أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صاحب "إجاك الدور يا دكتور".. أريد ان أصبح ضابطا لأتعامل بلطف مع اي ثورة مستقبلية!

كشفت شهادة فتى سوريا الأشهر عن حقائق كثيرة أحاطت بمقدمات الثورة السورية، وأهمها هوس أمن بشار بـ"الجهاديين" حتى قبل أن تكون هناك ثورة ولا ثوار، وتفانيهم في فرض وحشيتهم لقمع أي صوت مناهض، وصدمتهم من أن يجرؤ أطفال صغار على تحدي النظام.

الفتى بشير أبازيد، صاحب شعار "إجاك الدور يا دكتور"، صور في حواره المطول مع "ديلي ميل" البريطانية، ما مر به وأصدقاؤه من معاناة وتعذيب عصي على الوصف، قائلاً في ختام كلامه إنه يرغب بأن يكون ضابطاً في الجيش، حتى يتعامل بمنتهى اللطف مع أي ثورة مستقبلية!!

كان يوما مثالياً لمراهقين أن يلحقوا دوام المدرسة بلعبة كرة القدم، مثل ملايين الأولاد الآخرين حول العالم. بعد اللعبة، جلسوا حول للدردشة ورواية النكات، وأعينهم على شاشة التفلزيون ترقب تقارير الثورات الذي اندلعت في مصر وليبيا.

كانوا 7 أولاد توطدت بينهم صداقة حميمة، فقد كبروا سويا في نفس شوارع درعا. تحدّثوا عن الثورات وإحباطهم من السوريين، الذين حكمتهم عائلة الأسد القمعية 4 عقود.

فجأة، لمعت في ذهن أحدهم فكرة كتابة بعض الشعارات على جدران المدرسة، وانتظروا حتى حلت العتمة، وفي ليل فبراير/شباط قبل سنتين، انسلّوا إلى باحة مدرستهم وبدأوا بكتابات شعارات الاحتجاج.

بشير أبازيد (15 سنة حينها) تولى كتابة الشعار الشهير بشكل بارز وضخم "إجاك الدور يا دكتور"، متحدّيا رئيس سوريا الاستبدادي بشّار الأسد، الذي تدرّب كطبيب عيون في لندن.

كان بشير يكتب شعاره، بينما تولى رفاقه الآخرون عملية المراقبة، وقد كتب زميل آخر لبشير عبارة شبيهة تقول "يسقط بشار الأسد".

بعد أن فرغوا من كتابة الشعارات، توجه الأصدقاء المتحمّسون إلى البيت، يقول بشير: كنّا نضحك وننكّت طوال الوقت، لقد كانت نوعا من اللهو.. لكننا اليوم لا نضحك.

قوّات الأمن المسعورة، التي يقودها ابن خالة بشار مفرط الهمجية "عاطف نجيب"، ردّ بوحشية على حركة هؤلاء المراهقين ما أشعل شرارة الاحتجاج في درعا، ثم انتشرت الثورة عبر سوريا.

الآن، للمرة الأولى، يسجل واحد من "أطفال درعا" شهادته ويخبر القصّة الكاملة لتلاميذ المدرسة، الذين غيّروا مسار تاريخ البلاد.

قابلت بشير في الرمثا, بلدة أردنية قرب الحدود مع سوريا، عائلته هربت من هناك قبل 7 أسابيع.. إنه مراهق ودود، يبلغ الآن 18 سنة وقد نمت لحيته، كان بشير الأصغر والأذكى من بين 4 أولاد تحدروا من عائلة تقليدية، وهو الوحيد الذي بقي يواظب على الدراسة، طامحا بأن يصبح ذات يوم مهندس حاسوب.

صباح اليوم التالي صعق مدير مدرسة بشير بالشعارات، استدعى المدير الشرطة فورا، وقام هؤلاء بجمع كلّ تلاميذ المدرسة، ثمّ أخذوا عينة عشوائية للاستجواب.

من بين المجموعة كان "نايف"، واحد من أفضل أصدقاء بشير، ومشارك في عملية الشعارات، تعرض الفتى الفزع للضرب، فباح بسرعة باسم صديقه.

توارى بشير عن الأنظار ليومين، لكن والد نايف وجده أخيرا واستجداه أن يذهب إلى الشرطة، التي وعدت بإطلاق سراح كلا الولدين بعد أن يجيبوا على بعض الأسئلة!

أفراد من عائلة بشير، طلبوا منه أن لا يسلم نفسه، "لكنّي بدوت مذنبا ومسؤولا عن صديقي، وإذا أنا لم أسلّم نفسي، فقد لا يطلق سراحه"، يقول بشير بمنتهى الرجولية.

على باب مركز الشرطة، قابل بشير مجموعة من رجال الشرطة الذين لمحوا له بأنه كان ينبغي عليه الهرب خارج البلاد، "سألوني إذا كنت مجنونا، إلى درجة جعلتني أشعر أني ارتكبت خطأ فادحا".

خلال دقائق أدرك بشير فداحة خطيئته، تمت تعريته وتفتيشه بدقة، ثمّ أعيدت له ملابسه الداخلية وقميصه، واقتيد إلى سرداب حيث بدأ ثلاثة من الرجال حفلة تعذيبه، كانوا يضربونه بالكابلات ويعرضونه لصدمات كهربائية.

ولأن أمن بشار خاف من تكون هذه الومضة الأولى للربيع العربي في سوريا، فقد نقل الفتى بشير على عجل إلى مقر الاستخبارات العسكرية في السويداء، على بعد نحو ساعة شرق درعا، حيث قضى هناك 6 أيام.

معصوب العينيين ومكبل اليدين، تم وضع بشير في الدولاب، ليتلقى لسعات السياط والكابلات، وقد ركزوا على يديه اللتين كتبتا الشعارات المناهضة لبشار، حتى تشققت راحتاه وسقطت أظافره.

يقول بشير: اعتقدت بأني لن أخرج أبداً، كان التعذيب عنيفاً جداً، وقد كنت أتمنى الموت للتخلّص من الألم.

أطلق المحقق في وجه بشير سيلاً من الأسئلة، سأله إن كان هناك أحد متورط غيرهم، ومن وراءهم، وإن كانوا "جهاديين"!!

انهار الفتى بسرعة، وباح بأسماء أصدقائه، لكنهم لم يصدقوا روايته، وأصر أمن بشار على أن وراء الحكاية أناساً أكبر سناً، ولذا باح بشير ببضعة أسماء من هؤلاء على أمل وقف معاناته، كنت مستعداً لقول أيّ شيء، فكل ما كنت أريده أن يبعدوا عني تلك السياط.

جمع أمن بشار الناس الذين باح الفتى بأسمائهم تحت التعذيب، ومن ضمنهم 3 من أبناء عمه، وخلال 3 أيام تم اعتقال 24 شخصاً على ذمة القضية، لكن 4 من شلة الأولاد السبعة لم يتم الإمساك بهم أبداً.

خلال الأيام الستّة التي قضاها في معتقل الاستخبارات العسكرية، لم يتح للفتى بشير أن يرى صديقه نايف، لأنه كان معصوب العينين، لكنه كان يستطيع تحسس أقدام زميله التي تورمت وسالت منها الدماء. 

مرة من المرات، أخبر الجلادون الفتى أنه سيقومون بتجربة، قيدوا يديه حول أنبوب حار فوق رأسه، قبل أن يزيحوا الكرسي الذي يقف عليه الفتى، وكان على بشير أن يواجه خيارين فظيعين، إما أن يمسك الأنبوب الملتهب فيحرق يديه أو يبقى معلقاً من رسغيه حتى تتقطعا، وانتهى به الأمر ليكون معلقاً كالذبيحة.

بعد أن وقّع بشير ونايف على الاعترافات، ووضعوا عليها بصمات أصابعهم المدمّاة، تم نقل الولدين إلى في حافلة مظلّمة إلى العاصمة دمشق.

وصلا إلى فرع أمن فلسطين، الفرع الأكثر رعباً، يقول بشير: لقد كانت الأمور تسوء أكثر فأكثر، وكنت أتمنّى لو تم إرجاعي في السويداء.

أخذ الفتى فوراً لمقابلة رئيس الفرع، الذي سأل بشير عن فحوى ما كتب على الحائط، وما إن تلفظ بالعبارة، حتى تلقى صفعات عنيفة من الضابط.

عندما أزيلت العصابة عن عينيه أخيراً، شعر بشير بالبهجة وهو مع نايف في زنزانة واحدة، رغم أنّه صدم من رؤية جروح صديقه النازفة، وشحوبه ونحوله.

يقول بشير: أول شيء قاله لي أنه آسف جداً لإعطائهم اسمي، فهوّنت عليه، وما هي إلا دقائق حتى انخرطنا سوياً في البكاء، وكان نعتقد بأن هذه نهاية حياتنا.

بعد نصف ساعة سحب الولدان لحفلة تعذيب قاسية، وكان بشير يظن أنه لن يطلق سراحه حتى يبلغ الستين من عمره ويشيب شعره، فقد تواصل التعذيب لمدة 24 يوماً، وكان يزداد وحشية وتغولاً.

اعتقل أمن بشار فرداً من عائلة بشير، هو ابن عمه نضال، الذي أراني كيف فقد 5 أسنان عليا تم تكسيرها خلال جلسة تعذيب واحدة، أما ابن العم الآخر "مصطفى" فأخبرني بأنّ أعضاءه التناسلية كهربت بشكل مريع، وضربت بمواسير معدنية، حتى بات يشعر أنه لن يكون قادراً على الزواج أبداً.

في هذه الأثناء عوائل الفتيان المرتاعة، تلقوا عرض مساعدة من قبل إمام مسجد درعا التاريخي (العمري)، حيث تم التماس عطف مسؤولين كبار لإطلاق الصبية، دون جدوى.

وفي 18 آذار/ مارس شب احتجاج وسط درعا، مطالباً بعودة الأطفال، وفتح قوّات أمن بشار النار، فقتل شخصان، وازداد لهيب الاحتجاجات، وصعّد الأمن من وتيرة القتل، فامتدت الثورة إلى مناطق أخرى.

بعد يومين من احتجاج درعا، أخبر الفتيان بأنهم قد منحوا عفواً من قبل النظام بمناسبة عيد الأم، وعند إطلاقه فوجئ بشير برؤية جمع من الأصدقاء والأقرباء، حيث لم يكن يتخيل أن يرى كل هؤلاء الناس وهو يحيطون به.

أرجع الأمن للفتيان ملابسهم مع بعض السجائر، واسترجع نايف حقيبة ظهره، وبداخله كتب المدرسة.

رجع الأطفال المعتقلون إلى درعا، وكلما كانوا يقتربون منها كانوا يسمعون أصوات عشرات آلاف المتظاهرين، الذي اندفع قسم منهم نحو الحافلة وحملوا المحررين على الأكتاف، فيما لاذ عناصر أمن بشار بالفرار، طلباً للسلامة.

وطيلة شهر أعقب الإفراج عنه، كان بشير يحاول العودة إلى دراسته، لكن مسار الأحداث كان يتصاعد في مدينته وبقية سوريا.

مثل كثيرين، مزّقت حرب النظام عائلة بشير، وقُتل أخوه وابن عم له، أثناء قتالهم مع الجيش السوري الحر، ودمرت بيوتهم.

لقد كانت أحداثاً ثقيلة على والد بشير المسن، الذي توفي الشهر الماضي، بينما يعمل بشير الآن عامل بناء، رغم أنه لايخفي رغبته في الانضمام إلى صفوف "الحر".

وبينما كان على وشك إنهاء جلستنا الطويلة قريباً من منتصف الليل، أخبرني بشير عن خيبة أمله من الغرب وعدم تدخله لإيقاف مجازر النظام.

يقول بشير: أطفال درعا أشعلوا ثورة، والآن نحن نقول رجاء أوقّفوا هذا الشلال من الدمّ، رجاء ساعدونا، أعطونا سلاحاً.

سألته ماذا سيعمل عندما يعود السلام إلى بلاده، فيجيب بشير: أريد أن أكون ضابطاً في الجيش، لكي أتعامل بلطف وإنسانية مع أيّ ثورة مستقبلية!!

زمان الوصل - ترجمة
(187)    هل أعجبتك المقالة (350)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي