أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حزب الله - آه على آه ... عمار ياسر الحمد

في أقل من أربع وعشرين ساعة من الأسبوع الماضي ألقى نصر الله والمالكي خطابين يحملان نفس المضمون, وهو التهديد بحرب طائفية تطال المنطقة كلها ولا تنتهي. كان نصر الله أوضح بالنسبة للموضوع السوري حيث قال إنه مع أصدقاء النظام السوري لن يسمحوا بسقوط سوريا أو كسر محور الممانعة والمقاومة بيد الأمريكيين والإسرائيليين والتكفيريين.
لم تكن تصريحات السيد حول الوضع في سوريا مفاجئة للمراقب فما يحدث على الأرض وما تقدمه إيران من دعم مادي وعسكري وأمني وما سبق من تصريحات لمسؤوليها يدل على ذلك بكل وضوح, وما نعرفه من الداخل أن ايران وحزب الله يقودان الحرب ويحاربان بجنودهما على الأرض, فالجيش السوري لم يعد قادراً على خوض معركة برية وانحسرت إمكاناته في القصف من بعيد.
المفاجئ في تصريحات السيد هو الكشف عنها بكل هذا الوضوح ورَْكن النظام السوري جانباً ليمارس دور البطل الثاني في أحسن الحالات, واتباع سياسة اللعب على المكشوف,وهذا يدل على أن ايران قد أدركت تماماً أن النظام السوري قد انتهى, وأن الجيش السوري قاب قوسين أو أدنى من انفراط عقده فمن ليس محجوزاً من غير أصحاب الولاء الشديد من عناصره داخل الثكنات فهو مشروع للانشقاق في أية لحظة, حتى العلويون منهم الذين لم يتورطوا في العمليات العسكرية الكبرى,وكذلك تململ قيادات البعث من تورطها في معركة لم يقرروا خوضها ولم يكونوا أحد لاعبيها ولا المستفيدين من نتائجها لكنهم سيكونون حكما أحد ضحاياها.
التصريحات الأخيرة رسالة واضحة للعالم أن من يريد الحل في سوريا فعليه أن يطرق البوابة الايرانية, فإيران هي بيضة القبان وهي الحصان الأسود في المعادلة ان لم تكن الآمر الناهي في السألة السورية بدعم روسي كامل وتردد أمريكي غربي كامل وعجز عربي كامل, أما المعارضة السياسية السورية فتبين أنها أقل من أن يُنظَر اليها كطرف ذي أثر.
إيران تدافع عن حدودها ومشروعاتها التوسعية والعسكرية والنووية على الأرض السورية وهذه لعبة السياسة ولا أخلاقيتها معاً, لا تُلام إيران سياسياً على ذلك وإنما يقع اللوم على من لا يجيد شروط اللعب.
لا شك أن أمريكا والغرب لا يريدان لإيران أن تكون دولة نووية قوية فهذا يناقض المشروع الغربي في المنطقة في الإبقاء على التفوق الإسرائيلي النووي,لكن الغرب وفي نفس الوقت لا يريد لإيران أن تكون دولة ضعيفة, فإيران القوية مهمة لموازنة دور باكستان وأفغانستان وتركيا ودول الجوار الروسي, وللتهديد المستمر لدول الخليج العربي حتى تبقى هذه الأخيرة تلوذ بأمريكا للدفاع عنها وتبقى خزائنها مفتوحة لشراء السلاح الغربي غير القابل للاستخدام.
إيران القوية القومية التوجه والطموح والمذهبية الشكل مهمة لأمريكا لإبقاء حالة الفوضى وعدم الانسجام المجتمعي في العراق ولبنان وقريباً في سوريا, والتوتر الدائم في دول الخليج العربي.
لا تُمارس إيران السياسة بطفولية المعارضة السورية ولا بعناد النظام السوري ولا يالأحلام والآمال العريضة الوهمية للأنظمة العربية, لكن تمارسها ببراغماتية مقيتة تُدافع فيها عن مصالحها كاملة بينما يُدافع العرب عن مصالح أمريكا, لذلك تسخِّر إيران كل إمكانياتها وتلعب كل الأوراق الممكنة.
ومع إدراك القيادة الايرانية لزخم الربيع العربي وتمدده وجديته وتأييدها له وعدم إمكانية الحفاظ على النظام السوري كما كان عليه قبل بدء الثورة فقد صبَّت كلَّ جهدها لإطالة أمد الصراع لإرهاق الأطراف المتصارعة والوصول بالبلد الى حالة من التمزق والفوضى تكون إيران فيها هي المستفيد الأكبر.
إن إطالة أمد الصراع قد جاءت على هوى إسرائيل والقوى الكبرى في تدمير سوريا وتحويلها إلى دولة فاشلة تعمُّها الفوضى دون أن تخسر شيئاً.
إن التدمير الحاصل في سوريا والقتل اليومي لم يكن عملاً عبثياً بل خطة ممنهجة للوصول بالبلد إلى حالة الشلل الكامل, وتحويل النزاع إلى نزاع طائفي, فتدمير المساجد والكنائس والمعالم الحضارية والتاريخية, واستهداف فئة معينة من السوريين بالقتل بطريقة غريبة عن ثقافة المنطقة, إنما هو لإثارة مشاعر الناس ودفعهم إلى طريق اللاعودة والتكتل باتجاه الحرب الطائفية, وقطع كل طريق أمام دعاة اللاطائفية والحلول السياسية, وتوريطهم في ضرب الحواضن الشعبية للهيكل العصبي للنظام في تجمعاته في قرى ومدن الساحل السوري, ليفتح المجال للنظام في تشكيل ميليشيا عسكرية مسلحة قوية وتابعة لإيران, تسيطر على جزء من الأرض السورية وتكون قادرة على فرض رأيها على سوريا القادمة, ومنعها من الاستقرار.
إن أي حل سياسي في المرحلة الراهنة لا يُرضي إيران لأنها لم تستكمل بعد بناء المليشيا وتحرير المناطق التي تريد أن تقيم عليها ملعبها الجديد, كما أن الاستقرار سيقيم دولة سيدة ترفض الإملاءات الخارجية , والولاءات غير الوطنية,و لا تقبل بوجود طرف يحتكر السلاح على أراضيها ويفرض رأيه عليها.
إننا لانبني موقفنا ضد إيران أو حزب الله من منطلق ديني, فالمذهب الشيعي مذهب إسلامي يعتنقه عُشر المسلمين , وسواء اختلفنا أم اتفقنا معه فهو موجود وقد عمل علماء المسلمين قديماً وحديثاً على تقريب وجهات النظر دون جدوى ما دامت السياسة هي الحكم والمُتحكِّم.إن موقفنا من إيران وحزب الله يجب أن يكون من منطلقات سياسية ووطنية حتى لا تنحرف بوصلة الثورة من معركة ضد نظام استبدادي في سبيل الحرية والكرامة والديموقراطية يؤيدها العالم, إلى معركة دينية طائفية تقتل الثورة وأهدافها.
لقد أيَّد السوريون بكل أطيافهم حزب الله ودعموه ودافعوا عنه عندما كانت معركته ومعركتنا واحدة وهي العدو الإسرائيلي, واستقبلنا لاجئيه دون إثارة للأسئلة الطائفية لأن المنطلق الوطني الأخلاقي هو الغالب على تكوين السوريين. لم يتغير الموقف اليوم فحزب الله مازال حزباً بمرجعية إسلامية شيعية, وما زلنا سوريين بمرجعية وطنية غالبة وأكثرية إسلامية سنية, الذي تغير في الموقف هو أن حزب الله استبدل أو باع ولاءه الوطني بولاء خارجي غير وطني , وخالف بين أولوياته النضالية فأصبح دفاعه عن نظام استبدادي إجرامي لتحقيق هدف إيراني قومي توسُّعي, مقدَّماً على نضاله ضد إسرائيل, أي أن أولوياته وولاءاته انقلبت من ولاءات وطنية بمرجعية إسلامية شيعية تجد لها مبرراً وطنياً وحتى اسلامياً, إلى ولاءات خارجية بمرجعية إيرانية طائفية , حتى شكَّك الكثير من صدق شعاراته و نضاله السابق ضد إسرائيل. وهذا هو الفرق بين كونه حزباً شيعياً إسلامياً يمثل الشيعة الموجودين على أرض الوطن(لبنان) منذ مئات السنين ومتعايشين إلى حد الاندماج مع باقي مكوناته, وبين كونه حزباً شيعياً طائفياً, في الأول يكون الولاء للوطن, وفي الثانية يكون الولاء لإيران و للولي الفقيه الذي يستخدم المذهب تقيَّة لتبرير الطموحات القومية التوسُّعية لإيران, وهذا ما يناقض الدين ويكون حامله أول ضحاياه.
لم تستثمر ايران كثيراً في سوريا عسكرياً أومادياً قبل الثورة فتلاقي المصالح كان كبيراً, فالنظام السوري منذعهد الاسد الأب كان محتاجاً لإيران الثورة الإسلامية لتثبيت أركان حكمه التي تعتمد على إثارة القلاقل داخل البلدان المجاورة والضرب على وتر القضية الفلسطينية وإزعاج الأنظمة العربية القريبة من أمريكا والمتصالحة مع إسرائيل, كان استثمار إيران الحقيقي والضخم في المنطقة هو حزب الله لذلك كان القرار الإيراني بعد اندلاع الثورة والإقتناع بعدم إمكانية الحفاظ على نظام الأسد هو دفع البلد إلى حالة اللااستقرار التي تبقى فيها لايران موطئ قدم قوياً يتواصل مع حزب الله الذي يمد أذرعه في كل اتجاه مدغدغاً اسرائيل ومزعجاً العرب ومحافظاً على حالة اللا استقرار اللبنانية., لذلك تعمل ايران على الإبقاء على حبل سري في سوريا يربطها بحزب الله ولا يكون ذلك الا بعرقنة أو لبننة سوريا.

(95)    هل أعجبتك المقالة (88)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي