ربما نكون في هذه الأيام من أكثر الأيام التي نحن بحاجة فيها إلى العودة إلى كتاب الله تعالى وإلى ما فيها من آيات التثبيت والتمكين لأهل الإيمان .. وبأن النصر والفرج – بإذن الله تعالى - آتٍ لا محالة .. لكنه التمحيص والتمييز الذي أراده رب العالمين لعباده في هذه البلاد ..
ربما يكون الشيطان في هذه الأيام أكثر من غيرها يعمل ويعمل على إيقاع العباد – وخصوصاً المؤمنين منهم – في فخ الاعتراض على قضاء الله تعالى وقدره في بلادنا .. إن لم يكن بلسان المقال فربما بلسان الحال .. وكثيراً وللأسف الشديد ما نسمع ذلك من بعض الناس اعتراضاً على ما يحدث في بلادنا جهاراً نهاراً .. إن لم يرافق ذلك - والعياذ بالله تعالى كفراً بواحاً - ..
كم أشعر بالخجل من رب العالمين عندما يحضرني عتاب الله تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب بقوله تعالى : (( .... وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا )) .. وكأنه عتابٌ لنا نحن في هذه المحنة التي نعيشها .. فيتبعها عندئذٍ قوله تعالى : (( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا )) .. إنه الابتلاء الذي لابدَّ منه للمؤمنين ..
كم أشعر بالخجل من رب العالمين عندما يتنازعني فيها بعض التساؤلات .. متى يا رب .. متى ننتهي من هذا التشرد ومن هذا الحال الذي نعيشه .. فعندئذٍ يأتيني الجواب من الباري عزَّ وجلَّ بقوله جلَّ شأنه : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمَّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم .. مسَّتهم البأساء والضرَّاء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله .. ألا إن نصر الله قريب ))
عندما أقرأ قوله تعالى : (( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرَّعوا ولكن قست قلوبهم وزيَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون )) فأقول : ها قد جاءنا بأسك يا ربنا .. وها نحن نتضرَّع إليك بأحبِّ أسمائك إليك .. فاكشف الغمَّة عن بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين .. ونعوذ بك أن نكون ممن قست قلوبهم فتمكَّن الشيطان منهم فأرداهم إلى غضبك وسخطك ..
أقرأ قول الله تعالى : (( حتى إذا استيأس الرسل وظنَّوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنُجِّي من نشاء ولا يُردُّ بأسنا عن القوم المجرمين )) فأعلم أنه حتى الرسل لم يسلموا من تيئيس الشيطان لهم .. لأن اللغة العربية تعلِّمنا أن الألف والسين والتاء إذا دخلوا على الفعل فإن ذلك يعني طلب الفعل .. إذ حاشا للأنبياء والرسل ان ييأسوا من رحمة الله تعالى ومعيَّته .. فأعلم أنه عندما يبلغ فعل الشيطان قمَّته بالتيئيس يأتي الفرج والنصر من عند الله وحده ..
ولكنني أخشى ما أخشاه أن نكون ممن انطبق عليهم قوله تعالى : (( وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمَّرناها تدميرا )) ..
يجب أن نعترف أننا في هذه البلاد قد جاوزنا كل الحدود في ابتعادنا عن منهج الله تعالى ..
يجب أن نعترف انه ما نزل عذابٌ على قومٍ إلا بذنب .. وما نُزع إلا بتوبة ..
يجب أن نوقن كل اليقين أن الله تعالى ليس بظلاَّمٍ للعبيد .. وأن الأمور من بدئها وحتى انتهائها – وعن قريبٍ بعون الله – إنما هو بحكمةٍ بالغة من الله تعالى ..
يجب أن نوقن كل اليقين أن مفتاح الحلِّ بأيدينا نحن .. وذلك بمقتضى وعد الله تعالى لنا : (( إن الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم ))
نعم .. ينتابني اليأس وفقدان الأمل بالفرج في بعض الأحيان عندما أرى بأم عيني كيف يتهرَّب أحدهم من إيواء ابن أخيه وأمِّه الأرملة ريثما ينتهي القصف والضرب في أحد الأحياء ..
ينتابني اليأس وفقدان الأمل عندما أسمع باستيلاء بعض العائلات على بعض البيوت .. رغم أن أصحابها مقيمون فيها إلا أنهم خرجوا منها لبعض شؤونهم ليومٍ أو بعض يوم .. فاستغلُّوا مغادرتها لهم واستولوا عليها ..
ينتابني اليأس وفقدان الأمل عندما أرى مشاجرة بين بعض الرجال لأتفه الأسباب .. لا يخلو فيها من كلامٍ أقلُّ ما يقال عنه أنه يُبكي الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره الشريف ..
ينتابني اليأس عندما أرى بعض الناس يتعدَّى على حقوق جاره بدعوى البحث عن الرزق فيفتح المحال التي تكون سبباً لأصحاب النفوس الضعيفة في تسهيل السرقة من هذه البيوت ..
ينتابني اليأس عندما أرى تجار البيوت يستغلُّون حاجة الناس إلى البيوت والمأوى فيرفعون بالأسعار .. لأنه لا رقيب ولا عتيد من أحدٍ في هذا المجال ..
ولكن لا يلبث الأمل أن ينبعث من جديد عندما أرى أيضا أناساً آخرين ممن فتحوا بيوتهم للمحتاجين الذين أجبرتهم الظروف على الخروج من بيوتهم .. منهم المريض ومنهم المصاب .. بكل بشاشةٍ وطيب نفس .. حتى يكاد يصير أهل البيت أنفسهم ضيوفاً عند هؤلاء الضيوف .. ولسان حالهم قول الشاعر : " يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل "
لا يلبث الأمل أن ينبعث من جديد عندما أرى الكثير من الجمعيات الخيرية التي يتفانى القائمون عليها في تقديم يد العون والمساعدة للفقراء وأصحاب الحاجات .. وخصوصاً عندما يكون الغالبية من العاملين عليها من فئة الشباب ..
لا يلبث الأمل أن ينبعث من جديد عندما أرى كيف يقوم بعض الجيران بخدمة جيرانهم وإغاثتهم في أحلك الظروف .. وتفقُّد أحوالهم من الحاجيات الضرورية وخصوصاً النساء الأرامل منهم دون أن يطلب أحدٌ منهم ذلك بشكلٍ مباشر ..
إذا كان هناك صوراً مظلمة لأنماط بعض البشر .. فإنه لا يزال هناك الكثير والكثير من الصور المشرقة لأنماطٍ أخرى من عباد الله .. فأمَّة محمد لا يزال فيها الخير إلى يوم القيامة .. حقاً : " الخير فيَّ وفي أمَّتي إلى يوم القيامة " صدقت يا رسول الله ..
-----
كاتبة من حمص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية