كان لتخاذل المجتمع الدوليّ وعجزه عن اجتراح آليات لحماية الشعب السوري أو على الأقل تمكين الثوار وتسليحهم الدور الأكبر في طمأنة النظام وإعطائه الضوء الأخضر للقيام بعمليات عسكريّة واسعة وفي مناطق عدة لتغيير الواقع العسكري الذي فرضه الثوار في الأشهر الأخيرة.
حصر النظام أولوياته العسكرية خلال هذه المرحلة في ثلاثة مناطق رئيسية هي (الغوطتين، معرة النعمان، والقصير). ابتدأ النظام هجمته الشرسة على ريف دمشق مُركّزاً على الغوطة الغربية وفي قلبها مدينة داريا، والمعضمية. وقد تمكن النظام من تحقيق اختراقات في هذه الجبهات لصالحه. كما نجح النظام في إفشال مسعى الثوار لوصل الغوطتين الشرقية والغربية والذي طالما اعتبره الخطر الأكبر على دمشق. أما في الغوطة الشرقية فيعمل النظام على تطويقها لاسيما في المناطق المفتوحة على البادية والعراق بالقرب من مدينة عدرا، والعبادة التي ما تزال تشهد مواجهات عنيفة.
بالتزامن مع معركة الغوطتين، استطاعت وحدات من الجيش فك الحصار عن معسكري الحامدية، ووادي الضيف في إدلب، ويسعى النظام حالياً إلى تكثيف عملياته من أجل استعادة السيطرة على مدينة معرة النعمان لفتح الطريق الدولي دمشق –حلب بغية إرسال الإمدادات إلى الشمال وإنقاذ المراكز المحاصرة كالمطارات الثلاثة (النيرب، كويرس، منغ)، ومعامل الدفاع في السفيرة.
أما المعركة الأهم التي أعد لها النظام العدة بتخطيط وتنسيق مع حزب الله فكانت في منطقة القصير.
تنطوي معركة القصير على أهمية مصيرية في مسار الثورة السوريّة ليس فقط بسبب موقعها الاستراتيجي، وإنما بسبب مركزيتها في معركة حمص. يُجمع المتابعون للشأن السوري أن سقوط مدينة القصير سيكون مقدمة لسقوط مدينة حمص، وبالتالي نجاح النظام جزئياً في عزل الثورة في مناطق الشمال التي أسقطها من حسابته مرحلياً.
خبر النظام شراسة وشجاعة المقاتلين في مدينة القصير، وضراوتهم في القتال والتي كبدته خسائر كبيرة في العتاد والبشر،فاستعان بمقاتلي حزب الله أصحاب الخبرة في حرب العصابات، والمجهزين بأسلحة متطورة. وبالفعل استطاع النظام السوري تحقيق اختراق في هذه الجبهة بإحكامه السيطرة على قرية أبل، وتقدم حزب الله في قرى القصير حتى وصل إلى مسافة 3-5 كم من المدينة.
لست في وارد استحضار التشاؤم أو تثبيط المعنويات، لكن التطورات الأخيرة توجب الإضاءة عليها والتحذير من مخاطرها، والابتعاد عن البهرجات الإعلامية التي يلجأ إليها البعض باستحضار انتصارات وهمية أو تضيخمها.
بالمحصلة، إن المعارك الثلاثة السابقة هي معارك مصيرية على اعتبار أن نتائجها لن تنحصر في الجانب العسكريّ فقط، بل ستؤثر على مجمل الحراك الدولي والإقليمي المرافق للثورة السوريّة، والذي يحضر في الكواليس للانتقال إلى مرحلة جديدة من شأنها أن تغير موازين القوى القائمة.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية