قضى سامر ليلته الأولى ممسكاً بمسدسه يذرع الطرقات جيئة وذهاباً متخفياً لعله يجد المجرم الذي من المفترض أن يعود إلى مكان جريمته بحسب ما قرأ في الروايات البوليسية ولكن كل شيء كان طبيعياً حتى خلال الأيام الثلاثة الأولى كما أنه لم يتمكن من الخروج من منزله وبحوزته ذاك السلاح إلا بعد أن قطع العهود لأبويه بأنه متزن ولن يفعل بنفسه شيئاً ولن يتسرع بالاشتباه بأحد.
بداية القصة
أفاق سامر منذ قرابة عام تقريباً على صوت هاتفه يرن وعندما فتح الخط سمع صوت أبيه يبادله السلام ويطمئن عليه ولكنه قاطع حديث والده للمرة الأولى في حياته وسأله عما إذاكان هناك أمر قد حدث فأجابه والده بصوت مخنوق "حاول أن تأتي إلى حمص اليوم فأختك نائلة مختفية منذ يوم أمس" وانتهى الكلام بينه وبين والده عند هذه النقطة فسارع سامر إلى تغيير ملابسه والاتجاه إلى حمص مستخدماً العديد من وسائل النقل كي يصل مبكراً ويعترف سامر في هذه اللحظات بأن الحظ قد ساعده وأنه استطاع أن يمر عن كافة الحواجز الموجودة بين دمشق وحمص بأمان وسهولة ليصل بعد قرابة ساعتين ونصف إلى منزل أهله في حمص وليصل أخوه وليد بعد ساعتين من إحدى جبهات القتال حيث أن وليد يقاتل في صفوف الجيش الحر في المدينة وأخذا يسمعان ما حدث.
خرجت نائلة ذات الإثنين وعشرين ربيعاً صباح ذاك اليوم من منزل أهلها في أحد أحياء حمص الآمنة والتي لا تشهد معارك بين الجيشين الحر والنظامي، وإنما تخضع لسيطرة قوات الأمن بشكل كامل وقد خرج برفقتها أخوها ذو الثلاثة عشر عاماً لزيارة المشفى الذي يقع ضمن الحي نفسه وبعد دخولهم المشفى اضطرت نائلة للخروج المشفى من أجل الدخول إلى الصيدلية المجاورة للمشفى فيما بقي الأخ الصغير يتابع أمور إستمارة الدخول إلى المشفى وخلال دقائق معدودة كان الأخ والذي يدعى خالد واقفاً بباب المشفى يبحث عن أخته، ولكنه لم يجدها فذهب إلى الصيدلية ليتفاجاً بأنها غير موجودة ومن ثم عاد خالد إلى داخل المشفى ليفتش الغرف واحدة تلو الأخرى دون أن يجدها أيضاً وخلال دقائق أعلم خالد والديه بالقصة ليهبوا مسرعين في البحث عن الفتاة ولكن دون جدوى ودون أن يجدوا أي أثر، وعجزت عشرات الأسئلة للناس بالقرب من المشفى من أن تجد جواباً وهكذا مضت الأمور خلال خمسة عشر يوماً يحاول فيها سامر وأقرباؤه السؤال والتواصل مع وجهاء حمص ووجهاء الطائفة العلوية بالإضافة إلى قيامهم بالإجراءات القانونية لدى أجهزة الأمن والقضاء السوري ولكن دون جدوى.
بكاء على الهاتف
عاد سامر إلى دمشق بعد عشرين يوماً من اختفاء أخته ليمارس نشاطه الثوري الذي اختاره القدر له في مدينة دمشق، وليبدأ مع أول يوم من عودته جولة طويلة من البحث فلم يترك مسؤولاً إلا وطرق بابه بطرق مختلفة، كما لم يترك محتالاً إلا وقد أعطاه نقوداً في سبيل أي خبر عن أخته حيث يقول سامر ل"زمان الوصل": كنت أعلم أن الكثير من الأشخاص الذين قابلتهم وأعطيتهم نقوداً في سبيل أن يعطوني خبراً عن أختي كانوا مجرد محتالين ومع ذلك لم أتردد في تأمين المبالغ التي يطلبونها لكي لا أدع للحظة أية فرصة ضائعة، ومع ذلك لم أستفد شيئاً.
ويروي سامر معاناته في طرح مشكلته أمام الآخرين الذين ربما يردون بطريقة جارحة سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة كأحد رجال الدين في حمص عندما قال له "وأنا ماذا يثبت لي أنها مخطوفة أو مفقودة" ويتابع الشيخ قوله "تأتينا أحياناً حالات لعقد القران بين شخصين من طائفتين مختلفتين"ليذهب سامر ويعرف أن جرحه لا يؤلم أحداً غيره، ومن جهة أخرى فإن معاناة سامر مع أهله لا توصف ففي كل مكالمة هاتفية يجريها معهم وهي شبه يومية يسمع بكاء أمه ليبكي معها على الهاتف، ويعدها بأنه سيستمر في البحث عن أخته ويؤكد لها أنه سيعود وبرفقته أخته نائلة وذلك ليسبغ قليلاً من الصبر على قلب أمه –حسب وصفه- ويقول سامر هنا "لا تعد تلك المكالمات التي تلقيتها من والدتي في أوقات متأخرة من الليل لتروي لي عن حلم تراءى لها تظهر فيه نائلة ولعله يكون بشرى خير بعودتها" ، أما عن والد سامر فيصفه سامر بأنه الشخص الذي فاجأه بصبره وهدوئه، حيث لم يردد أبو سامر خلال كل هذه الشهور سوى جملة وحيدة "إذا كان هيك ربنا رايد فالحمد لله رب العالمين".
خيط أمل
يصف سامر رحلته في البحث عن أي خيط يدله على مصير أخته المجهول حتى الآن بأنها رحلة لا يمكن للكلمات بأن تصفها فهو مشتت بين أحزان أهله وبين المجهول الذي ينتظره ويقول سامر بأنه توصل إلى معلومات تشير إلى أن نائلة قد تكون مقتولة على يد قوات الجيش والشبيحة، ومدفونة في حي القرابيص بحمص ولكنه فضّل عدم الكشف عن المزيد من التفاصيل، ريثما يتأكد بشكل كامل من هذه المعلومات وأشار إلى أنه لم يخبر أهله بهذه المعلومات حتى الآن كي لا يزيد من الضغط النفسي عليهم ولا سيما أن والديه يعانيان من عدة أمراض أغلبها ظهر بعد حادثة اختفاء نائلة.
يذكر أن محافظة حمص واجهت الكثير من حالات الاختطاف بحق نساء وبنات المدينة على أيدي الشبيحة، وقوات الجيش السوري ولكن لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المفقودات والمفقودين ولا سيما في ظل تحفظ العديد من الأهالي على ذلك النوع من الحوادث.
عمر الأتاسي - حمص - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية