بعد تصاعد الانتقادات في الوسط الشيعي اللبناني على انحياز حزب الله إلى نظام الأسد في مواجهته للثورة السورية، ودخوله العلني المباشر في الصراع الميداني على الأرض في الأيام الأخيرة، حيث توغلت آلاف من عناصره ( كما ذكرت مصادر الجيش الحر ) إلى منطقة القصير في الجنوب الغربي لمدينة حمص الاستراتيجية، واحتلت بعض القرى الحدودية، وبعد تزايد وصول أعداد الجثث من اللبنانيين الشيعة الذين يقتلون في ذلك الصراع، حيث لا يخلو يوم من تشيع جنازة قضى صاحبها في سورية، بدأ يلوح في الأفق سؤال ملح ، مضمونه : هل يثور شيعة لبنان على حزب الله؟؟
لا يُنكر أبداً أنّ كثيراً من أئمة الشيعة في لبنان وقفوا إلى جانب الثورة السورية منذ انطلاقها، وانتقدوا علانية انحياز حزب الله لنظام الأسد المستبد، بداية من العلاّمة المرجع السيد محمد حسن الأمين، الذي اعتبر تأييد الثورة السورية يعني الوقوف إلى جانب المظلوم ضد الظالم، مبيّناً أن الموقف الشيعي الطبيعي هو الانحياز إلى ثورة الشعب السوري المظلوم بمواجهة النظام المستبدّ، وموضّحاً أنّ ما يحصل في سورية هو بالدقة ثورة شعبية حقيقية بوجه الآلة العسكرية التي لم تواجه العدو الإسرائيلي. ( جريدة الرأي العدد (12155))
كذلك كان موقف الشيخ هاني فحص الذي أعلنه صراحة في مقابلاته الصحفية داعياً إلى الوقوف بجانب الشعب السوري ومما قاله :علينا ألا نوفر جهداً لمساعدة الشعب السوري على إسقاط نظامه الفاسد. كما انتقد بشدة دخول حزب الله على خط الحرب الدائرة في سورية، واعتبره أمراً مرفوضاً، مبيناً أنّه ليس هناك فكر اسلامي أو شيعي, أو فقه شيعي, أو تراث شيعي يبرره أو يغطيه. (صحيفة السياسة 11 / 3 / 2013)
ولكن الموقف الأكثر قوة والأشدّ حماساً للثورة السورية كان موقف الامين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي الذي كشف في حديثه (لقناة المستقبل اللبنانية) الأسبوع الماضي ولأول مرّة أنّ مئة وثمانية وثلاثين قتيلاً من عناصر حزب الله سقطوا في المعارك التي يخوضها الحزب في محاولة منه للدفاع عن نظام الأسد، مبيّناً أنّ هذا التدخل إنّما جاء بناءً على أوامر مباشرة تلقاها من ايران، وتمنى أن يتعقل الجميع، ويرجعوا الى ضمائرهم، داعياً حزب الله الى العودة من سورية، وقالها صراحة علانية بعد أن كانت تقال سراً: إنّ حزب الله لا يقاتل دفاعاً عن (مقام السيدة زينب) بل دفاعاً عن نظام بشار الأسد، وبيّن أنّ هذا العمل من الفتنة، وأنّه حرام شرعاً نصرة الظالم، وقتل المسلمين في سورية.
وقد حمّل الطفيلي ايران مسؤولية المشاركة في القتال في سورية، قائلاً : لماذا تريدنا إيران أن نقاتل في سورية بالسلاح الذي أرسلته لنقاتل به اسرائيل؟
وخاطب الطفيلي المعارضة السورية مؤكداً أن الغالبية الساحقة من الشيعة وحزب الله ليست مع ما يجري اليوم، والأمور ستصل الى تظاهرات ضد إيران وفتنتها.
إذا قارنّا هذا الموقف من الأمين العام السابق للحزب بما قاله نائب رئيس المجلس التنفيذي للحزب نبيل قاووق الذي صرّح بأن ما يقوم به حزب الله في سورية هو واجب وطني وأخلاقي في حماية اللبنانيين في القرى الحدودية، معتبراً أن شهداء حزب الله هم شهداء كل الوطن، لأنهم كانوا يدافعون عن أهلهم اللبنانيين. (صحيفة الشرق المطبوعة العدد (٥٠٦)٢٣-٠٤-٢٠١٣)
إذا قارنّا بين الموقفين لاحظنا البون الشاسع بين مسؤولي حزب الله وكثير من مراجع الشيعة المعتمدين في لبنان في تقييم الوضع في سورية، وهو لاشك يعكس وجود تيّار قوي على الأرض يعارض الموقف الرسمي لحزب الله من الثورة السورية، وما عرضناه نموذجاً لمواقف نخبة من علماء الشيعة ومراجعهم في بيئة مازالت تعتبر أنّ كلام المرجع يكاد يصل إلى مرتبة الحجة التي لا تقبل الجدل، فهل يبقى شيعة لبنان صامتين وهم يرون حزب الله يورّطهم رويداً رويداً في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟
إذا أضفنا إلى ذلك التساؤلات العريضة التي تدور في خلد الشيعي اللبناني والتي لا تجد سبباً واحداً مقنعاً يجعل حزب الله ينحاز كلياً إلى نظام الأسد المستبد، ويعادي الثورة السورية، فهو حزب يرفع راية نصرة المظلومين والمستضعفين، وأعتقد أنّ كثيراً من شيعة لبنان فوجئوا بموقف حزب الله المعادي للثورة السورية كما فوجئ السوريون .
فقد تبنى الحزب رواية النظام السوري للأحداث وتشخيصه لها على أنّها مؤامرة كونية على سورية، بل تعتبر محطة المنار لسان حال حزب الله أقرب ما تكون إلى محطّات النظام السوري في استعراضها لأحداث الثورة، ثم شارك الحزب نظام الأسد في التنكيل بالسوريين منذ أيام الثورة الأولى بطريقة مباشرة و غير مباشر، وإن كان أنكر مشاركته المباشرة بشكل دائم، فهو كإيران كان يعلن أنّه يشارك بالدعم اللوجستي فقط بإرسال الخبراء والمستشارين.
يتساءل كثير من شيعة لبنان إذا كان الدافع لهذا الموقف تأييد محور المقاومة والممانعة الذي يقف في وجه المشروع الصهيوني، فهل الشعب السوري الذي قام بهذه الثورة في المعسكر المعادي لهذا المحور؟! أم هل تنكّب في يوم من الأيام عن دعم هذا المحور مع أنّه ذاق من ويلات متاجرة النظام المستبد بهذا المحور، وهل صبر السوريون هذه السنين الطويلة على مرارة الظلم والاستبداد إلا كُرمى لعين المقاومة والممانعة؟! فإن كان هناك مقاومة وممانعة فالشيعة اللبنانيون يعلمون أن الشعب السوري هو المقاوم والممانع، وهو الذي دفع ثمن هذه المقاومة والممانعة من حياته وكرامته وقوت يومه، فهل يستحقّ أن يجازى على تضحياته بالمشاركة في التنكيل به وقتل أبنائه ؟
كما يتساءل كثير من شيعة لبنان، هل ردّ جميل نظام الأسد الذي دعم الحزب بالسلاح ووقف إلى جانبه في حربه مع الصهاينة يبرر مشاركة عناصر الحزب في قتل السوريين؟؟
كما أنّ الشيعة اللبنانيين يذكرون جيداً أنّ السوريين وليس النظام فقط تعاطفوا معهم، وأيّدوهم وساندوهم وهتفوا لحزب الله متجردين عن كلّ طائفية وفئوية، وكيف لا ؟ وهو يدّعي مقاومة العدو الصهيوني الذي اغتصب فلسطين وشرّد أهلها؟ ألم يحتضن السوريون اللبنانيين من الشيعة وغيرهم الذين فرّوا من قراهم ومدنهم في بيوت هذه القرى - التي يهاجمها حزب الله- أيام حرب تموز وباقي قرى ومدن سورية؟
هل الوقوف في وجه الصهاينة ومشروعهم وخوض الحروب ضدهم يشفع للحزب عند شيعة لبنان حتّى ولو حوّل بوصلته وانتقل بعدده وعتاده من الجنوب حيث يواجه الصهاينة إلى الشمال والشرق حيث يجتاح القرى الحدودية السورية ويتوغل باتجاه مدينة القصير ليواجه الثوار السوريين، في معارك تختلف اختلافاً جذرياً من حيث طبيعة العدو، ومن حيث طبيعة الهدف والباعث، والموازين فيها مختلفة، فهي هنا لمواجهة طموح شعب بالحرية وقتاله على أرضه، وهي معركة خاسرة في كل المقاييس والحسابات على مستوى الحاضر والمستقبل .
هل يقبل شيعة لبنان أن يكونوا ورقة في يد طهران تلعب بهم وبدماء أولادهم لتحقيق مصالح سياسية استراتيجية قريبة أو بعيدة؟ أليس هذا إشهاراً للهوية الطائفية الشيعية الذي ليس من مصلحتهم أبداً فهم يعيشون وسط محيط سني؟؟ ألا يؤثر ذلك على مستقبل التعايش في المنطقة ؟
هل جرّ لبنان والمنطقة إلى حرب طويلة الأجل وقودها دماء شيعة لبنان حصراً من مصلحة لبنان وشيعة لبنان؟؟
ألا يعلم شيعة لبنان أنّ أماكن عبادة الشيعة ومقاماتهم صار لها في سورية مئات السنين لم يعتد عليها أحد، وبقيت في الحفظ والصون، وأنّها لا تحتاج إلى من يحميها، وهل يحميها حزب الله من عدوان أهلها عليها.
فهل تستفز هذه الأسئلة وغيرها جمهور الشيعة في لبنان بحيث نرى ونسمع في الأيام القادمة ظهور ربيع عربي جديد ولكن بنكهة خاصة ؟؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية