أياً كانت الجهة الخاطفة للمطرانين الأرثوذكسين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي فإن اقتيادهما تحت تهديد السلاح لجهة مجهولة أضر بالثورة السورية العظيمة، ثورة الحرية والكرامة، وخدم النظام بشكل ما، حتى لو كان الأخير هو الخاطف.
ومن المعلوم أن الأغلبية المسيحية في سوريا اتخذت من الحياد موقفاً أزاء الأحداث منذ اندلاعها، أحياناً كان حيداً سلبياً يحابي النظام، وذلك لتراكم الخوف التاريخي في نفوس الأقليات، وقد حاول النظام استمالة الطوائف المسيحية التي تفوق الـ16 في البلاد من خلال إعادة انتاجه للريبة من أي حراك مدني يعتبره مخلاً للاستقرار و"انسجام ألوان الطيف السوري" كما يسميه النظام.
هذا الخوف الاثني، الطائفي، والايديولوجي، أوصل أغلب أرباب بيوت المسيحين إلى تنبيه أبنائهم لضرورة الابتعاد عن الانخراط بأي عمل سياسي، وجعلَ رجال الكنائس بمختلف رتبهم الروحية، يعيشون ضمن الظل البعثي ويعتبرونه ضامناً لوجودهم وممارستهم لشعائرهم بحرية ودون مضايقات.
طبعاً يُستثنى من ذلك عدد من رجال الدين، الذين عُرفوا بنشاطهم المدني قبل الثورة، والبعيد عن السياسة حكماً كالإيطالي السوري باولو داليلهو والهولندي السوري فرانس فاندرلخت المقيم حتى اللحظة في دير الآباء اليسوعيين والذي فضّل العمل الإنساني عن العمل السياسي.
وعلى غرار فرانس كثيرون من الآباء الشباب انخرطوا في العمل التطوعي بمختلف أشكاله، منهم من عمل في نطاق المصالحة الوطنية وهو عمل كبير رغم أنه تحت مظلة النظام، كالأب ميشيل نعمان دكتور الفلسفة ومدرس اللغة السريانية المولود في يبرود والعامل في حمص منذ عقود.
وعشرات الآباء الذين يعملون بصمت وبدون تمييز بين الطوائف في مختلف أنحاء سوريا جنباً إلى جنب مع إخوانهم الشيوخ في توفير الخدمات اللازمة للمتضررين من النيران المتبادلة في أرجاء الوطن.
ولا شك أن النظام السوري لا يطيق أي عمل إنساني أو غيره إلا تحت نطاقه وفي هذا السياق فسرت الأوساط المعارضة استشهاد الأب باسيليوس نصار في حماة. أنه اغتيال لناشط مدني. ثم اغتيال الأب فادي حداد في ريف دمشق نهاية العام الماضي.
وربما ارتأى المطرانان المخطوفان العمل الإنساني ومدوا أياديهم البيضاء ضمن معرفة ومباركة النظام كي يقدموا أكبر قدر من الفائدة للناس.
ولكن حادثة خطفهم لا يمكن للمرء وضعها إلى تحت غطاء التشدّد. أكرر أياً كان الفاعل شيشان، نظام، أم جهة مجهولة.
ومن البديهيات أن كل بشري يستمد قيمته من خلال كونه إنسان لا من رتبته أو منصبه، وأن كل سوري مات أو أجنبي على الأرض السورية هو روح خلقها الله أبانا جميعاً.
لكن أهمية المطرانين تبرز في رمزية المنصبين الروحيين الموكلين لهما، فعدد المطارين لا يتعدى الـ50 في سوريا.
فالمطران هو واحدة من الرتب العليا وهو رئيس طائفة قد تصل إلى خارج حدود جنسيته.
وتبدأ الرتب بالشماس ثم الخوري فالأسقف فالمطران. وهو عادةً رجل وقور بالغ في العمر، وحكيم في المقال.
ومن المعروف أن الأرثوذكس هم الأكثيرية المسيحية بين الطوائف في سوريا إن كان روم أو سريان.
وعلى ذكر رتبة الشماس كثيرون نسوا أن حادثة الخطف ترافقت مع استشهاد سائق المطرانين وهو شماس كان يقودهما لتحرير كاهن مخطوف، فرحمة الله عليه.
لذلك فخطف رجال الدين وقبله خطف عشرات من الشيوخ وتعذيبهم وقتلهم هو ضرب في الرموز، وإذا كان أحد المؤيدين يقول أن المعارضين توجهوا إلى أحد رموز البلد حافظ الأسد في اللعنات والشتائم، نقول إن أحداً لم يكن ليفطن بالأسد الأب لو أن الإبن فهم أن المزيد من العنف لن يحل مالم يحله العنف، ولو أن منظومة البعث ككل تعاملت بشفافية مع قضايا الشعب كالإخوان، والديمقراطية الغائبة عن البلاد مذ تسلم البعث الحكم، لما وصلنا لما أوصلنا له البعث الدموي.
وهنا نذكر أن من قطع رأس المعري، ضرب شيئاً من الرمزية، ويريد بث فكر يُخشى منه في سوريا الجديدة، أما رأس المعري كحجر فلا يتعدى كونه حجر.
*من أسرة "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية