أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المعارضة السورية – قصة فشل ( ج1)

محزن جدا أن ترى معارضين سياسيين أمضوا معظم حياتهم بين التشرد والتخفي والسجون، وعانت عائلاتهم ما عانت من البؤس والشقاء، يوضعون الآن في قفص الاتهام، ويرمون بسهام النقد والتجريح، ويتهمون بالتقصير والفشل من قبل الناس الذين يفترض أنهم وهبوا حياتهم للنضال من أجلهم، دون أن يشفع لهم تاريخهم النضالي الطويل والمشرف في شيء. وذلك بسبب عدم رضى السوريين عن أدائهم السيء والمهزوز خلال الثورة والذي لم يرق مطلقا إلى مستوى طموحات الناس ومستوى التضحيات التي قدمها الثوار.

لقد وضعت الثورة المعارضة والمعارضين على المحك، في امتحان جدي حقيقي صعب وحاسم، فكشفت عوراتهم وأظهرت ضعفهم وقلة حيلتهم وعدم قدرتهم على لعب أي دور مؤثر وذو قيمة في هذا الصراع المصيري مع النظام، ويمكنني الذهاب أبعد من ذلك – وأرجو أن لا أكون مجحفا – فأقول أن أداء المعارضة عموما كان في غير مصلحة الثورة بل كان في كثير من الأحيان خدمة جليلة لأعدائها.

وفشل المعارضة ليس أمرا طارئا عليها، ولا هو حديث العهد، بل هو تاريخي متأصل ومستحكم في جسدها حتى النخاع. فعبر تاريخها الطويل فشلت المعارضة في كل مشاريعها، وفي جميع الاستحقاقات التي واجهتها، وأهمها وعلى رأسها طبعا الاستحقاق الأخير، الثورة السورية.

والثورة لم تكن سببا لهذا الفشل، إنما هي لعبت فقط دورا كاشفا له، هي أزاحت ورقة التوت التي كانت تخفي عورات هذه المعارضة وبلاويها، هي أزالت عن وجهها مساحيق التجميل وأبرزت ملامحه الحقيقية.
وقد ترتب على هذا الفشل التاريخي المزمن نتائج كارثية بكل معنى الكلمة، طالت المعارضين والمعارضة والبلد على حد سواء، فالمعارضة فشلت في تحقيق أي من أهدافها، والمعارضون دفعوا مع أسرهم، دون جدوى، أثمانا باهظة من أعمارهم وحرياتهم ولقمة عيشهم.

أما بالنسبة للبلد فإن فشل المعارضة سمح ببقاء نظام الاستبداد جاثما على صدور الشعب بحمولته الهائلة من البؤس والظلم والتخلف، ثم وبسبب الثورة تحول هذا النظام إلى وحش هائج مدمر وقرر تحويل سوريا والسوريين إلى رماد (الأسد أو نحرق البلد) لأن الشعب قرر النزول إلى الشوارع والمطالبة بحريته وكرامته، وكأن سيرورة التاريخ تقضي أن تدفع الشعوب ثمن تقصيرها وتخاذلها عن مقاومة الطغاة في الوقت المناسب وسكوتها الطويل عن تصرفاتهم.. والمعارضة، لأنها المعارضة، تتحمل قبل الجميع مسؤولية مقاومة الطغاة، وعدم السماح ببناء صرح الطغيان.

لكن فشل المعارضة قبل الثورة شيء، وبعدها شيء آخر، وإصرارها على الفشل بعد أزيد من عامين على اندلاع الثورة شيء ثالث، استمرار الفشل بعد عامين من الثورة خطيئة مميتة وسقوط أخلاقي، هو أمر مذهل لا يمكن تصديقه لسببين، الأول أن المعارضة  حسب علمي، سعت تاريخيا لتغيير نظام الحكم لأنه نظام شمولي مستبد فاسد.. ودفعت أثمانا باهظة لأجل هذا الهدف، وعجزت بالنهاية عن تحقيقه، بل وعجزت حتى عن الإتيان بأي فعل ذو قيمة، وعن تحريك بضعة أشخاص ودفعهم إلى الشارع... ثم فجأة ينزل الآلاف من الشبان الشجعان إلى الشارع ويتظاهرون ويبدؤون ثورتهم ضد النظام بعفوية وبدون استئذان.. يفتح هؤلاء الشبان الطريق أمام المعارضة، طريق عريض ما كانت لتراه حتى في حلمها، يقدمون لها فرصة تاريخية لا تتكرر ولا تعوض ولا تقدر بثمن، فإذا بها تعجز عن التقاطها بغباء قل نظيره...  

أما الثاني فمرتبط بالمأساة التي تعصف بالبلد، فعرس القتل والتدمير يطال البشر والحجر وأسباب وشروط الحياة، والبلد مفتوح على مصراعيه أمام كل أشكال التدخلات الخارجية، وتتوافد عليه التنظيمات الإسلامية التكفيرية العدمية وتنمو وتزدهر، المخاطر محدقة به من كل حدب وصوب، واستمرار الصراع بهذه القسوة قد يأتي بمخاطر أشد هولا كالتقسيم والحرب الطائفية.. والتعجيل بإسقاط النظام يحمي البلد ويجنبها الكثير من هذه المخاطر، والشباب الثائر بحاجة إلى المعارضة السياسية لتغطية الثورة وإنجاز الاستحقاقات السياسية عندما تستحق...ولكن المعارضة تقف عاجزة عن الإتيان بأي فعل حيال كل ذلك، ولا تجيد سوى الصراخ والبكاء والعويل والنيل من بعضها البعض... أوليس هذا أمرا مذهلا صعب التصديق؟ صحيح أن الثورة فاجأت المعارضة، كما فاجأت الجميع، باندلاعها، وفاجأتهم أكثر بحجمها وقوتها واستمرارها وتوسعها، إلا أن ذلك ليس ذريعة كافية للعجز عن مواكبة الثورة وتقديم شيء ذو قيمة لها على مدى عمرها الذي تجاوز العامين!! ربما كان الأمر يحتاج إلى شهر أو شهرين أو أربعة لالتقاط الأنفاس وترتيب البيت والانخراط في عمل سياسي يلائم الثورة ويخدم مسارها.. لكن أن يمضي عامان دون أن يحصل شيء من هذا، ودون أن تتمكن من الخروج من الحلقة المفرغة التي تدور فيها، ودون أن تتمكن من التقاط  هذه الفرصة التاريخية النادرة، فهذا ما لا يمكن فهمه ولا يمكن غفرانه.

قصة المعارضة السورية هي قصة فشل مزمن، محطات متلاحقة من الفشل، فشل على الصعيد الفردي، أي على صعيد الحزب أو الفصيل السياسي، وفشل على الصعيد الجماعي، أي على صعيد التكتلات والهيئات التي تشكلها مجموعة من الفصائل مع أو بدون معارضين مستقلين، المحطات الناجحة نادرة الوجود، نسمع بين الحين والآخر عن مشاريع نجاح، وأقول مشاريع لأنها لا تكتمل وأقول نجاح لأنها تبدأ بأفكار ورؤى متقدمة وهامة وحيوية، وتضع لنفسها أهدافا نبيلة كبرى.أغلب مشاريع النجاح مرتبط بحالات الإلتقاء والتفاهم بين قوى المعارضة وبالأعمال المشتركة الجامعة التي كانت تحدث بينها بين فترة وأخرى، التجمع الوطني الديمقراطي في بداية الثمانينات مثالا، لجان إحياء المجتمع المدني مثال آخر، إعلان دمشق مثال ثالث، هيئة التنسيق، المجلس الوطني، الإئتلاف....نتحمس لتلك المشاريع ويغمرنا التفاؤل لكن حماسنا وتفاؤلنا يخبو بسرعة، إذ سرعان ما تبدأ تلك المشاريع بالتراجع والانهيار وتنتهي نهايات بائسة حزينة، قد لا تنتهي نظريا ولكنها تنتهي فعليا وعمليا، إذ تفقد تأثيرها وتتحول إلى أجسام شبه ميتة، لا يعمل منها إلا صوتها.
في الجزأين القادمين سنبحث في الأسباب الكامنة وراء فشل المعارضة 

(111)    هل أعجبتك المقالة (110)

المهندس سعد الله جبري

2013-04-20

وبانتظار الجزأين القادمين.. استبق القول بأن المعارضة السورية الحالية هي فريقين: 1 فريق سياسي ‏انشق عن النظام وهم عبد الحليم خدام وأصحابه، وهذا محروق سلفا.. وله أن يتكلم فنسمع لا أكثر. و2 ‏الأخوان المسلمون الذين صنعوا فشلهم بيدهم وتصرفاتهم قصيرة النظر الناتجه عن أنانية حزبية، وتسرع ‏باعتبار أن سلطة ما بعد الأسد ستكون في جيبهم الصغير – جيبهم الخاص لوحدهم - .. وهذا وهمٌ كبير... ‏وبالرغم من محاولات قيادات عاقلة لهم لإصلاح الخطيئة المذكورة، إلا أنها تركت بصماتها على الشارع ‏السوري لأفشال مستقبلية أُخرى .‏ هل هذا نذير بفشل ثورة الشعب السوري؟ قطعا لا.. بل.. بالعكس. ذلك بأن الثورة الحالية هي ثورة جميع ‏الشعب السوري في جميع أنحاء سورية، وليست ثورة أفراد أو أحزاب قديمة أو حديثة...ومن الملاحظ بأن ‏كل من مد رأسه زاعما تمثيل نفسه للثورة فقد احترق شعبيا وبسرعة، وهذا يدل على نًضوج توجهات ‏الشعب بأن الثورة ثورة الشعب، ومستقبل السلطة هي سلطته!‏.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي