كثيرة هي الصباحات التي لا يمكنك معها أن تمارس تفاؤلاً مفترضاً ، فتغدو عاجزاً عن الابتسام ، وعاجزاً عن تفسير حالتك الغريبة ، فتمضي بك الدقائق ثقيلة عقيمة عن إنتاج لحظة فرح تخرجك من عماك الداخلي ، ولربما تلجأ مثلي إلى الراديو الذي يفترض به أن يكون مبعث تسلية إن لم نطالب بوظائف أخرى أكثر مشروعية من إضاعة الوقت ، المهم أنك تحاول الخروج ويكفيك شرف المحاولة ، تبدأ بتقليب محطاته ، الواحدة تلو الأخرى فيستوقفك صوت عرابة الصباح فيروز الساحرة وتصعد بك على الفور إلى سمائها الخاصة وتبدأ بانتشالك من عماك، ولكن سرعان ما تنقطع الأغنية ليضربك صوت (مايشبه المذيعة) فتعيدك إلى أرضك بأسفل سافليها وتلعن (سنسفيل) الذي أنجبوك بصوت أقرع ، يحمل كل صفات الصوت إلا جماله ، المهم يا سيدي أنك تستعد لسماع خبر هام جداً أجبر الإذاعة العظيمة على قطع الأغنية ليمرره إليك على وجه السرعة ، والخبر يقول : يسعد صباح مواليد برج الحمل ، فتهز رأسك بأسى ويقودك فضولك العربي الأصيل لمعرفة ما يخبئه الحظ لجنابك ، وتبدأ شبيهة المذيعة بالسحب والقص حتى تخال التماسيح مالئة للسماء، وبعد رشة التفاؤلات التي تقدم بكل ثقة تكتشف أن قوس قزح هو أرضك وطريق الجنة دربك والسعادة ممشاك والفرح ملقاك والسماء بطبقاتها السبع هي درجك للوصول إلى بيتك في (سويسرا الورور) وكل ذلك يقال بتحبب زائد وفائض عن حاجة العشاق ، فتنحف المذيعة أو شبيهتها صوتها تارة ، وتارة تدلعه وتنغوجه ، وتصدمك في النهاية حين تسمي صاحب برج تعرفه وتريد أن تقدم له هدية عبر أثير إذاعتها فتقول : وما بنساكي يا إم زكي وحيات عيونك ، فتضرب كمستمع كفاً بكف وتلعن أم زكي وأبو زكي وحتى أنك تتجرأ وتلعن زكي نفسه .
ولا تنتهي الحكاية عند هذا ، إذ تبدأ المذيعة أقصد الشبيهة ، بطلب إرسال إس إم إس على (الخمصطعش خمسو سبعين ) أو أي رقم آخر ، وتبدأ ردحها : بعتو ...لا تنسو ...أنا ناطرتكون...وأول رسالة بيكون صاحبها بيحبني كتير ...وينكون لهلق ما بعتو ...وسيل من الكلام الذي يذكرك والله بمتسولين الشوارع الذين يلحقونك من شارع لشارع وكلمات التوسل تقطر عليك من كل الاتجاهات حتى تستحي على نفسك وتعطيه ما فيه النصيب.
أعتقد أن وظيفة الإذاعة الحالية وأقصد بعض قنوات الإف إم ، لا تختلف كثيراً عن متسولي الشوارع إلا بالأدوات المتطورة التي تمتلكها الإذاعة ، وأعتقد أن عمل بعضهن في تلك القنوات لا يعطي أية مشروعية لحياتهن إلا من زاوية الكسب فقط ، ولو مر عليهن قرن من الزمن وهن يعملن بهذه الطريقة لن يصبحن مذيعات محترمات ، خاصة وأن الأدوات المطلوبة لهذه الوظائف لا تتعدى صوتاً أنثوياً وبعض التدلع واللهجة المحكية الملبننة ، فيا مذيعات الإف إم اعتبرن أنفسكن أي شيئ إلا صفة المذيع أو مقدم البرامج فالفرق كبير
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية