعل من ممارسة العنف – نموذجاً شائعاً – مختزناً وينتظر فرصته لينتقل من حالة القوة إلى حالة الفعل.

* * *
يفشل خير الدين في إقامة علاقة حب مع صبية يراقبها من مكانه المعتاد بالمقهى, تروح وتجيء بين المكتب الذي تعمل به, وبين مكاتب شركة الطيران السورية. لكنه ينجح في خوض علاقة جنسية مع – الخالة أم إياس – صديقة والدته الراحلة, و والدة صديقه الطيب إياس.
و في الصفحات الأولى من الرواية, ينادي رضوان من الرصيف صديقه خير الدين الجالس في الطابق الثاني من المقهى : " يا غشيم. ما الذي أجلسك فوق..؟ هنا لن تحصل على شيء. ألم تتعلم أن المدينة أقبية ؟ الصفقات المهمة في المدينة تجري في الأقبية, أقبية أمن أو أقبية دعارة ". وتنتهي رواية شارع بارون بنزول خير الدين إلى قبو منزله القديم, متجاوزاً خوفه الذي كان باستمرار يلجمه على الحافة . و مرتجفاً, يعثر خير الدين في القبو على العلبة التي تحتوي كنزاً من المصاغ الذهبي " ثروة كبيرة لم يكن يحلم بربع مقدارها حتى لو عمل طوال حياته" ص 120. يحدق خير الدين مأخوذاً بكنزه الذي حصل عليه, بينما يلتهب المنزل بحريق انطلق إثر سقوط الشمعة من يد خير الدين المرتجفة.
هذه أمثلة عن مفارقات عديدة يتوفر عليها محكيّ الرواية, تسمح بالقول بوجود مستويين للخطاب السردي في – شارع بارون – : المستوى الدلالي المباشر, والمستوى الرمزي الاستعاريّ, الذي يكثف دلالات السرد ويفتح المعنى على أفق واسع من الاحتمالات والتأويلات. إن المراوحة بين المستويين, التي تتم عن طريق استخدام لغة متعددة الأبعاد الدلالية, أو عرض وقائع وأحداث قابلة للتأويل والرؤيا من زوايا متعددة, هي ما يمنح هذه الرواية أهمية فنية ودلالية كبيرة, خاصة في إحالتها إلى سياق تاريخي واجتماعي مأزوم ومحطم إلى درجة الانهيار.

ترسم الرواية بين مبتدئها ومنتهاها, بين مستوى الواقع ومستوى الاستعارة, حكاية الخوف والعجز في مواجهة عالم يتحول ويضطرب في القسوة والجشع. الإنسان يتلاشى, ويستبدل بالحب علاقة جسدية بدون أفق. أما الكسب فيأتي عن طريق الصفقات في الأقبية المتعددة الوظائف والغايات. كان – باشلار – قد رأى في القبو " الهوية المظلمة للبيت". وقد ألمح رضوان أيضاً إلى أن الأقبية هي الهوية المظلمة للمدينة, لكنها الهوية الفاعلة المعتبرة, التي تمنح صاحبها موقعاً وسلطة. ودعا خير الدين بحماسة واضحة إلى النزول إليها.
لقد تجاوز خير الدين أخيراً خوفه الذي كان يلجمه ويبقيه مسمراً على الحافة, كما يقول السارد. ولكن بأي اتجاه..؟. وحصل على الثروة. ولكن بأية طريقة..؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب من سوريا.

محمد حيان السمان
(113)    هل أعجبتك المقالة (118)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي