دعيت في تركيا للقاء مع المرشد العام للاخوان المسلمين في سوريا, وخرجت من اللقاء بانطباع إيجابي , وقلت لمن معي : إن كان المرشد مقتنعاً بما يقول فإننا أمام فكر متنور ولن نخشى على مدنية الدولة وديموقراطيتها التي قامت الثورة السورية لأجلها.
بدأ الحديث حول المرجعية الإسلامية لدستور الدولة المدنية الديموقراطية المنتظرة,وكما نصت عليه أغلب الدساتير العربية, فقد أكد المرشد أن الشريعة الاسلامية هي المرجع الرئيسي للتشريع, على أساس ماعلم من الدين بالضرورة. فقلت:إذا كان هدف الشريعة الاسلامية هو تحقيق المصالح الضرورية الخمس في حفظ الدين والعقل والنسل والنفس والمال, أو السبع بزيادة الحرية والعدل ,حسب اجتهاد الطاهر بن عاشور, فإن القانون الطبيعي , والنظام العام, والقوانين الدولية, والأعراف, وماتوصلت اليه الأمم الحديثة في مجال حماية حقوق الانسان وحرياته, والتي تحقق هذه المصالح ولا تتعارض مع ماعلم من الدين بالضرورة, فإنها يمكن أن تكون من المصادر الدستورية للتشريع إلى جانب الشريعة الإسلامية, فقال وهل من المفيد إضافتها, فقلت: نعم, لإثراء مصادر التشريع, وللتأكيد على مدنية الدولة, ولبعث الإطمئنان في نفوس الآخرين,. فقال: وليكن.
أثار أحد الأصدقاء ما رآه تناقضاً في مواد دستور 1951, حيث إن أحد مواده تمنح الحق لأي مواطن سوري بتبوّء أي منصب في الدولة مهما علا, ثم تأتي مادة أخرى لتنص على أن الإسلام هو دين رئيس الدولة , فكان الجواب إن هذا من قبيل تقييد المطلق, ولا تناقض فيه.
سألت المرشد: ما دين الدولة المقبل؟. فقال بدون تردد وبدماثة خلق: لا دين لها. فقلت هذا هو الصحيح لأن الدولة هي بيت جامع لأفراد مختلفين, فهي مبنى إداري وقانوني على حد تعبير عزمي بشارة, والمبنى لا دين له وإنما الدين يخص ساكنيه.
قال المرشد: إن التيارات الإسلامية وخاصة الأخوان المسلمون, قد تعرضوا للهجوم والتشهير وحتى الإتهام بعد استلامهم السلطة في تونس ومصر, أما أخوان سوريا فقد بدأ الهجوم عليهم باكراً وقبل استلامهم لأية سلطة. فقلت: إن كلاماً كثيراً يقال عنكم وفيكم, فأنتم تسعون لبسط نفوذكم على مفاصل المعارضة سواءً في الائتلاف الوطني أو المجلس الوطني, والسيطرة على جميع المراكز السياسية أو الإدارية أو التأثير فيها, وكذلك تقومون بإنشاء جمعيات وهيئات تحت مسميات مختلفة في أغلب المناطق السورية وفي الخارج, يقوم على إدارتها أشخاص غير منتمين تنظيمياً للأخوان, لكنهم واقعين تحت تحكم الأخوان وتأثيرهم ونفوذهم, كما أنكم تفتقدون للإرادة وسعة الصدر في قبول الآخر ومشاركته, ناهيك عن ترك بعض المناصب الادارية أو السياسية للآخر. فقال: الأخوان في الائتلاف الوطني ستة أعضاء, وكيف لستة أعضاء أن يصادروا أو يتحكموا بقرار خمسين عضواً, كما أننا لم نأت برئيس الحكومة المؤقتة, ولكننا وافقنا عليه بعد أن رأيناه مناسباً. قلت : هذا الكلام يحتاج الى اثبات حسن النوايا. قال: كيف, قلت: لايشارك الأخوان في أي منصب وزاري في الحكومة المؤقتة من باب الإيثار لا من باب الإعتراض, ولأن دخولكم الوزارة لن يزيد عليكم سوى القيل والقال, ويؤكد سوء الظن بكم, كما أن عدم دخولكم الوزارة لن ينقص في قيمتكم وأثركم ووجودكم شيئا. فقال: سوف نقبل بمنصب وزاري واحد لأننا نريد أن نكون ضمن الفريق لاخارجه, ولكي نعلم كيف تسير الأمور وتتخذ القرارات عن قرب.
إن من يعترض على سيطرة الأخوان على مفاصل المعارضة السورية وتأثيرهم فيها, إنما يعترض على حسن تنظيمهم وأدائهم وفاعليتهم واتساع قاعدتهم,وهو اعتراض في غير محله,فالاخوان ليسوا دعاة مساجد وإنما طلاب سلطة وأصحاب مشروع, والسلطة تحتاج لتوظيف كل الإمكانات المتاحة للوصول اليها, ولتحقيق المشروع يجب ابعاد المنافس , ومن اراد ان ينافسهم عليه ان يمتلك أدوات المنافسة, من قاعدة شعبية, وتأثير, وتنظيم, فهؤلاء مثل المنافس الضعيف في أية لعبة رياضية, عندما ينهزم بفارق كبير من النقاط, فإنه لا يعترف بضعفه , وقلة خبرته, وتدني مستوى كفاءته, لكنه يلقي اللوم على قوة الخصم وكأنها عيباً .ان الإعتراض على الأخوان-إن وجد- فهو أن يمارسوا السياسة بميكافيلية,لأن حملهم لشعارات الإسلام وأفكاره والتزامهم بعقيدته, تفرض عليهم التخلق بأخلاق الإسلام.
إن مشكلة تيارات الإسلام السياسي العربية, بعد نجاح الثورات العربية هو استعجالها للوصول إلى السلطة وجشعها في السعي للسيطرة على جميع مفاصل الدولة, مستندةً في ذلك إلى تجربة حزب الحرية والعدالة التركي,فهي تريد أن تصل إلى الثمار قبل أن تمر بمرحلة الزراعة, وتتجاهل الطريق الصعب الذي سلكه تيار الإسلام السياسي التركي منذ أسس "أربكان" حزب النظام الوطني عام 1970 , وأعاد تاسيسه بأسماء مختلفة خمس مرات حتى عام 2000 , فقد تمتع حزب الحرية والعدالة التركي بمرونة كبيرة وطول نفس وسعة صدر, استطاع من خلالها التغلل ببطء وبنعومة إلى جسم الدولة التركية القائمة وإعادة هيكلتها بما يتناسب مع اهدافه ومشروعه, بعد نجاحات اقتصادية واجتماعية ملفتة, دون تصادم مع مؤسسات الدولة القائمة, أو مؤسسات المجتمع المدني.ليس مطلوباً من تيارات الإلسلام السياسي العربية أن تسلك الطريق نفسها , أو أن تتعرض لنفس الصعوبات والمشكلات, لكن عليها أن تسلك طريقاً, و طريقاً صحيحةً وتتجنب حالة القفز, وحرق المراحل ,والتهالك على السلطة والمناصب لاعتقادها أنها صاحبة المشروع الأميز والأوفر حظاً في النجاح والأكثر قبولاً شعبياً,أو الأكثر تضحيةً و وطنيةً , فهي أمور تقدم من دون مقابل, وإنما يكون مقابلها حب الناس, وخلود الذكر, ورفعة الوطن, وعليها أتستفيد من تجارب الآخرين , مع الوعي أن المشكلات التي تواجهها والبيئة التي تعيش فيها تختلف عن مشكلات و بيئة الآخرين,عليها أن تعرف ما حصل حتى تتمكن من التقدم للأمام,أو تقع في مطبات ومشكلات تفقدها مصداقيتها وزخمها وشعبيتها.
قلت: إن التشتت والتخاذل الذي تعانيه كتائب الجيش الحر يبعث على القلق ويؤخر النصر ويزيد في معاناة الناس, فما هو دوركم وإمكانياتكم في العمل على تقريب وجهات النظر وتوحيدها أو على الأقل التنسيق بينها. فقال: إننا نرسل لهم برسائل نطلب منهم فيها ذلك.وسألته عن الدعم الإغاثي الذي يقدمومنه, فقال: إنه لا اطلاع له عليه, لم يعجبني الرد على السؤال الأخير, لأن الكتائب العسكرية التي قام بتشكيلها الأخوان, أو تلك الموالية للأخوان والتي تحصل على تميولها منهم, لا يمكن أن تخرج عن رأي الأخوان وإرادتهم, لكنني أحسست أن الوضع الحالي مقبول بالنسبة لهم, وهو مايثير قلقاً عميقاً, كما أنني لم أطلب منه أن يجيبني بالتفصيل عن عمل الأخوان الإغاثي, لكن هناك خطوطاً عريضةً من المفروض أنه يعرفها, فالعمل الأساسي في هذه المرحلة هو العمل الإغاثي بسبب عمق الفاجعة وشمولها.
إذا كان ما قاله المرشد هو رأي الجماعة, فإن أيام سوريا القادمة ستكون مبشرة, وإذا كان مايقوله رأياً شخصياً له, وليس رأي الجماعة, فإن أيام سوريا القادمة ستكون مقلقة, أما إذا كان مايقوله ليس نابعاً عن قناعة شخصية, وإنما كلام للتسويق, فهي الطامة الكبرى
أربعة أسئلة للمرشد العام ... عمار ياسر الحمد

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية