وحدة المعارضة السورية
كلا النظامين المصري والتونسي سقطا بسبب قيام ثورات شعبية ضدهما دون أن تكون وحدة المعارضة السياسية شرطاً أساسياً من أجل تحقيق ذلك، فالثورات الشعبية العربية فاجأت المعارضات السياسية التقليدية وكانت متقدمة كثيراً عليها لذلك ما استطاعت مواكبتها فضلاً عن أن يكون لها دور في قيادتها.
ولذلك عندما انطلقت الثورة السورية العام الفائت لم يكن موضوع وحدة المعارضة موضوعاً على أجندتها، لقد كانت أولوية الثورة السورية إسقاط النظام وتحقيق العدالة والكرامة لكل السوريين، لكن النظام السوري أمعن في القتل وارتكاب المجازر والمذابح اليومية وبدى واضحاً أنه لا بد أن يكون للجامعة العربية و للمجتمع الدولي دور أساسي في الدفاع عن السوريين وحمايتهم من آلة البطش القاتلة.
وهنا أصبح توحيد المعارضة السياسية مطلباً أساسياً للثورة السورية وللمجتمع الدولي مجتمعين فلابد من صوت واحد يتكلم ويحدد مطالب الشعب السوري وينقل مطالب الثوار على الأرض إلى المجتمع الدولي ولذلك سمى الثوار أحد جمعهم باسم جمعة توحيد المعارضة، بهدف الضغط على كل المعارضين السياسيين في الداخل والخارج من أجل توحيد صفوفهم وخطابهم بما يحمي الثورة السورية ويمكنها من تحقيق أهدافها.
حاولت المعارضة تشكيل أطر سياسية مختلفة من أجل توحيد جهودها والأهم إدماج قوى الحراك الثوري بين صفوفها فتتالت المؤتمرات والاجتماعات من أنطاليا فاستانبول فالقاهرة وغيرها، حتى استطاعت المعارضة تشكيل المجلس الوطني السوري في اكتوبر من عام ٢٠١٢ أي بعد ستة أشهر تقريباً من بداية الثورة وولادة المجلس كانت عسيرة للغاية.
إذ ليس لديك في سورية قوى سياسية ناضجة لها ثقلها وتأثيرها في الشارع بسبب أربعين عاماً من الدكتاتورية المطلقة التي صحّرت الحياة الثقافية والسياسية بالمطلق
اعتبر المجلس الوطني حينها أوسع مظلة سياسية تنطوي تحتها المعارضة السياسية لنظام الأسد في سورية فهو يضم كل الإثنيات العرقية والطوائف الدينية والقوى السياسية ممثلة بإعلان دمشق والإخوان المسلمين والأحزاب الكردية والعشائر العربية وغيرها من القوى السياسية التي نشأت في الفترة الأخيرة كما يضم الكثير من الشخصيات المستقلة على اختلاف توجهاتها الإسلامية والعلمانية والليبرالية وغيرها.
بعد ذلك تتالت الانتقادات بأن المجلس يجب توسعته كي يمثل أطيافاً أخرى من المجتمع ولذلك تشكل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السياسية الذي يتعرض اليوم للانتقادات نفسها بما يعيدنا إلى المربع الأول ذاته واللعبة نفسها، تحميل المعارضة مسؤولية وقف نزيف الدم ونسيان الأسد الذي يستهلك كل القوة التدميرية ضد شعبه.
لابد من القول أيضاً المجلس والائتلاف نجحا في بناء مؤسسة للقوى المعارضة لا تقوم على الأسس الطائفية كما جرى الحال في العراق ولبنان، إذ لم يتأسس الائتلاف أو المجلس بناء على التكوينات الطائفية السورية والتي يصعب التخلص منها فيما بعد كما هي حال المجلس الانتقالي في العراق بل تشكل عبارة عن تحالف قوى سياسية واجتماعية وشخصيات مستقلة، لكن شرط أن تأخذ هذه القوى تعددية المجتمع السوري بعين الاعتبار عند تسمية شخصياتها القيادية إلى هياكل المجلس القيادية وهو أمر يُحسب للمجلس الوطني والائتلاف بكل تأكيد، لكن وبنفس الوقت فإن التحالف الائتلافي الذي أنشأه المجلس كأي تحالف ائتلافي سياسي عبر العالم سيكون هشاً وعرضة للانشقاق والانقسام عند كل هزة سياسية وعند كل منعطف.
وهو ما يحصل مع أعضاء المجلس والائتلاف باستمرار عندما يعلنون استقالتهم من المجلس أو الائتلاف بسبب عدم الرضى على أداء المجلس أو الائتلاف ودوره في قيادة المعارضة وتوجيه خطابها وهو بالتأكيد ما تتحمل مسؤوليته قيادة المجلس والائتلاف وعدم مرونتها في تجاوز كل هذه الخلافات، بالتأكيد هناك أسئلة كثيرة تطرح على تفكك الائتلاف اليوم وضعفه وهو ما يثير باستمرار سؤال وحدة المعارضة السورية، فلو أظهر الائتلاف صلابة وقوة في أدائه لاختفى السؤال. المتكرر باستمرار فيما يتعلق بتوحد المعارضة، فضلاً عن أن المجتمع الدولي غالباً ما يستغل عدم توحد المعارضة كحجة لعدم القيام بالتدخل الضروري من أجل حماية المدنيين السوريين.
لكن فشل مجلس الأمن في اتخاذ القرارات الضرورية بسبب الفيتو الروسي والصيني منع من تطبيق هذه القرارات على أرض الواقع وترك السوريين لمصيرهم في مواجهة آلة القتل اليومية التي يملكها نظام الأسد عبر قواته ومليشياته.
هنا تأتي مسؤولية المعارضة وعلى رأسها الائتلاف بضرورة بتوحيد صفوفه وتوجهاته وخططه من أجل الحصول على الدعم العربي والدولي الضروريين.
لذلك لابد من دعم الائتلاف والحكومة المؤقتة ومساعدتهما على تنظيم صفوفهم عبر دعمهم سياسياً وإعلامياً مما يعزز صورتهم وشرعيتهم لدى السوريين بانبثاق بديل عن نظام الأسد.
كما لابد من دعم الجيش السوري الحر الذي على تنسيق كامل مع الائتلاف عبر إمداده بالسلاح الضروري وخاصة مضادات الدبابات التي يستخدمها الأسد بكثافة وإمداده بالمعلومات الاستخبارية الضرورية من أجل ضرب أهدافه بسهولة وتقديم كل أنواع الدعم اللوجستي والمادي الضروري له.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية