تجمَّعَ بضعة مثقفين سوريين شجعان أمام مبنى وزارة الداخلية في العاصمة دمشق، ورفعوا لافتات نادت بالحرية لأبناء سوريا والمساواة، بين جميع مكونات شعبها.
حادثة بسيطة ساعدتْ، مع غيرها، في اشتعال ثورة عارمة في البلاد، وجذبت إليها العديد من فئات الشعب بين مؤمن بفكر الثورة ومتعاطف مع ضحاياها.
وبما أن انتشار مظاهرات- كهذه- في سوريا تنادي بإسقاط النظام الشمولي ومحاسبة رموزه لم يكن في السابق- قبل قيام الثورات العربية- أمرا يخطر على بال معظم السوريين، بالتالي فالثورة لم تكن أمراً مدروساً أو مخططاً له، لكن هذا لا يعني أنه لم يوجد سابقاً، في سوريا، أفرادٌ معارضون، أو جهاتٌ معارضة، عانى شخوصها ما عانوه من سنوات اعتقال طويلة، أو نفي خارج البلاد.
بعض هذه الجهات، وخاصة تلك التي كان لها كيان يشبه الكيانات السياسية، ولها ارتباطات إقليمية وعربية، وجدت في قيام الثورة السورية فرصة لها للعودة إلى أرض الوطن، ومزاولة عملها السياسي، فساعدت في تغطية الثورة الشعبية، في بداياتها، وأنشأت بعض الشبكات الإعلامية والمواقع الإلكترونية التي تبث أخبار الثورة، واستفادت من جهود بعض الناشطين المدنيين الذين لم يجدوا منبراً لإيصال أخبار ثورتهم للعالم سوى هذه المواقع والشبكات الإلكترونية.
ولكن المواقع والشبكات ما لبثت أن اتخذت توجهاً يجمع بين مهاجمة النظام من جهة، وخدمة تيار معارض معين من جهة أخرى، بغض النظر عن باقي التيارات، ووصلت إلى حد أنها كانت تغفل، في بعض الأحيان، أهداف الثورة الأساسية في الحرية والديمقراطية وضرورة إقامة نظام مختلف يُرضي تطلعات الشعب السوري بأكمله.
لا تتوقف خطورة هذه الأجسام السياسية، رغم انتشارها، وهيمنتها على بعض قنوات الإعلام وعدد من الصفحات الإلكترونية، بل إن المشكلة الحقيقية تكمن في امتدادها وتوسعها لتصبح قادرة على (بلع) كل تجمع أو تشكيل معارض يحاول أن يرى النور.. وفي سيطرتها على معظم قرارات هذا التجمع أو التشكيل.. وكأن الثورة السورية لم تقم إلا لإعادة هذا الكيان السياسي لأرض الوطن وتسليمه مفاصل الحكم!
هذه التطورات وضعت الشعب السوري بين خيارين لا ثالث لهما، فإما الوقوف مع نظام شمولي يقتل شعبه، أو الذهاب إلى نظام جديد لا تمثل اتجاهاتُه الفكرية معظم أبناء الشعب السوري. هذه الثنائية أخافت جزءاً كبيراً من السوريين، وجعلتهم يعانون من الحيرة والتردد، ثم آثروا التزام الصمت في مقابل ذلك.
لذا.. فقد بات لزاماً على معارضتنا الحكيمة أن توجد لنا خياراً جديداً يمثل رأي تيار واسع من السوريين، وينقذ ما يمكن إنقاذه لما تبقى من أحلام شعبنا وتطلعاته.
نريد كياناً سياسياً معارضاً يمثل متطلبات الشريحة الحائرة (الواسعة فعلياً) من السوريين.. يمكن أن يُخرجها عن صمتها، ويجعلها تنخرط في ثورة الشعب، فهي، أخيراً، ستجد مَنْ يمثلها، ويحقق أهدافها في خضم هذه المتناقضات التي وجدت نفسها ضمنها وشعرت أنها غير ملزمة بالقبول بأي من شعاراتها، أو توجهاتها.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية