مقدمة : كتبت من قبل ستالين يذهب إلى درعا , باكونين يذهب إلى درعا , هذا هو الجزء الثالث من الملهاة السورية , ما يزال أمامنا الكثير , يوما ما سيكتب أحدنا المذكرات الأخيرة لدون كيخوت السوري , و لسبارتاكوس الذي لا ينتصر و لا يموت
كان الجو مشبعا بالانتظار , أشاع النظام و شبيحته أن مجزرة جديدة ستقع , أن الجيش الحر سيدخل المدينة و سيقتل الجميع .. انتشر الشبيحة في كل مكان , هرب الكثيرون , بقي البعض , و بقيت أنا .. عندما طرقت ذلك الباب أول مرة , ظهر وجهها من وراء معدنه الكئيب , كانت تبتسم .. و وجدت يدها تحتضن يدي , دخلت , عرفتها عن نفسي , ثم جاء والدها , و بعده أختها الصغرى .. أحسست بحذر هائل و بشيء من الخوف , صديقي مات هنا , قتل هنا , و ها أنا ذا في نفس المكان , أبحث كما كان يبحث , عن ملجأ .. كان طيف صديقي يكتم أنفاسي , و لم أتخلص منه إلا عندما لفظت اسمه في وجوههم .. غابت الابتسامة عن وجهها , و بدا لي أن أختها أيضا قد أصبحت أكثر حزنا .. لكني لم أسأل عن شيء , اكتفيت بالصمت .. بعد يومين أو ثلاثة , كانت ابتسامتها تلاحقني في كل مكان , و صورة صديقي أيضا , لأجدها في حضني , ثم لأجد نفسي في فراشها , و تساءلت و أنا ممدد بجوارها : هل جئت هنا لأعرف من قتلك أيها الصديق ؟ كانت عيناها تسألاني نفس السؤال , لكن أختها بصقت ذلك السؤال في وجهي مباشرة , بكثير من الألم و التوتر , لكني ببساطة لم أكن أعرف الجواب .. أصبح القصف يوميا , النظام يشيع أن الجيش الحر يقصفنا بالهاون من قرية مجاورة .. في ذلك اليوم سقطت قذيفة داخل البيت , انفجرت الدماء من ساقها , و رأيت وسط الدماء عظما أبيضا مكسورا , حملتها , مع ساقها النازفة , و ركضت بها إلى المشفى البعيد .. كانت تصرخ بي أن أتوقف , قالت لي أنها تريد أن تموت , أخيرا قالت لي أنها تخشى علي , أنني مطلوب و لا يجب أن أمشي هكذا في الشوارع .. لم أكن أصغي إلا للدماء النازفة من ساقها , كنت كمن انتابته نوبة من الجنون .. ربما كانت تلك الدماء هي جواز عبوري عبر حواجز الأمن و الشبيحة العديدة .. في المستشفى , ودعتها بصمت , و هي أيضا ودعتني بصمت , رأيت في عينيها شكرا ما , لوما ما , غضبا ما , و شيئا آخر لم أره من قبل .. وصلت البيت المحاصر بنفس طريقة خروجي منه , كأن شيطانا ما يرافقني أو كأني أنا ذلك الشيطان , كان رجال الأمن و اللجان الشعبية يكتفون بالنظر إلي بحزن .. كانت أختها تبكي , لكنها بعد بعض الوقت بدأت تتحدث , سألتني عن سر تصرفي الغبي هذا , و عندما لم أجبها غضبت , همت بضربي , سألتني : ألم أسمع بتلك الشائعات التي زعمت أن أختها هي من سلم صديقي للأمن , قلت لها أني سمعتها , عندها صرخت في وجهي هل أنا مجنون ؟ آتي للبيت الذي قتل فيه صديقي طالبا الأمان , و أتجول في الشوارع وسط رجال الأمن و الشبيحة حاملا امرأة تموت ؟ .. عندما عادت إلى البيت كان جسدها محموما , و كان جهازا معدنيا غريبا ملتصقا بساقها المكسورة , أصبحت عيناها أكثر جنونا و حزنا , كانتا معلقتين بي دائما , و سرعان ما اعتدت على صفائهما الجديد .. قالت لي أختها بغضب أنني شرير , أنني خططت و تآمرت لكي أملك قلب أختها , أنني جعلتها عبدة لي .. في ليلة باردة التصقت بجسدها المحموم , كانت بين ذراعي كقطعة نار تذوب و هي تصرخ .. و في الصباح التالي ماتت .. بقيت أنا و أختها الصغرى , بعد ثلاثة أيام من البكاء , بينما كان عيناها و صوتها غارقين في الدموع , قالت لي في حالة كالاعتراف , أن أختها قد أحبتني حقا .. و فجأة انفجر شيء ما داخلها و بدأت تهذي , قالت لي أن صديقي لم يكن ملاكا , أنه نام أولا مع أختها , ثم نام معها , و وعد كلا منهما بالحب و الأطفال , بالسفر إلى بلاد بعيدة و بألوان لم يرها أحد .. و عندما اكتشفتا الخديعة قررتا قتله , ذبحا .. مات صديقي هنا , على هذا الفراش , اعتقد الجميع أن الشبيحة هم من قتله لأنهم وجدوه مذبوحا من الوريد إلى الوريد .. بدأ الطرق على الباب , لم يكن الطارق يطلب الإذن بالدخول , كان يريد تحطيم الباب , هل اكتشفوني ؟ أم أنها المجزرة الموعودة ؟ كانت أختها نائمة أمامي , بصمت , بوداعة , كأن هذه الضجيج لا ينتمي لعالمها أو أنها لا تنتمي إليه , تأملت وجهها بهدوء , أصبحت الطرقات على الباب مثل طلقات الرصاص , و دوت معها أيضا صرخات مجنونة ماجنة , بقيت عيناي معلقتان بوجهها , و أحسست بطيف أختها إلى جانبي , فجأة شعرت بالهدوء في المكان , حتى تلك الضربات المجنونة على الباب بدت جزءا من ذلك الهدوء , أغمضت عيني بصمت , رأيت وجوها مذبوحة و سيقانا مكسورة و عيونا تبكي و نساءا تحلم بالسفر إلى بلاد بعيدة و بألوان لم يرها أحد , رأيت وجه صديقي و لأول مرة كان قبيحا , كانت الطرقات على الباب و الصرخات القادمة من ورائه قد أصبحت كدوي المدافع , لكن الهدوء بقي سائدا على كل شيء
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية